السبت , مايو 18 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / وثائقيات سودانية / هي الهرطقة .. يعقبها الزلزال
IMG-20161024-WA0251.jpg

هي الهرطقة .. يعقبها الزلزال

IMG-20161024-WA0251.jpg

(حريات)
هي الهرطقة .. يعقبها الزلزال !
فضيلي جماع
كثيراً ما تبدو الأشياء ليست هي الأشياء، وكثيرا ما تصاب مفردات اللغة بما يشبه العبث واللاجدوى. يحدث هذا ساعة يقترب حمم البركان لشعب من الشعوب من الزلزلة والإنفجار.وفي نفس هذا السياق السريالي تشرد الظلال تاركة الشجر والبيوت أشباحاً بلا معنى. هنا تحضرني أبيات للشاعر صلاح عبد الصبور يقول فيها:
هذا زمَنُ الحقِّ الضائعْ
لا يعرفُ مقتولٌ مَنْ قاتلُهُ
ومتى قتلَهْ !
ورؤوسُ النّاسِ على جُثثِ الحيواناتْ
ورؤوس الحيواناتِ على جثثِ الناسْ
فتحسّسْ رأسَكْ
تحسسْ رأسَكْ!!

منذ أكثر من عام وبشريات هذا الزلزال تبدو جلية لمن يقرأ وقائع الأشياء ويحللها مستنداً إلى شهادة التاريخ وفقه الثورات. ولأنّ بقاء الأنظمة – كل الأنظمة –  تحكمه معطيات وشروط وليس عن طريق بيع الوهم للشعوب ، فإن كل قارئ لأوضاع بلادنا اليوم يدرك أنّ نظام “الإنقاذ” قد استنفد حصيلته من الشعارات وبيع الوهم لشعبنا. فبطانة هذا النظام – وقد أجهزوا على النظام الديموقراطي بانقلابهم العسكري في 30 يونيو 1989م – كانوا يعرفون أنهم قد اختاروا الوقوف – وهم الأقلية – في الجهة المعادية لخيارات شعبنا. وهملمن يعرف نمط تفكير الإسلامويين وأساليبهم في المدارس والجامعات وفي الحياة العامة – يعرف أنهم جاءوا ليفرضوا شكل دولتهم الهلامي على شعب السودان. وقد بدأ تسويق الشعارات والكذب على السودانيين منذ بيان الانقلابيين الأول: نظام يخفي لون بشرته وطبيعة جلده تحت أكذوبة أن عسكر الإنقلاب جاءوا من صفوف القوات المسلحة “لينقذوا” البلاد مما ستؤول إليه من خراب اقتصادي ولوقف الحرب في جنوب البلاد وبسط السلام والاستقرار. كانت تلك الفرية الأولى:  حزب سياسي ينكر بالكذب الواضح وفي عز النهار وعبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية وعبر الصحف السيارة – ينكر أيديولوجيته التي يرفع الصدق والأمانة شعارا لها في المدارس وفي الجامعات والمؤسسات العامة حتى يصل سدة الحكم. ولأن حبال الكذب قصيرة فإن بيع الوهم للشعوب ربما يستمر لحين لكن الجسر الذي شيد ليعبر عليه يقوم على أعمدة رخوة، وقطعاً سينهار.

من الصعب أن تكذب على شعب – يبدو صبورا وطيبا ولكنه بشهادة الآخرين من اكثر شعوب القارة ودول الجوار وعياً. عرف الناس منذ الساعات الأولى لبيان العميد عمر حسن احمد البشير أنّ الأخوان المسلمين بمسمياتهم المختلفة قد سطوا على النظام الديموقراطي. ومن يومها وبلادنا تدخل النفق المظلم: فارقت دوحة الاستقرار السياسي ، حيث رفع النظام الجديد قبضته الحديدية بدءاً بمجزرة ضباط رمضان،  وبالإعتقالات التي كانت قوائمها تتسم بالمقولة الشهيرة: (الذي لا يغنّي معنا فهو يغني ضدنا)! ثم حظر النقابات ومنظمات المجتمع المدني وخلق كيانات ظلت شكلية وباهتة حتى كتابة هذه السطور..وانتهاء بالإنتقام من خصومهم بإقامة المعتقلات السرية والتي عرفت باسم (بيوت الأشباح)..ثم كانت الطامة الكبرى حين بدأت طاحونة الترويج لفكرة لا شكل لها ولا طعم ولا رائحة.. إقامة “دولة الشريعة”- ليس على أرض السودان فحسب بل على كوكب الأرض كله: (وليعد للدين مجده ** ولترق منا الدماء** ولترق كل الدماء)!  وطوابير الشباب المغرر بهم تنشد: (أمريكا دنا عذابها)! ثم إعلان الجهاد على مواطنين تربطنا بهم كل الأوشاج ويربطنا بهم فوق ذلك عقد اجتماعي اسمه “الوطن” إخوتنا في الجنوب. هل من بيع للوهم وضحك على الشعوب أكثر من هذا؟كان لزاماً أن تصل أكذوبة البيان العسكري الأول نهايتها بحروب فصلت الجنوب واستمرت طاحونتها تحرق الأخضر واليابس في ثلاثة من اقاليم البلاد: دارفور ذات الكثافة السكانية العالية (7 ملايين نسمة) وجنوب كردفان (جبال النوبة) وجنوب النيل الأزرق..وطبعا لم تسلم اقاليم البلاد كلها من رصاص يطال متظاهرين (مجزرة تظاهرة بورتسودان السلمية ومجزرة كجبار) !

قرأت اليوم خبرين بالبنط العريض في الصفحة الأولى لصحيفة (آخر لحظة). يقول أحدهما: (الصحة تنصح النساء بالإكثار من الرقص لتفادي الإصابة بالسرطان!!) ويقول الثاني: (البشير: نريد أن نعطي الأمل للناس وننزع عنهم الإحباط)!!

عفواً … علامات التعجب في الخبرين من عندنا !

عندما قلت في بداية هذا المقال : ”  كثيراً ما تبدو الأشياء ليست هي الأشياء، وتصاب مفردات اللغة بما يشبه العبث واللاجدوى”كنت أعني مثل هذه الهرطقة والكلام الفارغ الذي ربما يدعو للضحك ولكنه كما قال أبوالطيب المتنبي قديما (ضحك كالبكا !)

دولة يغلبها توفير حاجيات الناس الضرورية ، وتشهر في كل منعطف لها منذ 26 عاما افلاسها سياسيا واقتصاديا و…….أخلاقيا. دولة يفلح فقهاؤها وعلماؤها في التجسس على جسد المرأة وما ينبغي أن تلبسه من لباس الحشمة! دولة يفلح ما يعرف فيها بشرطة النظام العام في تعقب من تلبس البنطال فيشبعون جلدها بالسياط. واليوم تأتي وزارة الصحة التي جففت الأدوية والمستشفيات لصالح محسوبيها لتعطي روشتة للنساء بالإكثار من الرقص لتفادي الإصابة بالسرطان!! يحدث هذا في سلطة تصادر الكلمة الحرة وتصاب بالحكة والعطس إن جاءت سيرة الفنون والسينما والموسيقى! لكنها تطالب النساء بممارسة الرقص لتفادي الإصابة بسرطان الثدي  !! أي وقاحة وقلة أدب!

ومن علامات حمم البركان والزلزلة (انتفاضة شعبنا لمن يريد الوضوح) أن يقول رئيس زمن الغفلة- وهو سبب إحباط شعبنا وهجرة الملايين من أبنائه وبناته باحثين في المنافي عن راحة البال وسترالحال – أن يقول دون حياء: (نريد أن نعطي الأمل للناس وننزع عنهم الإحباط!).. ألا يأتي هذا فيما أشرنا إليه في مطلع هذا المقال من أنه ( في السياق السريالي تشرد الظلال تاركة الشجر والبيوت أشباحاً بلا معنى!؟)

عندما تحدث مثل هذه الهرطقة فاعلم أن الزلزال وشيك. لست مفرطاً في تفاؤلي. لكني قطعا لم أفقد خاصة الحلم. من لا يحلم لا يمكن أن يصنع ثورة، فالثورة صنو الحلم. انتفض شعبنا في السدود ووقفت الجبال الشم في كاودا الثائرة منذ سنوات تسخر من الموت المجاني وتعلن الحياة ..ولا تزال ارحام النساء ولودا واغنياتهن تصدح في سهوب دارفور وماتزال حقول الجزيرة أكثر اخضرارا مما عرفنا.. بل ما تزال بقعة الإمام تشهد احتفاء الجموع الغفيرة باكتوبر شهر الثورات. هذا يعني أننا نعلن للنظام الدموي بأن رحيله وشيك. فقد اكتملت كل شروط الزلزال ! ولمن يحسبني أركب صهوة الحلم في عز النهار أقول : بيننا محكمة التاريخ! وبيننا مطلع الفجر..أليس الفجر بقريب!؟

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

أصدر تحالف قوى الاجماع الوطني احد مكونات قوى الحرية والتغيير بيانا،انتقد فيه الميزانية التي اجازتها الحكومة الانتقالية

Share this on WhatsApp#الهدف_بيانات أصدر تحالف قوى الاجماع الوطني احد مكونات قوى الحرية والتغيير بيانا،انتقد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.