الجمعة , أبريل 26 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / مكتبة علاء الدين الدفينة  / صوت من القبر…الى لجنة الاطباء المركزية. نبض الآهة…وخفق الجمر

صوت من القبر…الى لجنة الاطباء المركزية. نبض الآهة…وخفق الجمر

صوت من القبر…الى لجنة الاطباء المركزية.
نبض الآهة…وخفق الجمر :
……..
رسالة الطفلة الشهيدة تاليا للجنة الاطباء المركزية.
بقلم والدها :علاء الدين الدفينة.
…….
عشت في الدنيا (78) يوما بالتمام والكمال… كنت قبلها ببطن امي اتقلب منعمة بين المسام والمساء ومتسع يسد رمقي ويكفي حاجتي للتمدد والتقلبببطن امي عشت اكثر مما مت وانا بين ظهراني من تمنيت العيش معهم..كنت امني نفسي وروحي نموءا به اتعلم الجلوس متوسدة حجر امي او حتى وسادات تسند ظهري اللدن وغض لحمي…كنت انتظر ان احبو…اتتأتا الحرف واتوكأ السير..ابكي..اقلد ما تسمونه ابتسامة او ضحكة…كنت اشهد اخوتي حولي يتناوبون استجداء والدتي للتمتع بحملي…كثيرا تغلب رغبتي التجول معهم خوف مغامرتهم…اذ اني كنت كمن سيتقلد ملكا ابديا وصولجانا سحريا يعينني على القفز سنوات تتيح لي ان انشد معهم انشودة للمطر واحمل قلما به ارسم وجها او وردة…ربما سحابة.
…….
عطست ذات صباح…يومها اضفت لقاموس معرفتي شيئين هما المرض والطبيب…عطست…ويومها عرفت ان المرض جريمة وان الاستطباب عقوبة…عطست…وعرفت انني املك اكثر من ظل…ظل الرحم وظل دفء امي…والظلال القاتمة في وطن يحتله الفقر والجوع والمرض ويسيطر عليه الخوف وتفتك به اللامبالاة… يومها عرفت ان هناك مخلوق اسمه (طبيب)…
…….
الطبيب :
ببطن امي سمعت طبيبا يقول لها (انصحك بالولادة خارج رفاعة… مستشفاها لن يوفر لك الرعاية ولا لطفلك…انصحك بمستشفى الولادة بامدرمان)… اسم ذاك الطبيب هو محمد احمد…كنت اسمع صوته شهريا…لقد كان ابي ياخذ امي اليه شهريا ليطمئن على (صحتها وصحتي)…الصحة؟؟؟ تلك مفردة سمعتها تترد…لكن طوال حياتي (78 يوما كاملة) لم اراها…تمنيتها يومي الذي عطست فيه…لكن لا وجود لها…محمد احمد هو نفسه مدير مستشفى رفاعة الحالي …عجبت له كيف يعمل ومستشفاه لا يملك الطاقة لاستيعاب طفل جديد… لكنها الحياة…الم تقولوا عنها انها تعب…الم تتعلموا وانتم صغارا انها لعب ولهو؟؟؟ هي كذلك كما عرفتها.
بأمدرمان اطلقت صرختي الاولى على يد طبيب اسمه سمير… كان رقيقا وهو يتناولني بغبطة ويحملني بين زراعيه…كان مدير المستشفى شيخا وقورا هو البروفسير مروان…نقلوني لما يسمى قسم الاطفال بمستشفى الولادة…نعمت فيها ببعض الرعاية…بعد يومين انتقلت ووالدتي الجريحة البطن من اقصاها لادناها لمنزلنا بالخرطوم…نعمت فيه بايام قبل انتقالي لرفاعة…رفاعة التي اتوسد ترابها الآن في قبر حنون يضمني…هو أحن لي مما عشت من قسوةبرفاعة اتممت (78 يوما كاملة) قبل ان اغادر سطح للأبد…انتقلت لباطنها…تذكرت…قبل اربعة ايام من رحيلي عطست…يومها عرفت ان هناك شيئا اسمه زكام…قطرات تتسلل من انفي…والدي غادر في نفس اليوم للخرطوم…عند مغادرته كنت نائمة…لثمني…وانحنى نحوي بقبلة دافئة على خدي…انفاسه الحانية الدافئة غطتني كغيمة… مسح على رأسي بعد ان قبله…سمعته يقول لأمي انه ذاهب للخرطوم لعمل لن يستغرق منه سوى يوم او يومين…كنت صحيحة البدن…لكن بعد مغادرته نزلت من انفي قطرات رقيقه مما عرفت لاحقا انها مؤشرات شي اسمه زكام…ولما بدأت اعطس مضت بي امي لطبيب رقيق حنون مبتسم هو الآخر اسمه مجذوب قادم احمد… كأن لي موعدا مع الاطباء…استطعت تجميع حصيلة منهم في صداقة صامته…وصف لي جرعة اسمها دواء…تناولته على مضض…الدواء لا يطاق…لكن حليب امي انساني مذاقه… بعد ساعات غطى الجو شي اسمه غبار…الساعة شارفت على الحادية مساء…نقلتني والدتي للمستشفى…المستشفى مصطلح ايضا جديد على حياتي…لا حيلة لي ولا خيار…مع امي اتنقل آملة فيما يجعلني اعيش واعاود الاحلام بان اكبر واجلس…لا…اكبر كثيرا واحبو…لا…ما الذي يجعلني لا اتمنى ان امشي ايضا كما يمشي اخوتي…بل وحرى لاهية ببضع اللعب والدمى…كنت امني نفسي بعروسة صغيرة اطلق عليها اسما ما… لكني وجدت نفسي في شي اسمه مستشفى وامام عدة طبيبات واطباء كتبوا لامي جرعة دواء آخر وقرروا لي ما سموه اوكسجين… اوكسجين؟؟؟نعم…هواء…هو شي تحتاجه الرئة لاعيش… هذا الشي يحتاج لشي اسمه منظم…والمنظم غير موجود…قال والدي انه سيذهب ليقابل طبيبا اسمه مرتضى محمد احمد…جاء به…مرتضى رجل طيب رؤوف…بإشفاق كان ينظر نحوي وهو يداعب خدي باصبعه… قال لوالدي لا تملك المستشفى هذا الشي المسمى منظم…تم نقلي من الاطفال للحوادث…هناك أمة تنتظر مادة رئاتها رئة تلو أخرى في صفوف للانفاس…نلت حظي وهدأت قليلا…بعد عناء
…….
تم نقلي للاطفال مرة اخرى…والدي يتحدث عن سوء الاوضاع…والدي الذي عاد من الخرطوم كان قلقا…مرة اخرى نزل ذاك الشي المسمى غبار…كان كثيفا…كنت في عنبر سقفه من الزنك تتوسطه مروحة تحتاج لمروحة تهبها هي الاخرى…ادراج مبعثرة فيه رأيت والدي يصور ما سماه قمامة كانت الادراج مستودعا لها…لا نوافذ في العنبر تحجب الغبار…ولا حياة فيه سوى بضع اطفال اكبر سنا مني يغلب انينهم نحيب امهاتهم…ولن انسى بضع قطط تتوسد المراتب اثارت فضولي وهي تبادل انين المنا بمواء جوعها…تتمطى في كسل كنا نمني اجسادنا به…انقطع التيار الكهربائي…شدة الغبار مع ارتفاع درجة حرارة العنبر ذو السقف الزكي زادت من ضيق انفاسي…اخرج والدي من جيبه جوالا واتصل بمدير المستشفى…وحكى له المشهد… سمعت والدي يتحدث…الكهرباء قطعت يا دكتور…أليس هناك مولد احتياطي؟؟؟ كيف لا يكون لديكم مولد؟؟ مافي مشكلة…طيب…قل لي ماذا نفعل؟؟؟ طبيب في العنبر؟؟؟ لا يوجد….نعم…توجد ممرضة اسمها اشراقة…يا دكتور ابنتي تلفظ في بلغم من فمها وانفها… لا تستطيع التنفس…ماذا؟؟ اوكسجين…؟؟؟قالت الممرضة اشراقة ان المنظم متعطل؟؟؟ كيف آخذ ابنتي للعنبر الخاص وعشرات غيرها يعانون معاناتها؟؟؟ لا اريده لا مجانا ولا بقروش…نعم؟؟؟ ايوا… الحل لازم يشمل كل الاطفال
بينما كان والدي يتحدث مع مدير المستشفى الدكتور الوسيلة محمد حامد الذي اعقبه دكتور محمد احمد في الاداره كنت انا ارفع عنقي للسماء راجية شهقة واحدة من الاوكسجين…احاول ان اتماسك… احاول ان اعيش…لكن بلا جدوى…حملني والدي وكان يضمني لصدره وهو يجري بكل طاقته نحو الحوادث…امي خلفه تجري ايضا وهي تبكي وتولول بصوت مبحوح…ابحث عن شهقة من الهواء…لا استطيع…والدي يجري بي وهو يضمني اليه ويسعى ان يحميني من الغبار…ازداد البلغم الذي الفظه من فمي وانفي…لوني بدأ يتغير نحو اللون البنفسج ثم الكبدي…قابلتنا عمتي في الطريق ومعها بعض افراد الاسرة…اخذوني من والدي الذي كان يصيح بأعلى صوته (اوكسجين…اوكسجين…اوكسجيييين يا عالم)…ابعدوني عنه…عمتي وضعت فمها في انفي وبدأت تشفط في البلغم من انفي بواسطة فمها…ثم من فمي…في الطريق قابلنا دكتور مرتضى…كان يقول لوالدي انه طالب بالجهاز المنظم اكثر من مرة وقيمته فقط 250 جنيه…وانا كنت اذوب وانزوي بهدوء.
…….
حينما حل صباح الاربعاء 1/6/2011 غادرت دنياهم على صوت صراخ امي…كانت تنادي…تاليا…تاليا…تالييييا…الحقني يا علاء…والدي اسمه علاء الدين الدفينة…بقربي تواجد رهط من الاطباء…منهم طبية اسمها ايمان انحنت نحوي تضغط على صدري برفق…مع كل ضغطة كنت امنحها ما اخذته منهم…حليب امي…دواءهم…وذكرى من دمائي في خيط رفيع من الدم خالط حليب امي ودواءهم…حليب امي ذو مذاق لن انساه.
طلب والدي بتهذيب يخالطه الالم وحزن عميييق  من ايمان ان ترفع يدها عني…سمعته يقول (لله ما اعطى وله ما اخذ…انا لله وانا اليه راجعون…احتسبتها لله شفيعة)…صرخت امي صرخة عالية…عيناي اسدلتهما للمرة الاخيرة…امي تصرخ وجمهرة واجمة من الحضور تبثها عبارات الصبر والتسليم…ضمها والدي لصدره الذي كان مأوى لي في الساعات والايام الماضية…قال لها بثبات (والله ان تاليا قد ماتت…وانا سأموت..وانت كذلك…واخوتها…وكل الحضور الحالي…سلمي امرك لله خالقها وخالقنا)…كانت هناك امرأة قد لفتني بغطائي…لفة محكمة ورقيقة…طلبت امي من والدي ان يحضرني لها لتحتضنني…منعه الناس لكنه لم يعبأ بهم…اخذ جثتي ووضعها امام امي في السرير الذي مت فيه…ضمتني اليها بشدة وهي تبكي…فترة من الزمن وانا مسجية في حضنها…ثم تناولني والدي منها ووضعني في سرير اخر…كان يتصل باسرتي واعمامي ويخبرهم بموتي…جاءوا على عجل واخذوني للبيت…سمعت صوت اخي الهطال ولم يعرف حتى اللحظة انني فارقت دنياهم هذه (11 عام) بابا…جبت تاليا معاك؟؟؟ اجابه والدي : تاليا ماتت يا اولادي…تاليا ماتت يا اخوان تاليا…ارتفع الصراخ وبدأ الجيران والاهل في التوافد…غسلوني وحنطوني وكفنوني… ذهبوا بي للمقابر…اول رحلة خروج لي من البيت…وآخرها…حفروا لي قبرا وصلى على جسدي عدد مقدر من الناس…سمعتهم ينادون ابي ل(يوسدني الباردة) وضع جسدي في لحدي…انتقلت من المهد الى اللحد ومن العنابر للمقابر في غضون ساعات…كل عمري (78 يوما كاملا) وكل ذنبي اني عطست…واصابني زكام
………
والدي توجه من المقبرة للمستشفى…استخرج لي شهادة وفاتي… ولم يجف حبر شهادة ميلادي…توجه لوكيل النيابة وفتح بلاغا ضد وزير الصحة ومعتمد المحلية وادارة المستشفى…طلبوا منه ابعاد الوزير والمعتمد عن الدعوى وشطب البلاغ ضدهما والاكتفاء بتوجيه التهم للاطباء…رفض ذلك..واعتبره ابتزاز وتهديد…كان مصرا امام وكيل النيابة بان يشمل بلاغ المسئولية التقصيرية الوزير قبل المعتمد والمعتمد قبل ادارة المستشفى…طلبوا منه رفع الحصانة عن الوزير والمعتمد…طلبوا منه توجيه التهم ضد الاطباء نظير مساعدته في القضية…لكنه رفض (لا اتهم طبيبا بانه سببا في وفاتها واتهم الدولة بالتقصير في توفير المعينات اللازمة للحفاظ على صحة المرضى واخص منظم جهاز الاوكسجين)…وبدأت النيابه في اجراءاتها تحت المادة 47 تحريات مبدئية مع الاطباء…ثم عرضوا على والدي التعويض الشخصي…لكنه رفض واصر على تحسين ظروف العمل وتجنب تكرار ما حدث لي…هدد وكيل النيابة والدي بنبش جثتي وتشريحها…اسم وكيل النيابة هو محمد المجتبى…وافق والدي ونفسه تتقطع الما وهددهم بحشود لا اول لها ولا آخر…اعتقلوا والدي وسجنوه وعذبوه ثم اعتقلوه شهرا كاملا…اخيرا غادر وطنه…ولا يزال في منفاه.
……..
لما علا صوت القضية وتعددت منابرها صحفيا وجماهيريا وقانونيا قرر اهل رفاعة بناء مستشفى للاطفال من 3 طوابق …حضانة اطفال…جلب المعدات المنقذة للحياة…كما قرروا بناء مستشفيات اخرى حماية للقادمين من رفاقي…دفعوا من جيوبهم حوالي 10 مليار جنيه…ونفذوا بالدعم الذاتي كل ذلك…لكن وحتى هذه اللحظة ترفض وزارة الصحة افتتاح هذه المؤسسات او دعمها بالاطباء رغم اكتمالها وتشطيبها واحتوائها على احدث الاجهزة التي جلبوها بجهدهم ومن جيوب ابناء رفاعة.
………
مات معي في نفس اليوم عدة اطفال منهم اخوين توأم
سبقني المئات…وكانت لنا مقبرة مخصصة للاطفال تأكل الكلاب بعضهم بعد الدفن…ومن يعبأ بنا بعد الموت…وهل لمن جهلنا ونحن احياء ان يهتم بنا ونحن اموات؟؟؟.
……….
هذا صوتي لكم يا اطباء بلادي
وصوتي للجنتكم الموقره
اختاروا ما شئتم من خيارات…لكن ارواحنا ستدعو لكم او عليكم.
……….
تاليا…الغيثارة التي سلبوا لحنها…(78) يوما في الدنيا…لا غير

علاء الدين الدفينة.

 

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

اعدام الأرض. ……. علاء الدين الدفينة. …….

Share this on WhatsApp غدا…الرابع من أبريل ٢٠٢١ سيشهد أغرب قضية في أغرب وطن وتحت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.