بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة للسيد الصادق المهدي اليوم، أعادت إلى ذاكرتي الكثير من مواقفه فى لحظات النضال المفصلية، كإنتفاضة شعبان الشهيرة و ما صاحب محاولة سبتمبر عام 1976 من فشل، رغم توفر كل أسباب النجاح السياسية و اللوجستية.
أضف إلى ذلك، إنسلاخه من الجبهة الوطنية فى أدق لحظات المواجهة مع النظام المايوى، و التوجه منفردا إلى بورتسودان وعقد إتفاق ما سميت بالمصالحة الوطنية مع الطاغية نميري، دون ان ينجز من خلالها أى شأن وطنى، بل مصالح شخصية وأسرية و وصل به الحال بأن ينضم إلى مستنقع الإتحاد الإشتراكي المقبور بإسم الصادق الصديق عبد الرحمن! !!
كان جزءا أصيلا من التجمع الوطني الديمقراطي و الذى كان يقود النضال ضد هذا النظام، فخرج عليه فى وقت كان الناس في أحوج الحالات للقاء والتوافق. و كررها مرة أخرى عندما إنفصل عن قوى الإجماع الوطني فى ظروف مشابهة.
السيد الصادق المهدي هو رئيس وزراء السودان الشرعى. و الإنقاذ لا تملك أى شرعية دستورية ديمقراطية، فهى نظام إنقلابى يحكم بوضع اليد و عبر ترتيبات مزورة إرادة الشعب، وكان من المفترض ان يكون موقف السيد الصادق هو البوصلة و المنارة التى تقود الشعب إلى العمل و الكفاح بلا هوادة أو ترد أو تخاذل حتى تحقيق إعادة الديمقراطية والحريات والتى سرقت من تحت أرجله وأمام ناظريه، وهو كان المسؤول الأول عن تأمينها و الحفاظ عليها.
ظلت مواقفه و منذ البداية مهزوزة و مرتبكة ومحيرة للجميع، فكل ما إستوت المواقف النضالية و أصبحت قاب قوسين أو أدنى من النصر، ينسل ويبتعد ويخلط الأوراق بمهارة يحسد عليها.
لبى كل دعوات النظام في التفاوض، و عقد معه أتفاق جيبوتي، مرورا بكل اللقاءات الخاصة والعامة و وصولا إلى حوار الوثبة.
و أصبح على رأس نداء السودان، المبشر بالتفاوض مع النظام وجلس معه في أديس و باريس و برلين ولم يحصد غير الريح. و كانت آخر محطاته فى يناير الماضي فى أديس حيث ذهب بروح المتفائل، الواثق بالإتفاق مع النظام و عبر عن ذلك علانية. و فشلت المحادثات برفض الجهة الراعية لمشاركة بعض أعضاء وفده، و ليس لخلاف حول المواقف السياسية. و من المضحك المبكى ان يكون إبنه عبد الرحمن أحد أعضاء الوفد الحكومى في ذلك اللقاء.
الجميع لن ينسى وصف الرجل لإنطلاق الثورة، بالقدح المهين ، الامر الذى سبب إستياءآ و غضبا على نطاق واسع من الشعب السوداني، وكنت أتوقع من سيادته أن يتواضع ويعتذر، لعل ذلك يخفف حزن أمهات و آباء الشهداء ويعزز صمود الثوار.
فى الوقت الذى وصل المد الثورى إلى كل أصقاع السودان في القرى والمدن و البوادى، و أصبح فعلا يوميا و الهتافات علت و سمت بالحرية والعدالة و السلام وصارت الجنينة و كسلا و حلفا و كرمك كأنها أحياء فى مدينة واحدة تصدح بأهازيج النصر القريب، طلع علينا السيد الصادق -كعادته القديمة والمتجددة دوما – بإقتراح مفخخ و مشبوه، اسماه بميثاق الخلاص والحرية والمواطنة ،ضمن خطبة الجمعة، و هو يتكون من عدة محاور كلها تصب في إضعاف الثورة و شل حركتها. و طالب سيادته الفعاليات السياسية الأخرى بالتوقيع عليه.
أن السيد الصادق المهدي هو رئيس نداء السودان الموقع على إعلان الحرية و التغيير. وهو رئيس حزب الأمة القومي الموقع على نفس الإعلان.
و أن الحراك الثوري و الشعبى يقوده تجمع المهنيين وكل القوى السياسية الموقعة على الإعلان، هو بقيادة شباب و شابات يمثلون كل الطيف السودانى بلا قبلية أو جهوية أو طائفية بل المواطنة السودانية فى تلاحم و توافق و إنسجام عز مثيله.
إن هذا التجمع المبارك نال ثقة الشعب و أثبت صدقه وتجرده وتفانيه و إخلاصه وجمع حوله كل العناصر الحية والفاعلة. و أثبت جدارته في التخطيط و القيادة والريادة.
وهو يرسم خطى الطريق النضالى من خلال معطيات الواقع و مجريات الأحداث و الحراك، وقراءتها تحليلها و إتخاذ القرارات و التكتيكات المناسبة. و قد نجح حتى الآن نجاحا باهرا. و لا يوجد أى مبرر لطرح رؤى جديدة خارج أطر تجمع المهنيين، و إذا كانت هناك رغبة حقيقية و صادقة لأثراء الفعل النضالى ينبغي ان تقدم عبر قنوات التجمع وليس عبر خطب الجمعة.
أنا أطالب السيد الصادق أن يلتزم بمواقف و قرارات تجمع المهنيين و هو موقع على بيان الحرية و التغيير ، ولست في حاجة بأن أذكره بأن هذا من أبجديات العمل التنظيمى و أى إخلال به يضر ضررا بليغا بالقضية الوطنية في هذا المنعطف الحرج.
أن المواقف اللينة و الضبابية والإخراجية في أغلب الأحيان لا تليق بهذه المرحلة. و لا محاولة الهبوط الناعم ستجد مدرجا آمنا. لن نكرر عفا الله عما سلف ولكن لكم فى القصاص حياة يا اولى الألباب.
وإنى أحذر و بشدة الفعاليات السياسية من الوقوع في الفخ و التوقيع أو حتى الإلتفاتة إلى ما سمى بميثاق الخلاص والحرية والمواطنة. هو محاولة للتشويش وإبعاد الحراك عن مساره المرسوم وجره إلى مزالق إنصرافية.
المجد و الخلود للشهداء والشفاء للجرحى والمصابين و الحيرة للمعتقلين. و إنها لثورة حتى النصر المؤزر بإذن الله تعالى.
د.على إبراهيم.