بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة رئيس الجبهة الثورية السودانية بمناسبة عيد الاستقلال الستين للبلاد
تهنيء الجبهة الثورية السودانية الشعب السوداني الأبي في قطاعاته كافة بمناسبة المولد النبوي الشريف و عيد ميلاد المسيح عليه السلام و رأس السنة الميلادية الجديدة و تحييه تحية إعزاز و تقدير بمناسبة مرور ستين عاماً على خروج المستعمر الأجنبي من أرضنا الطاهرة و أيلولة أمر البلاد إلى بنيها.
تكمل بلادنا عامها الستين من خروج المستعمر الأجنبي و الحروب دارت و ما زالت تدور رحاها في في مساحات شاسعة من أرض الوطن، و طائرات النظام تصب حممها على الأطفال و النساء و الشيوخ في القرى الآمنة، و مليشياته من البرابرة يعيثون في الأرض فساداً و يهلكون الحرث و النسل، و تقتتل القبائل فيما بينها بسلاح النظام و آلياته و تدريبه و تمويله، و الملايين من أبناء الوطن و بناته لا يزالون يرزحون في معسكرات الذل نازحين و لاجئين، و يهلك شبابه في الصحاري و البحار في بحث مستميت عن حياة آمنة و مستقبل واعد.
إن كان الاستقلال يعني التحرر بمعناه الواسع، فقد مضت ستة عقود كاملة منذ خروج المستعمر الأجنبي من أرضنا و شعبنا اليوم أحوج ما يكون إلى الحرية. بلادنا تدخل عقدها السابع من نيل الاستقلال السياسي و ما زالت زنازينها ملأى بسجناء الضمير، و حرية التعبير و التنظيم و الاجتماع و الانتقال ملك النظام المستبد و أجهزته الأمنية يمنّون بها على أهل الولاء و يصادرونها عمن سواهم أنى شاءوا. خرج المستعمر من بلادنا قبل عقود ستة و لم يتحرر شعبنا بعد من الجوع و الخوف و المرض و الجهل!
تستقبل بلادنا عيد استقلالها الستين، و لا يجد شعبنا للعيد طعماً و هو يتلوى من المسغبة و العيش الضنك الذي فرضته عليه سياسات النظام الاقتصادية. فقد صنعت هذه السياسات الرعناء التي تسخّر للحرب كل ما يتبقى من نهب المفسدين من إمكانات البلاد، و لا تضع ل”قفة ملاح” المواطن حساباً في أولوياتها، صنعت هذه السياسات طبقة صغيرة من الأثرياء المتخمين، و أحالت غالب الشعب إلى جيوش من البؤساء الذين يلهثون ليل نهار لتوفير ما يسدون به رمق أطفالهم و لا يفلحون. و مما يزيد الأمر ضغثاً على إبالة نذر المجاعة و المحل الكاسح الذي يتهدد قطاعات عريضة من الشعب و ماشيتهم في العام الجديد. تستقبل بلادنا عيدها الوطني الستين و قد أخذ الحصار الاقتصادي و العزلة الدبلوماسية بتلابيبها، و رهنت أمرها إلى صندوق النقد الدولي الذي يفرض من الوصفات ما يعين على استرداد ديون المقرضين دون مراعاة للعنت الذي يقع على المواطن جراء هذه الوصفات، و عادت صفوف الخبز و الغاز و البنزين اللعينة تزيّن ما تبقت من ساحات العاصمة و المدن الكبرى و طرقاتها. يحل علينا عيد الاستقلال المجيد هذا العام و قد لحقتنا لعنة الاعتماد على سلعة صادر واحدة، و حفيت أقدام الحكّام يستجدون التمويل بكل الوسائل و وفق كل شروط السخرة دون جدوى.
نستقبل عيد الاستقلال المجيد، و قد صار شعبنا و بلادنا رهينة لرئيس هارب من العدالة الدولية، و صار اسم بلادنا في رأس كل قائمة مذلّة للوطن و المواطن، و في ذيل كل قائمة يكون فيها البلاد مكان فخر و إعزاز، و لم تكن بلادنا في يوم من الأيام أقرب إلى الدولة الفاشلة من يومنا هذا.
و لكي نخرج من الدائرة الخبيثة التي نحن فيه، و يكتمل استقلالنا بحق و يهنأ به شعبنا، و يجد مسوغاً للاحتفاء به، لا بد من الآتي:
إيقاف الحرب المدمرة التي أتت على الأخضر و اليابس في دارفور و النيل الأرزق و جنوب كردفان عبرعملية سلمية جادة تتوافر على إرادة سياسية حقيقية تخاطب جذور المشكلة السودانية المتمثلة في الفشل في إدارة التنوع و استثماره إيجاباً و الركون إلى التهميش و الاقصاء السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي للغالبية العظمى من سكان البلاد، و العمل على إزالة آثار الحرب و ما ترتب عليها من نزوح و لجوء و احتلال لأراضي الغيربجانب تعويض المتضررين على المستوى الفردي و المجتمعي و الوصول إلى ترتيبات أمنية تضمن الأمن و الاستقرار في البلاد.
العمل على استعادة الحريات العامة و الديموقراطية و دولة القانون و المواطنة المتساوية و احترام حقوق الإنسان عبر تحقيق السلام الشامل و الحوار الحر المتكافيء المفضي إلى قيام حكومة انتقالية تتولى تنفيذ اتفاقيات السلام و مخرجات الحوار. و لن يتحقق مثل هذا الحوار دون مشاركة كافة القوى السياسية و تنظيمات المجتمع المدني في مؤتمر تحضيري جامع يضع أسس الحوار و ضوابطه و يضمن حياده و تنفيذ مخرجاته و ذلك وفق قرارات مجلس السلم و الأمن الإفريقي رقم 456 و 539.
خيار الحل السلمي الشامل و الحوار المتكافيء المنتج هو الخيار الإستراتيجي الراجح و الأقل تكلفة بالنسبة للوطن، و لكن إذا تمادى النظام في اعتماده على الحلول العسكرية الأمنية، و الصفقات الجزئية، و أصرّ على تمسُّكه بحوار الذات الذي يجري في قاعة الصداقة و المراد به تزييف إرادة الشعب و اعادة انتاج الانقاذ بشيء من مساحيق التجميل ، فلا مناص من تعبئة شاملة تتولد عنها انتفاضة شعبية عارمة تسقط النظام و تنقل البلاد إلى عهد ديموقراطي جديد.
لن يتحقق السلام الشامل و لا الحوار الجاد إلا بمعارضة قوية موحدة على أساس برنامج حد أدنى ، و تنظيمات مجتمع مدني تحسن أداء مهامها. مثل هذه المعارضة هي وحدها القادرة على استنهاض الشارع العريض و فرض إرادتها على النظام و على المحيط الإقليمي و الدولي. و لن يتحقق وحدة المعارضة و تنظيمات المجتمع المدني إلا باحترام العهود و المواثيق المبرمة بين هذه القوى، و الحفاظ على التحالفات التي تكونت على أساسها و آخرها قوى نداء السودان. و يجب ألا تتوقف رحلة توحيد المعارضة السودانية عند محطة قوى نداء السودان بمكوناته الحالية، بل يلزمنا العمل على توسيعه و تطويره ليكون قادراً على القيام بمهمة التغيير المنوطة به والتعبير عن تطلعات الشعب و آماله في دولة ديموقراطية حرة و مزدهرة.
إلى حين تحقيق السلام العادل الشامل، علينا جميعاً العمل على استعادة كرامة الإنسان السوداني في معسكرات النازحين و اللاجئين في دارفور و جنوب كردفان و النيل الأزرق و في دول الجوار بتوفير الماء و الغذاء و الكساء و المأوى و العلاج و لهم و ضمان تعليم أبنائهم عبر استنهاض طاقات المجتمع السوداني المتكافل من جهة عبر منظمات الإغاثة المختصة المحلية و الدولية من جهة أخرى.
و أخيراً و ليس آخراً، أهنيء القابضين على الزناد و المرابطين في الثغور من ضباط و ضباط صف و جنود الجبهة الثورية بكل المناسبات السعيدة التي توالت هذه الأيام، و أجدد العهد مع الشعب السوداني نيابة عنهم بأننا رهن إشارته و لن نخون العهد و الوطن أبداً.
أمنياتنا الخالصة بعام جديد مليء بكل خير، و السلام عليكم و رحمة الله
د. جبريل إبراهيم محمد
رئيس الجبهة الثورية السودانية
31 ديسمبر 2015