الكثير منا يسأل عن مكان مراسم عزاءك يا وطن ؟ والكثير منا يسأل ماذا سوف يكتبون علي نعشك ؟ ومن يتقبل الدعوات الصالحات نيابة عنك وعن الوطن والمواطن؟ وفي أي موقع سيواري جثمانك الثرى ؟ حتي نلطم الخدود ونشق الجيوب ؛ ونبكى الوطن الفتي الذي لم يكمل الاثنان والستون عاماً منذ ميلاده المجيد ، ولم يهنأ بالطمانينة ، فقد عاش حياةً زاخرة بالحروب التي أنهكته ، وعبثت أيادي الفتن في ارجاءه حتي قسمته ، وتلاعبت به الطائفية ، والقبلية والعنصرية حتي شرزمته .
فليعلم الجميع بان كل تلك الحروب البربرية ، وموجات الغلاء الجنونية ، والفاقة والمسغبة ، والامراض ، والقبلية ، وإضطهاد والعنصرية ؛ لا يمكنها أن تسقط وطن ، فالوطن يسقطه ابناءه فقط ، اذا غاب فيهم الوعي ، ومات بينهم القانون ، وتقلدت الأنظمة الديكتاتورية الكراسي ، وتشبثت بمفاصل الدولة ودواليبها ، في هذه الحالة سوف تسلب الإرادة الحرة من العقول ، وتحجب نوافذ الإستنارة ، والمعرفة والإدراك ، خوفاً من المد الثقافي العالمي ، الذي ينيير الالباب ، وينثر العدالة الاجتماعية ، ويطرح المساواة في قالب الحقوق والواجبات بين الفرد والدولة ، وهذا ما يخلق مصدراً للوعي والإشراق ، فيكون الفرد مكوناً اصيلاً للمجتمع ومن ثم الدولة .
الدور السالب الذي نجحت فيه كل الأنظمة والديكتاتورية السابقة والمتعاقبة علي الوطن ، ترغيباً وترهيباً ومصالحة ومصالح ! .
ثلاثة وخمسون عاماً في ظل الانظمة الديكتاتورية العسكرية الشمولية ، اضافة الي سبع سنوات انكوت البلاد فيها بنيران الطائفية الممجوجة ، وعامان فقط في ظل الديمقراطية المشروخة ، والنتيحة في نهاية الأمر هي ؛ إنهيار للتعليم اعقبه إنهيار للأخلاق اعقبه إنهيار دولة بكل المقاييس ، وتقزم كامِل أدي الي زوال القانون ، وإرتفاع الأمُية حتي ضربت الجهالة بإطنابها داخل وعاء الوطن . وإذا غاب التعليم وزال القانُون ، إندثر الوعي وإرتحَلت معه الاخلاق ، وإذا إرتحلت أخلاق فلنستعد جميعاً لتشييع الوطن ، وتحرير شهادة نعيه الي مثواه الأخير .
لنكتب بمزيد من الحزن والأسى ، نكتب ونحن وسط كتائب المصلحجية ، وأصحاب النوازع الشخصية ، ومحبي الأنا ، وعشاق الأنانية ، نكتب وسط لفيف من الارزقية ، والمطبلين ومنتهزي الفرص ، ومُغتنمي السوانح ومُدعى الثورية ، نكتب وسط المفكرين ، والمناضلين والثائرين ، من الأحزاب والكيانات والناشطين وجل كتاباتهم وصرخاتهم ، ونضالتهم ! ليس في شأن الوطن ولكنها في شأن أنفسهم وأحلامهم الوردية ، المقرونة بالوزارات والسفارات والمعتمديات ، ورفع سقوف الطموحات ، وصراع الإنتخابات ، ولا ابرئ نفسي ، واثنى على بعضً من الأيادي المقلولة الشامخة ضد الاغراءات .
الكُل من معارضي النظام يتابع سيناريو الانتخابات المزعومة والكل يبحث عن ذريعة ، تجعل عودته للوطن مقبولة ، وقسمته في الكيكة معقولة ! وعودته للوطن منصورة .
اما المتأسلمين اخوان الشياطين ، وكثيراً من المنتسبين فهم يعدون العدة للهروب ، بعد أن ولغوا حد التخمة ، ونهبوا حد الصدمة ، وقتلوا بلا رحمة ، فحق عليهم مشاهدة نعي الوطن خارج اسواره ، منعمين بالقصور الشواهق ، والمال الفائق ، والنساء الفرائع .
اما المفاوضات والحوارات التي يقودها النظام الاخواني ومحاولة توزيع الكيكة الانتخابية عبر مجموعة الاحزاب الوهمية ، والحركات المنسية ، والثائرون الباحثين عن الفتات من بقايا الموائد ، يبدو أنها بدأت تؤتي آكلها فقد اختفت الاحتجاجات ، وقلت الصراخات ، وإستكانت الكيانات .
فرح بعض المعارضين بإنسلاخ احزاب الحوار من البرلمان المصنوع بحجة انهم رافضين تعديل الدستور ، والشئ الذي يجب أن يعلمه الجميع ، انهم يرفضون امتداد الانتخابات لثلاثة ايام خوفاً من التزوير ! وهذا يعني انهم موافقين ضمنياً علي الانتخابات كمبدأ ومؤيدين ترشيح (عمر البشير) كأساس للفكرة ، ما بنى علي باطل فهو باطل .
اننا موعودون في الايام القادمات بسقوط الأقنعة ، وإنقشاع الضبابية ، وستنزلق مجموعة ضخمة من المتناضلين ليسقطوا كسيوف الورق التي يتقلدونها ويركعوا تحت تاج الطغيان .
وإذا لم يحسنوا ابناء الوطن الختام ، فلترقد بسلام …
Ghalib Tayfour