*قلبي معكما يا عمر سليمان وياحليمة*

عادل عسوم
لقد اعتصرت قلمي فإذا به يخلو من حبْر…
وتبينت لساني فإذا به يبِس فيالهول المصاب ياحليمة…
لقد قالها زوجك المكلوم عمر سليمان وليس في عينيه للدموع من أثر:
(خلاص مافَضَلّنا شْيْ)
يا الله…
لكأني بكبراهن (ريهام) الطالبة في الثانوية تمد ذراعيها عندما ادلهم الخطب وقلب لهن النيل ظهر مِجَنّه لتحتضن شقيقاتها وفي البال قول امها حليمة:
انتي يا كي الكبيري ياريهام، أبقي عشرة علي اخياتك…
لم تنس الوصية يوما، وظلت تكلأ شقيقاتها الأربع بذات العين التي تبعت بها مريم شقيقة موسى عليه السلام تابوت الرضيع ليكون المآل قولها لآل فرعون:
(هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ)؟!
ولكن، هنا ماكان حال ريهام ذات حال مريم اخت موسى، إذ الموج قد كان أسرع فحال بينها وبين جواهر، وإذا ب(ريم) تجهد في التشبث بدفاترها وكتبها وفي يسراها (توسل)، أما (فاطمة) فلم يبن لها أثر!…
وأيقنت ريهام بأن الله قد كتب لها ولشقيقاتها العروج، وإذا بموجة تعلو فوق رأسها، فمدت إلى السماء كف ضراعة وهي تقول:
ودعتكم الله أمي وأبوي، نتلاقى في الجَنِّي ورضى الرحمن.
وسكن الموج بعد أن بارحت الأرواح الزكية أرضنا ميممة صوب السماء…
وجلست حليمة…
جلست تنظر إلى ذات الشجرة التي قيل بأن المركب قد اصطدمت بها قبل غرقها تنظر اليها وصور وجوه زهراتها وفلذات كبدها تلوح لها…
جلست تبث حزنها الذي يهد الجبال، من فؤاد نازف ما زال يحمل نصفه مشلولا…
اما الأب عمر سليمان، فلسان حاله ظل دوما يقول:
كيف العشم وكتين يموت
والغصه تطعن في الحلق!.
إنه عشم قد كان مرهونا بفلذات كبده وزهراته له خمس كم كان يرى فيهن الطبيبة والمهندسة والمعلمة!…
وبرغم الحال والمآل، فقد حرص على تعليمهن، وما مد يوما يده إلى مخلوق بالسؤال…
كم كانت اعينهن تهبنه اليقين والعزم كلما عدن من المدرسة وملأن عليه بيته المتواضع بمرح الطفولة وبهاء الحياة!…
ومافتئن وضيئات، في ظلمة ما بتعرف شعاع …
أشباحا زي موج العدم كسر المجاديف والقلاع!…
وإذا به اليوم يقول:
والله إني لفراقكن لمحزون، ولكني لا اقول إلا مايرضي ربنا:
إنا لله وانا اليه راجعون.
الصبر الصبر ياعمر سليمان، فاليقين بأنهن عند مليك مقتدر، وفي جنات ونهر، بين يدي أمهن فاطمة، وجدتهن خديجة رضوان الله عليهن…
اصبر ياعمر، واصبري ياحليمة، فالله قد انزل قرآنا يُتلى آناء الليل واطراف النهار بأن (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ).
فاللهم ياحنان يامنان، أَسْأَلُكَ بِعِزِّكَ الَّذِي لَا يُرَامُ ، وَمُلْكِكَ الَّذِي لَا يُضَامُ ، وَبِنُورِكَ الَّذِي مَلَأَ أَرْكَانَ عَرْشِكَ، أن تتقبل كل من ذهبوا إليك من فلذات اكبادنا وتثبت لهم الشهادة، وتهب ذويهن شفاعتهم يوم لا ينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وأسألك ياقدير أن تعوض عبدك عمر سليمان وامتك حواء وتهبهما ذات الذي وهبته نبيك أيوب عليه السلام، إنك ياربي وليُّ ذلك والقادر عليه
.adissoom@gmail.com