بسم الله الرحمن الرحيم
والأمين العام لهيئة شؤون الأنصار الأمير عبد المحمود أبو بمسجد الهجرة بود نوباوي وفي عدد من مساجد اﻷنصار بالسودان .
10 ذو الحجة 1437هـ الموافق الاثنين 12سبتمبر 2016م
الخطبة الأولى
الله أكبر.. الله أكبر .. الله أكبر
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبهِ ومن والاه،
أحْبَابـِي فِي اللهِ وإخوانِي فِي الوَطَنِ العزيزِ،
تقاطر حجاج بيت الله من كل أنحاء العالم تلبية لنداء فريضة الحج: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ومقاصدها ترسيخ عقيدة التوحيد، واستنزال رحمة الله، ومناجاته، والرمز لوحدة الأمة، ومساواة أفرادها والتعارف بينهم، وليشهدوا منافع لهم.
لقد تكاثر عدد المسلمين فبلغ 1,7 بليون ما يجعل الحج أكثر زحاماً وبالتالي أكثر خطر تزاحم.
الحج مرة واحدة هو الفريضة ولكن بعض المسلمين يكثر منه ما يزيد الزحام. كان عدد المسلمين عندما نزل التشريع 0,06% من عددهم اليوم.
وإلى جانب الحج فرائض أخرى هي التكافل، وإغاثة المحتاجين كما قال تعالى: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ). وقال: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) إن إغاثة المحتاجين فريضة فقد قال النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَان وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ”.
حبذا أن نحج مرة وأية زيادة نضعها في صندوق بدل حج لننال به ثواب الحج بموجب فريضة إغاثة المحتاجين. وهذا مطلوب كذلك كسياسة شرعية. نعم هؤلاء محسنون ولكن للإحسان أولويات ، أما الحج على حساب الوزارة أو المصلحة فباطل.
قال موظف حكومي في السودان لنازح: “أنتم ترحبون بزيارات الكفار لكم. وتمنعون زيارة موظفي حكومتكم المسلمين. رد عليه النازح: شخص أمطرك بالقنابل وأحرق قراك وشردك. وآخر أغاثك بالغذاء والدواء والكساء. بربك أيهما الكافر؟” هؤلاء ثغرة اجتماعية ينبغي أن نسد حاجتها مع غيرها من الثغرات الاجتماعية. حصر الحج في واحدة للمستطيع، وتنظيم صندوق بدل حج لمن يريد صرفه في أكثر من الفريضة يساهم في تمويل صندوق الإغاثة الاجتماعية هذا صندوق ينظم أهلياً ثم يصدر بموجبه قانون ينظمه. فقد عطل الخليفة عمر بن عبد العزيز كسوة الكعبة في عام وقال: “أولى بهذه النفقة أن نطعم به كباداً جائعة”. لمحاربة الفقر اليوم أولوية لأن نسبة الفقر في البلاد الآن 80%. وفي هذا الصدد نشيد بالعمل الطوعي الاجتماعي مثل مبادرة نفير ومبادرة شارع الحوادث وصدقات والحقيبة الرمضانية وتعليم بلا حدود ومساهمات هيئة شئون الأنصار.
حالة المعيشة صارت جحيما لا يطاق ما يجعل انتهاج سياسات رفع المعاناة عن الناس والتصدي للبطالة أولوية دينية وإنسانية.
الأضحية سنة مؤكدة وتجب على من يستطيع ثمنها دون حرج، فلا يقترض ولا يرهق نفسه، فنفي الحرج من مقاصد الشريعة فقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم عن أمته. المطلوب أن تكون الأضحية عند وجوبها خالية من العيوب. وأن تذبح برفق في أحد أيام التشريق الأربعة.
نعم هي لمن استطاع سنة مؤكدة ولكن إغاثة المحتاجين فريضة لا أحد يشك في ذلك. خصصت لهم فريضة الزكاة ولكن هذه لا تكفي ما يتطلب أن نكتفي بأضحية جماعية أي واحدة لكل جماعة رمزاً للسنة وأن نجمع أبدان أو أثمان الأضاحي في صندوق إغاثة ونسمي المساهمة فيه بدل أضحية. نعم الأضحية من مناسك الحج وهي سنة مؤكد لغير الحجاج ولكن مثلما استبدلنا أداء الزكاة نقداً بدل عيناً فحافظنا على المقاصد يمكننا أن نبقي على الرمز في حدوده وأن نلتزم بالمقاصد والعمدة في ذلك قوله تعالى: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ) فالدافع هو التقوى والمراد هو الصدقة. هذا الصندوق يمكن أن يصير هيئة استثمارية يصرف ريعه للأغراض الإنسانية للفقراء. والمرضى. والأيتام. والنازحين. واللاجئين وسائر المحتاجين.
إن التكافل الاجتماعي من مقاصد الشريعة وهو كذلك سياسة شرعية لحماية المسلمين من الفتنة في دينهم. إن للشريعة واجبات وسنن وأولويات تقدم الأهم عن المهم.
أحْبَابـِي وإخوانِي وأخواتي،
أقطار أمتنا اليوم مشتبكة في نزاعات طائفية كما بين أهل السنة والشيعة، وملية كما بين المسلمين والمسيحيين. وفكرية كما بين الوطنيين والأخوان. وتنافسية كما في تركيا. وقومية كما بين أتراك وأكراد.. هذه المواجهات خرجت من نطاق التعايش المطلوب إلى المفاصلة الذميمة. واشتدت الآن ملاسنات بين أهل السنة كما يجري الآن حول مؤتمر العاصمة الشيشانية حول تعريف أهل السنة وتكفير بعضهم بعضاً. كما بين الأشعرية والسلفية وكلاهما أهل سنة.
هذه الاختلافات متجذرة، وتدعمها قوى اجتماعية مستوطنة، والقضاء عليها عن طريق التكفير والتخوين مستحيل، بل من نتائج محاولة الاستئصال أن تمزق النسيج الاجتماعي، وأن تجرف النظم السياسية بل أن تدمرها على نحو ما يطمع أعداء الأمة ويطلقون على هذا التدمير حروب الجيل الرابع التي تحقق للأعداء أهدافهم بأيدي أطراف هذه المواجهات. ما يجعل أطراف أمتنا: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ). ونحن في السودان عقيدتنا الدينية كما هو الإسلام وسطية والتصوف عندنا معتدل.
صحيح الأنصارية في مرحلتها الأولى كانت إقصائية لمواجهة ظروف الانحلال والاحتلال، ولكن في المرحلة الثانية الرحمانية أبقت على مقاصد الزهد والجهاد واتخذت منهجاً قابلاً لتعدد الاجتهادات، ولكن هذا التدين السوداني الصوفي والأنصاري الوسطي غزاه فكر تكفيري وفقه الحاكمية ما أشعل المنازعات في الجسم الإسلامي السوداني. يرجى العمل على احتواءها خاصة وقد صار تكفيريون سودانيون فروعاً للقاعدة وداعش ما يجر لبلادنا مروقاً وفتنة ومشاركة في الاستقطاب الذميم. ينبغي أن ننقذ بلادنا خاصة شبابنا من هذا الغلو مثلما ننقذهم من التفريط الذي يريد نفي الإسلام من الحياة العامة.
قال ابن مسعود: “إن للشيطان نزغتان هما الإفراط والتفريط ولا يبالي بأيهما ظفر”.
منتدى الوسطية العالمي بصدد تكوين مجلس حكماء يتفق على تشخيص هذه المنازعات والعمل على تحقيق تعايش وفاقي يضع حداً لمناهج التكفير والتخوين ويبسط التعايش السلمي في نطاق قبول الآخر، والموجه الرائد هو: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا). وحتى التعايش الملي فعمدته: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) ورائده: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ).
وتعاني أمتنا كذلك من تيارات كراهية للإسلام (الإسلاموفوبيا) في كثير من الأوساط الغربية، تقابلها تيارات تكفيرية تنطلق من مفهوم عدواني للولاء والبراء يكفر الآخرين ويجعل الكفر علة للقتال. هكذا يغذي هذان التياران مواجهة حتى كسر العظام بين أمتنا والغرب.
نعم علينا ألا نقبل التبعية للغرب، وأن نتعايش معه على أساس المصالح المشتركة والسلام العادل. ولكن مصالحنا متداخلة مع مصالحهم. ويعيش كثير منا مواطنين في دول غربية ما جعل السيدة فردريكا موغريني مسئولة الاتحاد الأوربي عن الشؤون الخارجية تقول في يونيو 2015م: “الإسلام هو أوربا. وأوربا هي الإسلام. التعددية مستقبل أوروبا الموحدة وللإسلام مكانه الطبيعي في المجتمع الأوربي”.
لقد قدمنا دراسة لنادي مدريد وهو هيئة تمثل 111 رئيس دولة ورئيس حكومة سابقين منتخبين ديمقراطياً تشخص أسباب حركات القاعدة وداعش وبوكو حرام والشباب الصومالي وفروعهم، وتجعل للسياسات الدولية دوراً مهماً في تكوينها ما يوجب العدول عن مجرد التصدي العسكري لها بل معرفة أسبابها والتخلص منها. ولكن بصرف النظر عن التصدي لهذه الحركات فهنالك حاجة ماسة لإبرام معاهدة تعايش حضاري بيننا وبين دول الحضارات الأخرى. هذه المهام هي ما سوف نسعى إليه عن طريق نادي مدريد لتحقيق معاهدة تعايش حضاري يعزل المتطرفين منا ومنهم ويقيم العلاقات الثقافية على أساس تصالحي.
أحْبَابـِنا وإخوانِنا،
شرعية واستمرارية الدولة الوطنية في عالم اليوم تتطلب شروطاً محددة: أن يقوم النظام السياسي على المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون. وأن يقوم النظام الاقتصادي على أساس التنمية. وأن يقوم النظام الاجتماعي على أساس العدالة. وأن تقوم العلاقات الدولية على أساس الندية وتبادل المصالح.
بهذه المقاييس فإن أغلبية دولنا تعاني من فجوة شرعية. هذه الفجوة هي التي جعلت الدول المعنية والنظام الدولي الحاضر تعاني من الهشاشة.
حركات التطرف والعنف المذكورة ليست مجرد إرهاب بل هي تستخدم الإرهاب كوسيلة، وهدفها الإطاحة بالنظم السياسية والدولية الراهنة لإقامة نظم تناسب تصورهم المغلوط للنظام الإسلامي.
وهناك علمانيون وليبراليون يتطلعون لإلغاء الإسلام من الشأن العام. الإسلام الآن قوة ثقافية واجتماعية هائلة إغفالها يؤدي حتماً لاستغلالها عن طريق قوى المروق والانكفاء والتكفير.
التحدي الذي نواجهه هو أن نغير الواقع الداخلي والخارجي بصورة تتناغم مع تاريخ الإنسانية الصاعد، بل مع مقاصد الشريعة الإسلامية الحقيقية، أي استبدال الواقع الذي يعاني من فجوة الشرعية بواقع جديد في نظم الحكم وفي العلاقات الدولية، وإذا تأخرنا عن ذلك فإن الفراغ سوف يتمدد عبره دعاة التطرف والعنف، وتفتح الطريق للهيمنة الدولية، وغيرهما من النكبات.
لا حصانة لمجتمعاتنا من التمزق، وتمدد الكيانات التكفيرية المارقة، ومنافذ الهيمنة الدولية، إلا عن طريق:
أولاً: ينبغي انطلاق صحوة إسلامية من قيد التقليد والتعصب تلتزم بالمقاصد، وتوفق بين مقاصد الشريعة المحكمة والواقع العلمي والاجتماعي المعاصر. صحوة ذات صدقية فكرية واستجابة شعبية.
ثانياً: ينبغي التصدي للاستقطاب الطائفي بمشروع وفاق إسلامي خال من نزعات التكفير والتراشق بين روافض ونواصب.
ثالثاً: نظام الحكم التقليدي باسم الخلافة تخلي عن مبادئ الإٍسلام السياسية واعتمد على قاعدة التغلب التي كرست حكم الفرد. وفي العصر الحديث فإن الشعارات الأيديولوجية على اختلافها من قومية واشتراكية، وبعثية، وتقليدية، وإسلامية، وناصرية، اتبعت نظماً أمنجية همشت الشعوب وانتهى أمرها في كل حالة لحكم الفرد الذي لا يسأل عما يفعل. ما يوجب إقامة نظام على المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون.
رابعاً: نظم الاقتصاد حققت تنمية انتقائية ونظاماً اجتماعياً طبقياً قطفت ثماره أقليات اجتماعية وتركت الأغلبية في فقر وعطالة، ويجب إقامة نظام اقتصادي يحقق التنمية الشاملة ويوزع عائدها بعدالة اجتماعية. اكتفى مؤتمر العشرين في الصين بالعموميات. وحالة الاقتصاد العالمي تتطلب إجراءات محددة لمواجهة التوزيع غير العادل للثروة داخل البلدان الغنية، والتوزيع الغير عادل بينها وبين البلدان الفقيرة هذا يتطلب الاتفاق على نظام عالمي وتجاري جديد، يوفق ما بين شروط التنمية والعدالة. في غياب برامج محددة في هذين المجالين، فإن النظام الاقتصادي والتجاري العالمي يستمر كالمعتاد، مواصلاً تناقضاً بين تراكم الثروات وعدالة توزيعها ما يشكل خطراً على مستقبل الإنسانية.
خامساً: إسرائيل تمارس أبارتايد في الحكم والاستمرار في اغتصاب الأراضي العربية والفلسطينية، وتوسعها الظالم يجد حماية دولية. هنالك خلل في عدالة النظام الدولي يسمح بهذا الظلم وأمثاله ما يوجب نظاماً دولياً يقوم على العدل والسلام.
سادساً: أوكسفام وصفت النظام الرأسمالي بأنه نظام الواحد في المائة الذي فيه أغنى 62 شخص يملكون ما يساوي نصف ثروة سكان العالم. ما يعني أن الديمقراطية السياسية سمحت لنمو الأوتوقراطية الاقتصادية. هذا ضمن عوامل أخرى جعل كثيراً من شباب الدول الغنية يستجيبون لنداءات الدواعش. إذا بقيت هذه المثالب فإنها ستجد من يدخل عن طريقها لتقويض نظام الدولة قطرياً والنظام الدولي.
هذه هي الحقيقة ولكن:
من ليس يفتح للضياء عيونه هيهات يوماً واحداً أن يبصرا
التغيير الجذري في المجالات الستة المذكورة هو طوق النجاة لشعوبنا ولعالمنا ولكن (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ).
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.
الخطبة الثانية
الله أكبر.. الله أكبر .. الله أكبر
الحمدُ للهِ الوالِي الكريمِ والصلاةُ علىَ حبيبِنا محمدٍ وآلهِ مَعَ التسْلِيْمِ وبعد-
أحْبَابـِي فِي اللهِ وإخوانِي وأخواتي،
قال أحد الشامتين علينا من العلماء واسمه رالف بيترز: “ينبغي أن نعتبر البلدان العربية من سكان العالم الإسلامي شعوباً عاجزة عن التحول البناء”.
وهناك ما يدعم قراءاته فالانقلابات التي وقعت في منطقتنا رفعت شعارات مثالية قومية كالبعث والناصرية واشتراكية كما حدث في اليمن الجنوبي وإسلامية كما حدث في السودان ومهما اختلفت فإنها في كل حالة وتحت الشعارات البراقة دمرت أوطانها.
في السودان لا أحد الآن يغالط في أن النظام الذي أقامه انقلاب يونيو 1989م رفع شعارات الإنقاذ ولكنه عبر 27 عاماً حقق عكس مقاصده بشهادة شيخه المرحوم د. حسن الترابي وأكثرية المفكرين الذين أيدوه في البداية، وهاهو محاصر بوطن قسمه وحروب أشعلها واقتصاد دمره وعزلة دولية يكرسها 63 قرار مجلس أمن ضده أغلبها تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
هنالك اتصالات بين النظام السوداني وبعض الجهات الدولية للاستعانة به في لجم الهجرات غير القانونية ومعلومات أمنية.
النظام يظن أنه بموجب هذا التعاون سوف يجد مخرجا من عزلته.
هنالك عقوبات ضد النظام بموجب قرارات مجلس أمن لا يغيرها الا مجلس الأمن. وهناك عقوبات من دول جاء حولها تقرير الخبير المستقل المعني بحالة حقوق الانسان في السودان والذي زار السودان وأدان عدم التصدي لانتهاكات سبتمبر 2013 ، والرقابة على الصحافة، والتضييق على الحريات العامة وغيرها وطالب التقرير بضرورة تنفيذ توصياته في هذه المجالات. وأعقب هذا التقرير تقرير المقرر الخاص الذي زار السودان واكد ان ازالة العقوبات رهينة باعتماد حكومة السودان خريطة طريق لتنفيذ توصيات الخبير المستقل. كما أوصى بقوله: يجب مواصلة الحوار الوطني وفقا لما اصدره مجلس السلم والأمن الأفريقي في جلسته رقم 539.
وفي هذا الصدد نستنكر ما حدث للسودانيين في ايطاليا وللأرتريين في السودان فهؤلاء ضحايا فارين من الظلم حرموا من حقوق الانسان.
هذه الحالة البائسة ترشح النظام لمواجهة مغامرات أو انقسام في كيان الحكم من ناحية، ومن ناحية أخرى تمهد للإنتفاضة الشعبية البديل لسفينة الحوار الوطني المجدي.
ولكن في السودان عوامل قد تقوده لمصير آخر أهمها أن التجربة الديمقراطية في السودان انفردت بصفاء ليبرالي نمت في حضنه أحزاب سياسية حقيقية. وحقيقة أن الإسلام والعروبة في السودان لم تأت في ظل دولة مركزية بل نتيجة لتحول مجتمعي. هذان العاملان وحقيقة أن نظام الحكم الحالي في السودان أطلق كل ذخائره فصار قليل الحيلة يلجأ لتكوينات غير نظامية لحماية نفسه.. هذه العوامل قد تجعله يختار استجابة تاريخية لمتطلبات المرحلة التاريخية فإن فعلها يصير قدوة للبلدان الأخرى.
هذا النوع من التحول التاريخي من استقطاب حاد لوفاق جاد حدث في عدد من بلدان أوربا مثلاً: أسبانيا وعدد من بلدان آسيا مثلاً: اندونيسيا. وعدد من بلدان أفريقيا مثلاً: جنوب أفريقيا وعدد من بلدان أمريكا الجنوبية مثلاً: تشيلي.
ويواجه النظام في هذا الصدد حواراً داخلياً بين حزبه وأحزاب موالية له قدمت له توصيات تطالب في جوهرها بالتغيير الجذري. وإلى جانب هؤلاء هنالك جماعة أربعة زائد أربعة. ومذكرات كرام المواطنين المطالبة بالتغيير الجذري.
وبالتوازي مع هذه التطورات يواجه النظام الحوار الوارد إجراؤه استجابة لتوصيات مجلس السلم والأمن الأفريقي رقم 456 ورقم 539. الحوار الوارد بموجب خريطة الطريق.
هذه الخريطة وقع عليها النظام ووقع عليها بعد فترة نداء السودان. وقعنا بعد أن تأكدنا أن اجتماع خريطة الطريق ليس ملحقاً لحوار الداخل. وأنه سوف يكون شاملاً لا انتقائياً. وأنه سوف يضع أجندة الحوار بالداخل وكيفية إداراته بما يضمن النزاهة وأن إجراءات بناء الثقة سوف تسبق الحوار الشامل بالداخل.
ولكن قبل انعقاد هذا الحوار جرى حوار بين ممثلي النظام والقوى المسلحة في قطاع الشمال من الحركة الشعبية وحركتي تحرير السودان والعدل والمساواة.
هذان الحواران مهمان لوقف العدائيات ولكفالة انسياب الاغاثات الإنسانية. هذان الحواران تعثرا ولكن يرجى أن تقدم الآلية الأفريقية الرفيعة مشروع طريق لخريطة الطريق.
لقد تشاورنا مع أطراف الحوار ومثلما فعلنا لتحريك خريطة الطريق اقترحنا ما سميناه (الطريق لخريطة الطريق) ونرجو أن تفلح هذه المبادرة في إزالة أسباب الاختلاف.
لقد كان بين قضايا بناء الثقة تبادل الأسرى وهو ضروري يدان بأقوى العبارات من يقف دون تحقيقه وفي هذا الصدد فإن ما قامت به حركة العدل والمساواة من اطلاق سراح أسراها إجراء حميد بمقياس الدين والوطنية وهو كذلك إصابة سياسية ولفتة انسانية لينعم هؤلاء وذويهم بفرحة عيدية.
نحن كجزء من نداء السودان يهمنا إنجاح مهمة وقف العدائيات وانسياب الإغاثات الإنسانية ولذلك نعمل لا كوسطاء بل كأصحاب اجتهاد فكري يساعد الآلية الأفريقية في تصريف مهامها بالعدل.
هدف الحوار الوطني هو وقف القتال وإبرام اتفاقية سلام تخاطب وتزيل أسباب النزاع. وتطبيق العدالة الانتقالية السودانية. وإقامة حكم قومي انتقالي مهمته إدارة الحكم في البلاد بموجب برنامج قومي، وعقد مؤتمر قومي دستوري لوضع دستور البلاد الدائم والاتفاق على آلية لإجازته وإجراء انتخابات عامة حرة وتسليم السلطة لمنتخبي الشعب.
ونعلم يقيناً أن السودان إذا حقق السلام والتحول الديمقراطي المنشود فسوف يكون قد قدم للمنطقة كلها القدوة للخروج من المستنقع الحالي إلى بر الأمان، ومثلما كان السودان قد جسد تطلعات أهل القبلة في القرن التاسع عشر حسب تعبير د. عبد الودود شلبي فإنه يجسد في القرن الواحد وعشرون تطلعات شعوب المنطقة في الآفاق الجديدة.
إذا حقق السودان اتفاق سلام عادل شامل وتحول ديمقراطي فإنه بذلك يستوفى شروط بناء الوطن ويحقق منافع كثيرة داخلية وخارجية أهمها: إعفاء الدين الخارجي، رفع العقوبات الاقتصادية، معادلات وفاقية مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. استئناف التعاون التنموي مع الأسرة الدولية.
هل يمكن لوطني سوداني أو لعاقل أن يستخف بهذه المعاني وما يصحبها من منافع؟ قال تعالى: (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ). وقال نبي الرحمة: “بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا”.
إن كثرة الإمطار غيث نحمد الله عليه ولكن عدم الاستعداد وسوء التصرفات يجعل النعمة نقمة. لقد تعرضت البلاد لأمطار وسيول وفيضان فوق العادة ما أحدث أضراراً كثيرة. في عام 1988/1989 في موقف مماثل رأينا أن نعقد مؤتمراً قومياً دولياً برعاية البنك الدولي لوضع خطة علاج جذري للمضار وقد كان. واجتمع مساهمون من العالم وقدموا خطة تأهيل وتنمية تساوي 500 مليون دولار.
ولكن قبل التنفيذ وقع الانقلاب فضاع المشروع. مثلما ضاع مشروع السلام عن طريق مؤتمر قومي دستوري مزمع في سبتمبر 1989م دون حاجة لأجانب ولا تقرير مصير. وكذلك ضاع مشروع الشراكة الإستراتيجية مع اليابان ودراسة كل إمكانيات البلاد ومواردها واستثمارها شراكة.
والآن يرجى التخطيط لملتقى قومي دولي مماثل لمواجهة ما أصاب بلادنا من ضرر.
أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي
لم يعد في العالم شأن محصور في قطر، فالانتخابات الأمريكية تهمنا يتنافس فيها السيدة كلنتون والسيد ترامب. لقد قلنا لمواطنينا في أمريكا الأفضل هو المرشح ساندرز ولكن فرصه ضعيفة. فالمرجو دعم السيدة كلينتون اتقاءً لترامب، فهي ضمان لاستمرار السياسة الأمريكية المعهودة بخيرها وشرها، ولكن السيد ترامب عنصري ومعادي للمسلمين، فإن فاز فسياسته هجوم غر لا يخاف عواقباً. نجاح السيدة كلينتون مرجح، اللهم إلا إذا تقاعست نسبة الناخبين لأنه كما قال الشاعر الإنجليزي ييتس: الـغلاة يدفعهم الحماس، وأهل الاعتدال تقعد بهم اللا مبالاة.
وهناك شـأن دولي آخر مهم هو محاكمة رئيسة البرازيل السيدة ديلما روسيف. هذه السيدة قادت البرازيل لتصير واحدة من الدول الخمس الصاعدة، البركس. واتبعت سياسة تقدمية اجتماعياً، وسحبت سفيرها من إسرائيل احتجاجاً على غزو غزة. وما أُخذ عليها ليس جريمة مدنية أو جنائية بل إن صح فهو خطأ في إدارة الميزانية. إسقاطها تدبير سياسي مكشوف ويرجى أن ينصفها الناخب البرازيلي في الانتخابات القادمة.
أحْبَابـِي،
إن بلادنا لا تستحق هذه المعاناة، وأن شعبنا باتفاق كل الذين خبروه شعب يستمتع بإنسانيات نادرة، إنسانيات ذابت فيها هداية الدين وحكمة ثقافات سودانية عريقة ما يجعله أهلاً لكل خير. ومهما تلكأ المعرضون سوف ندق باب الفلاح والنجاح والصلاح واثقين بأن العناية وعزيمة شعبنا سوف تنتصر (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)
ختاماً:
اللهم ارحم الذين قضوا نحبهم في صراعات البلاد المسلحة.
وارحم الذين هاجروا هجرة قسرية.
وارحم المعتقلين والأسرى والذين يتعرضون لمحاكمات تعسفية.
الهم ارحم كافة ضحايا السياسات الظالمة واكتب للجميع فرجا ومخرجا.
اللهم ارحمنا وارحم آباءنا وأمهاتنا واهدنا واهد ابناءنا وبناتنا. وبارك لنا في عيدنا ووفقنا جميعا ليصير هذا آخر عهدنا بالبأساء والضراء:
ما بين غَمضةِ عَين وانتباهتها يغيّر الله من حالٍ إلى حالِ
آمين.