الإثنين , أبريل 29 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / الحزب الشيوعي السوداني  / إلى: رفاقي وأصدقائي الأعزاء – الموضوع: استقالتي من الحزب الشيوعي السوداني

إلى: رفاقي وأصدقائي الأعزاء
الموضوع: استقالتي من الحزب الشيوعي السوداني
بعد التحية وواجب الاحترام،
في الأسبوع الماضي تقدّمت باستقالتي كتابة إلى رفاقي في فرع الحزب الشيوعي السوداني في الولايات المتحدة الأمريكية، ووعدت بالعودة للافصاح عن جزء من الأسباب التي حملتني إلى اتَّخاذ ذلك القرار. ولا يخفى على الكثيرين جسامة مثل هذه الخطوة، علماً بأننى أمضيت أنضر أيام شبابي وما بعدها، في ارتباط فكري وسياسي ووجداني عميق مع رفاقي الشيوعيين في مواقع عديدة، بدءاً من مدرسة المؤتمر الثانوية، ثم ألمانيا الديمقراطية، ثم جامعة جوبا، ثم الولايات المتحدة الأمريكية. ولا حاجة بي إلى الإفاضة في ماقدّمت وما لم أقدّم.

إلى: رفاقي وأصدقائي الأعزاء – الموضوع: استقالتي من الحزب الشيوعي السوداني

إلى: رفاقي وأصدقائي الأعزاء
الموضوع: استقالتي من الحزب الشيوعي السوداني
بعد التحية وواجب الاحترام،
في الأسبوع الماضي تقدّمت باستقالتي كتابة إلى رفاقي في فرع الحزب الشيوعي السوداني في الولايات المتحدة الأمريكية، ووعدت بالعودة للافصاح عن جزء من الأسباب التي حملتني إلى اتَّخاذ ذلك القرار. ولا يخفى على الكثيرين جسامة مثل هذه الخطوة، علماً بأننى أمضيت أنضر أيام شبابي وما بعدها، في ارتباط فكري وسياسي ووجداني عميق مع رفاقي الشيوعيين في مواقع عديدة، بدءاً من مدرسة المؤتمر الثانوية، ثم ألمانيا الديمقراطية، ثم جامعة جوبا، ثم الولايات المتحدة الأمريكية. ولا حاجة بي إلى الإفاضة في ماقدّمت وما لم أقدّم.
لا أود أن أسهِب في تفاصيل لا تجدي، حتى لا أثقل ولا أجُرُّ على نفسي مشقة الايضاح والافصاح في أمر ظلّ يعتصر فؤادى وعقلي، وسوف يراوح مكانه لفترة من الزمن. علماً بأن ما أقدمت عليه هو في نهاية الأمر مسئوليتي التى أتحملها طائعاً مختاراً. وأشكر كل من تناهى إليه أمر استقالتي وسعى إليّ بالتشاور تارة، والاختلاف والمؤزارة تارة ثانية، وإبداء التقدير لخصوصية الأمر تارة أخرى. فلكل هؤلاء كل التقدير. واستعير هنا كلمات الشاعر الفلسطينى، درويش لمّا عاب عليه البعض مغادرته مكرهاً لاسرائيل “لقد غيرت موقعى، ولم أغير موقفى!”. وسأعتعصم بكل تقاليد الشيوعيين السودانيين في الثبات على المبادىء “بمثل إيمان الأعاجم”.
ولكلّ من فوجيء باستقالتي أو شقَّ عليه أمرها، أؤكد بكل الصدق والوضوح التزامي الأبدي بالمنهج الماركسي اللينيني، وبالتراث العظيم للحزب الشيوعي السوداني الذى أرسى بنيانه رفاقنا الأعزاء عبد الخالق محجوب ومحمد إبراهيم نقد، وكوكبة المناضلين الشيوعيين من حولهم وبعد رحيلهم. هذا هو ديدني ولن أحيد عنه. واستعير فى هذا الموضع ما صدح به عبد الخالق أمام المحكمة العسكرية في عهد عبود “اننى أفزع من مجرد التفكير فى أننى ماذا كنت سأكون لو لم أكن شيوعياً” وقناعتي التامة أنّ المنهج الماركسي لن تخبو جذوته أبدأً، وإن اعترته – بسبب عجزنا – بعض أعراض الخمول والتواني في مُواكبة روح العصر وملامسة أفئدة الجماهير ومصالحها. وقد كتب ماركس”إنّ النظرية سوف تتحول إلى قوة مادية، إذا التقطت الجماهير. ولن تلتقط الجماهير إلا إذا كانت حقيقية.” وغياب الحزب الشيوعي عن طبقته وسائر الفئات الوطنية قد تسبب في تمديد آجال الأزمة الشاملة التى يعيشها الوطن.
ومن بين الأسباب البارزة أننا أغفلنا منذ عقود العناية بمسايرة مستجدات العصر، والعناية بالمنهج الماركسي وتطويره كحزب للطليعة. وقد تعزّزت قناعتي بأهمية ترسيخ المعرفة بالمنهج الماركسي اللينيني في صفوفنا وأنا أطالع ماكتبته صحيفة “إندبندنت” البريطانية “الشيوعيون يهرولون بعيداً عن الماركسية،والرأسماليون يعيدون اكتشافها!”
والرفيق العزيز نقد ببصيرته النافذة ما طفق يردد بأن “الذين يتغاضون عن مستوجبات التجديد لن تنجيهم جبال أرارات ولا سفينة نوح.”
بإيجاز ووضوح أنا لم أُقدِم على الاستقالة من الحزب الشيوعي السوداني بسبب خلاف فكري أو سياسي، ولكن السبب الأوحد الذى دفعني لتقديم استقالتي من الحزب الشيوعي العظيم يتمثل فيما أصابني من خيبة أمل، وإنعدام للثقة، والغضب الشديد من جراء ماوقفت على تفاصيله حول استشراء الضعف في قيادة الحزب الشيوعي السوداني، والبُعد عن الجماهير، ونشر غسيله على الملأ، وتبادل اتهامات التخوين، والتآمر الفاضح، واغتيال الشخصية، وأخذ البرىء بجريرة “المُذنب” بل حتى بجريرة “الإنتساب”. وقد حدث تجاوز لتقاليد الحزب ولائحته وتهليل لدفع رفاق مناضلين إلى خارج صفوف الحزب، وباتهامات ثبت بُطلانها. فهل ياترى إزداد الحزب منعة وقوة أم ضعفاً وهواناُ؟
ومما يضاعف من الغضب، أنّ هذه الممارسة لا سابق لها فى السبعين عاماً الماضية، وإنبرى لتسعيرها وقاد لواءها الزميل المسئول السياسي للحزب الشيوعي السوداني محمد مختار الخطيب والمكتب السياسى السابق. ويتساءل المرء كيف يجوز عقلاً أن يتغاضى المؤتمر السادس عن مسئوليته الرئيسية في المحاسبة، وتقويم كل ماحدث وكأن شيئاً لم يكن، وهذه مسئولية تاريخية جسيمة. فيا رفاقنا هذه غفلة كبرى وتنكّر لتضحية شهداء أعزاء وإخلاص وتفانى آلاف الشيوعيين الذين “لم ترهقهم أطياف الموتى”.
لقد أصاب الحزب الشيوعي من الضعف والهوان ما لم يخطر على بال. وأصبح الحزب الشيوعي في حالة تدعو للرثاء والإشفاق والشماتة. وفي خضم الأزمة المستحكمة التي يجتازها الوطن، تتلفت الجماهير في حيرة بحثاً عن الحزب الشيوعى الذى خَبِرته لتنظيم مقاومتها، وتحديد مسارها، ورسم معالم المستقبل الذي تتطلّع إليه، بعد اجتثاث المؤتمر الوطني وأجهزة البيروقراطية، والمنتفعين به، فلا تجده. فما جدوى الحزب الشيوعي اذا لم يتصد لقيادة الجماهير والتجاوب مع رغبتها فى الفكاك من النظم الذى أرهق كاهلها لعقود لا يعلم مداها ومآلاتها أحد؟.
فيما يلي أوجز بعض الأخطاء البارزة التي يتحمل وزرها مجموعة من الزملاء فى ل. م. والمكتب السياسى:
1-  السؤال الذى أبدأ بطرحه على القيادة الحالية بكل الاحترام، هو: هل ياترى بالإمكان إعادة تقويم صريح وشجاع للملابسات التي أحاطت بانتخاب الزميل محمد الخطيب ومسئولية عدد من الرفاق والرفيقات في حمْلِهِ بالتآمر الفاضح إلى منصب المسئول السياسي؟ علماً بأنّه لا يتميز بمقدرات فكرية وسياسية وخبرات في الإلمام بنواميس إدارة الحزب وهيئاته، ولم يُبدِ للناس صفات كارزمية أصبحت من أهم متطلبات القيادة. وبدون تطاول على تاريخه الناصع، لم أطالع أو أشاهد أو استمع إلى شيء مما كتبه الزميل الخطيب، فيا ترى ماهى الاعتبارات التي حملته إلى موقع قيادة حزب عبد الخالق ونقد وجحافل القياديين الشيوعيين من بين الأموات والأحياء؟
2-  في لقاء مع الزميلين علي الكنين والخطيب، طلبت من الرفيق الخطيب أن يتولى بنفسه مهمة نشر الحيثيات التى أحاطت بانتخابه للمسئولية السياسية. وهنالك معلومات متداولة وشهودها على قيد الحياة، يعلمون تفاصيل وافرة حول التكتل الذى أدى لانتخابه كمسئول سياسي. هذا التساؤل لن يسقط بالتقادم. ومعلوم أنّ هناك بعض الأشخاص الذين لا يزالوا يثيرون الغبار حول انتخاب الرفاق عبد الخالق محجوب ومحمد إبراهيم نقد لقيادة الحزب الشيوعي.
3-  لقد ظلت العزيزة سعاد إبراهيم أحمد حتى رحيلها تردد أن عبد الخالق كان يرى بأحقية قاسم أمين لتولّي القيادة الحزبية من بعده (مقابلة مع صحيفة آخر لحظة). وقد كتبت لها بهذا الصدد وقابلتها، كما قمت بإجراء حوار مع الزميل التيجانى الطيب والزميل سليمان حامد، ونشرت شهاداتهم حول انتخاب الرفيق نقد في صحيفة الميدان، وهو لم يكن هنالك منافس له عندما قام بترشيحه الرفيق العزيز التيجاني الطيب. وأنا أتوجّه بهذه المطالبة لفتح ملف انتخاب الزميل الخطيب كمسئول سياسي، لا لكي أنكأ الجراح، ولكن صوناً لسلامة الإجراءات الحزبية. وإذا تقاعست القيادة الحالية أمام هذه المهمة، فسوف تجيء أجيال حريصة على الحزب الشيوعي السوداني، وتواجه أخطاءه الماضية وإنجازاته بمنهج ماركسي لا يحيد. وأتمنى ألا أكون قد تطرقت إلى أمر يحسبه البعض بمثابة محاولة للنيل من شخص الخطيب أو بعض الزملاء. فالحزب الشيوعي السوداني وتراثه أكبر من الاعتبارات الذاتية الضيقة.
4-  كلنا وقفنا بقدرٍ أو آخر على حالة الهرج وتبادل أحط الاتهامات بين الشيوعيين في أعلى مواضع المسئولية، والمشاجرة بين عضوين رئيسيين في أثناء اجتماع المكتب السياسي. تلك سقطة كبرى لم تلق المحاسبة الصارمة وبل تسرب هذا الأمر المشين إلى صحيفة “الرأى العام”، وتحول الاتهام بالعمالة لأجهزة الأمن لأمرٍ يسبب الغثيان. ولم أر طوال عضويتي في الحزب مثل ذلك التسابق من قبل قياديين لنشر مثل تلك المسائل التي كانت تجيزها أو لم تتطرق لها هيئات الحزب. وبصريح العبارة كان الزميل محمد الخطيب هو أول من سعى، وبدون وجه حق، أو تكليف ضمن صلاحيته، إلى إفشاء المعلومات الحزبية المتعلقة بعدد من التهم المنسوبة إلى بعض الرفاق أعضاء المكتب السياسي، أو في مواقع المسئولية العليا بشكلٍ عام. وأصبح المسئول السياسي المصدر الوحيد الذي يتسابق إليه مراسلو الصحف لإنتزاع تفاصيل ما يدور في أعلى هيئات الحزب. هذا مع أنّ للحزب صحيفته والناطق الرسمي باسمه.
تبع الخطيب في ذلك الزميل الدكتور علي الكنين بإجراء حوارات مع البرنامج التلفزيوني “الميدان الشرقي” ومع الصحيفة الالكترونية “الراكوبة”، وأعلن أن الحزب الشيوعي أصبح حزباً مخترقاً. هل من الحكمة والمسئولية الافصاح عن أمر يُعد من صميم اختصاص المكلفين بتأمين الحزب من الإختراق؟ هل يا ترى أن الرفيق الكنين استبق مناقشة الأمر وجدوى إعلانه على الملأ؟ ومما يثير الاستغراب أن الزملاء الخطيب والكنين، كانا يتسابقان إلى مراسلي الصحف ومقدمي برامج التلفزيون، في الوقت الذي ظلت فيه صحيفة الحزب الرسمية مغيّبة عما يدور في هيئات الحزب العُليا، وصمت فيه الناطق الرسمي الذي جرت العادة أن يتولى تنوير وسائل الإعلام بما يُقرّ نقله للجماهير.
كنت قد كتبت إلى مجلة الشيوعي مقالاً حول أوضاع الحزب، ولم يجد طريقه للنشر. وأيضاً كتبت لجريدة الميدان مقالاً رُفض بدون إبداء الأسباب التي أوجبت عدم إعطائي فرصة للنشر فيها. وأنا هنا أود أن أشير إنني لست بصدد التظلّم، بل لإضاءة واقع يتعيّن الوقوف عنده. وقد أخبرني الزميل سليمان حامد أنه أصدر توجيهاً بعدم نشر كل ما يتطرق لما يجري في صفوف الحزب؟! فيا ترى ما جدوى صحيفة الحزب إذا لم تضاعف نشاطها في تلك الظروف لإطلاع أعضائه على ما يمور في داخل حزبهم، وتفتح صفحاتها للديمقراطيين وللقراء عامة، لإبداء الرأى والوقوف على حقائق الأمور من مصدرها المعني بذلك. لقد صار أعضاء الحزب وأنصاره يتسابقون لمعرفة ما يهمهم من الصحف التجارية، التي تسعى للإثارة بدلاً عن نقل الحقائق الموضوعية.
لقد حرمت وغيرى من الرفاق والأصدقاء من نشر آرائنا في مجلة الشيوعي وصحيفة الميدان. وتحدثت مع الرفيق سليمان المُشرف على صحيفة الميدان، وأكد لي أنه وجه الصحيفة بعدم التطرق من قريب لكل ما يتعلق بالجدل والأحداث في هيئات الحزب. فيا ترى ما جدوى صحيفة الحزب اذا لم تكن الأداة الرئيسية لتوصيل آراء الحزب للأعضاء والجماهير، والسعي لاستطلاع آرائهم فيما يدور في أعلى مراقي القيادة، طالما أصبح الأمر مشاعاً للصحف التجارية، التي لا يعتنى معظم كتابها بالخبر والتعليق الموضوعي في أغلب الأحوال، ومع ارتباط بعضها بأجهزة المخابرات والقصر ألخ..
أرجو أن ينهض أعضاء القيادة الحالية لتصحيح المفاهيم البالية بشأن حرية إبداء الرأي والرأي المقابل، طالما إلتزم بقواعد الموضوعية المتعارفة. وما ذكره الزميل العزيز سليمان يفصح عن عقلية قوامها الحجر على الآراء، باستخدام سيّء للديمقراطية المركزية، التى تحجر حرية التعبير بدعوى صون “وحدة الفكر والارادة”؟
5-  لقد قاد الرفيق الخطيب حملة هوجاء، بالتواطؤ مع عدد من أعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي، لتجريد أربعة من الرفاق المشهود بتضحياتهم وثباتهم في كل المنعرجات التي اجتازها الحزب. وعضوية الحزب في نظري حق مُقدس، لا تُنتزع إلا عبر مراحل عديدة من الجهد الرفاقي المُخلص، وعدم تعجل الخُطى لتصيد الأخطاء، واللجوء إلى الإجراءات التنظيمية، واستخدام سلاح النقد، والنقد الذاتي، والحوار الرفاقي، وكل ما يتوسم المرء من إعمال للعقل والتجارب والحكمة.
يؤلمني للغاية، أن الزميل المسئول السياسي لم يظهر الحكمة أو الكياسة التي تتطلبها مسئولية القيادة. وليته يعود لدراسة تجارب القادة الذين سبقوه. فقد حصر كل اهتمامه في تسعير حملة التشفي، وتصيّد الأخطاء بدلاً من العمل مع رفاقه لإصلاح الخطأ. ولم يكن المسئول السياسي نزيهاً في التقيُّد بلوائح الحزب وتقاليده. وقد جعل في مقدمة اهتماماته هدفاً مقدساً، هو فصل رفاق يفوقونه فى التضحية والتفانى. وحتى لا أطلق الحديث على عواهنه، فالدكتور الشفيع خضر على سبيل المثال، هو أول وآخر طبيب سوداني قدّم نفسه للإحتراف في صفوف الحزب لما يقارب الخمسين عاماً. علماً بأن الحزب الشيوعي والمنظمات التابعة له قد وفّرت فرص الدراسة لآلاف الطالبات والطلاب لدراسة الطب بمؤهلات أقلّ من مؤهلاته. وليس من بين هؤلاء واحد/ة من أقدم على طرق باب الاحتراف كما فعل الشفيع. ولهذا كان من الأعدل استنفار أقصى درجات الحكمة تقديراً لإسهامه وتاريخه الذى كرسه للحزب في كل المنعرجات الحاسمة.
ثمة تساؤل يطرح نفسه، و يؤرقني هو الآخر: لماذا تبدو قيادة ل. م. والمكتب السياسي وكأنهم من كوكب آخر، لا يرفّ لهم جفن، ولا تغشاهم حكمة أو حسن تقدير لرفاقهم، ممّا جُبل عليه السودانيون عموماً ؟ وقديماً عاب الشاعر على مثل هؤلاء بأبيات معبرة:
وكنت كذئب السوء
ما أن رأى بصاحبه دماً
حتى أحال على الدم
وفيما ذكرت آنفاً، لم أقصد التقليل من جهد رفاقنا ورفيقاتنا الشيوعيين/ات والديمقراطيين/ات الأطباء والطبيبات، الذين/اللواتى اختاروا واخترن طريقاً آخراً محفوف بالمشاق، خدمة للشعب السوداني “وردّاً للجميل”
وعلى نفس المنوال يمكن التحدّث عن الرفيق حاتم قطان الذى تجسدت في شخصة تضحيات لا يطالها الشك، خاصة في أعقاب ردة 30 يونيو 1989، في حماية جسد الحزب وسلامة محترفيه. وللرفاق هاشم تلب وعبد المنعم خواجة سجلات مُشرفة في العمل قريباً من رفيقنا العزيز محمد إبراهيم نقد. ألم يكن بالإمكان إنزال عقوبات مُخفّفة تصون حقهم في عضوية الحزب بدلاً من إشهار حد السيف وبدون جه حق فى مواجهتهم، خاصّةً وأن اللجنة المنوط بها تقصي الحقائق معهم، قد أخلت طرفهم من تهمة التكتل والتخطيط لإفشاء أسرار الحزب الشيوعي (!). ويُحار المرء في موقف ل. م. من رفض توصيات لجنة تقصّي الحقائق، والتخفي وراء ذريعة أن هنالك اتهامات إضافية لإبطال قرار لجنة التحقيق. وكل من يتسم بالإنصاف يرى أنّ الواجب والعُرف كانا يقتضيان قبول توصيات لجنة التحقيق في ما كُلفت بتقصّيه، وتكليف نفس اللجنة أو خلافها بحيثيات إضافية تستوجب التحقيق. أما التعلّل بما سُميّت “اتهامات إضافية” وقرار ل. م . لاحقاً بإصدار قرار بفصل الزملاء الشفيع وقطان وهاشم وعبد المنعم، فهو أمر معيب. وهذه الممارسة مستعارة من مخلفات جوزيف ستالين، التى بذرت في الحزب الشيوعي السوفيتي بذرة الفناء.
6-  لقد تحوّلت قضية الزملاء الموقوفين إلى شغل شاغل لمجمل عضوية الحزب وعامة الناس. فأهملنا بذلك المهمة الرئيسية لبناء تحالفات مجدية وبناء جبهة ديموقراطية عريضة لإنقاذ الوطن. ولم نقدّم للجماهير برنامج عمل يحدد أهدافنا، ووسائلنا، ولا الحيّز الزمني لبلوغ الهدف الرئيسي، باجتثاث سلطة المؤتمر الوطني والبيروقراطية المدنية والعسكرية المرتبطة بها.
هذه مسئولية سياسية جسيمة أتمنى أن تجد عناية وقراءة موضوعية من القيادة الحالية، للشروع في استعادة مواقعنا، ببناء منظمات النساء وربات البيوت، ولجان الآباء والأحياء، ولجان المقاومة الشعبية المنتشرة لوقف تغوّل السلطة على أراضي المواطنين. والدفاع عن حقوق المزارعين، خاصة في مشروِع الجزيرة، والعمل الدؤوب لتخليص المنظمات النقابية مما يسمى بنقابة المنشأ، إلى جانب التوسّع في تكوين نقابات ومنظمات موازية، وجعل مسألة المساعدات الإنسانية ووقف الحرب فى صدارة برنامج عملنا اليومي، والاستفادة من المساندة العالمية للضغط الدائم على النظام القائم. والحديث عن الانتفاضة إذا لم ينبنِ على برنامج عمل وسط الجماهير سوف يتحوّل إلى حالة ترقّب غير مجدٍ.
7-  ثمة مسألة تتطلب المواجهة الشُجاعة من القيادة الحالية، لتلمّس الأسباب الحقيقية وراء مغادرة أفواج من الشيوعيين المقتدرين لصفوف الحزب. وكان المؤتمر الخامس قد تنبه إلى ضرورة العمل الإيجابى لتقصّي الأسباب الحقيقية وراء تخلّي أعداد من الزميلات والزملاء عن عضوية الحزب. ودون استباق للمناقشة المأمولة أرى أن من بين تلك الأسباب، بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وتراجع نفوذ الأحزاب الشيوعية في أوروبا، تراجع الاهتمام بالتربية الحزبية، وترسيخ الفهم الراسخ لمبادىء المنهج الماركسي في صفوف الحزب الشيوعي السوداني، وتحفيز العناية الدائمة بتنمية المعارف حول مستجدات العصر التي أضافت للماركسية زخماً لا يتوقّف.
8-  مواصلةً لما سبق، فقد أعلن المسئول السياسي الزميل الخطيب لمراسلي الصحف (ماعدا صحيفة الحزب) أنّ الزملاء الشفيع وحاتم وهاشم وعبد المنعم الخواجة قد خرقوا لائحة الحزب الشيوعي، وأقدموا على نشاط تكتلي بهدف نقل أسراره الداخلية وتقويضه. وقد تمَّ إيقافهم حتى يكتمل التحقيق معهم. وعلى الفور كتبت إلى المكتب السياسي للتأكيد على كامل احترامي لقيادة الحزب، والخضوع لقراراتها تفادياً للفوضى والهرج. وفي ذات الرسالة ذكرت أنه ليس هناك إيقاف مفتوح. واقترحت تحديد فترة 3 أسابيع لإتمامه. وإذا لم تُكمل لجنة التحقيق مهمتها بحلول اليوم الثلاثين من بداية عملها، يسقط قرار الإيقاف وكأن شيئاً لم يكن. كنت ولا زلت عند قناعتي أنّ الإيقاف بحقّ رفاق قياديين بل بحق أيّ عضو في صفوف الحزب لأمر جسيم، ويتعارض مع قواعد الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي أضحت ميثاقاً عالمياً يعلُو ولا يُعلَى عليه. ثمَّ بعثت هذه الرسالة- كما جرت العادة في كل مخاطباتى- للهيئات القيادية في الحزب.
9-  الزميل الخطيب هو الذي قدّم البلاغ الذي إنداحت بعده دوائر الاتهام في كل الاتجاهات، ولم يسلم منها أحد، حتى بدأ الحزب في حالة من التمزّق أمام الشعب. ولم يستجِب الزميل الخطيب لمطالبة هيئة القيادة له بتقديم بلاغِهِ كتابة. وهذا الأمر لم ينجز ولم يجد المتابعة. وقد توصّلت لجنة تقصّي الحقائق حول التُهم المنسوبة للرفاق الذين واجهوا تلك الإتهامات الجسيمة، بأن البلاغ ضدهم لا أساس له من الصحة. وطالبت اللجنة بمحاسبة مقدم البلاغ وهو الزميل الخطيب. وهذا ما لم يجد المتابعة، وإنداح في طي النسيان!
10-  قبل أن تُصدر لجنة تقصيّ الحقائق قرارها، بعث المكتب السياسي بتعميم إلى الأحزاب الشيوعية حول العالم، والأحزاب والمنظمات السودانية، مفاده أن الزميل الشفيع مسئول العلاقات الخارجية قد تمَّ إيقافه، ويجرى التحقيق معه بشأن خروقات تتعلق بأمن الحزب. هذا الإجراء المُتلهف خاطىء ولا مسوغ له، والواجب يقضي بعدم إصدار إدانة مسبقة، فما جدوى تقصّي الحقائق إذاً؟ فالإيقاف عموماً لا يعني تجريد العضو من كل حقوقه. وقد جرت العادة أن تعالج قضايا تقصيّ الحقائق بحكمة قبل أن تهرع الهيئة المعنية إلى تجريد الزميل/ الزملاء المعنيون من حقوقهم اللائحية. والدكتور الشفيع الذى إلتزم جانب الصمت فيما قبل المؤتمر السادس، لم يكن يخطر على باله بأن يسعى لانتحال صفة حزبية لم يُكلف بها. وعليه فإن إصدار تعميم بطريقة المكتب السياسي تلك المجافية للعقل يُعد عملاً كيديّاً، لا سابق له في الحزب. وقد شهدنا حالات إيقاف لرفاق كانوا ملء السمع والبصر، تمّ علاجها من قبل قادتنا نقد وعبد الخالق وغيرهم بالحكمة وبُعد النظر.
11-  إذا سلمّنا جدلاً بأن الدكتور الشفيع قد ارتكب أخطر المُحرمات في قواعد العمل الحزبي، وأنكر جدوى الماركسية – وهنالك المئات من أعضاء الحزب تحلّلوا من مستوجبات المنهج الماركسى- ألم يكن من الأجدى محاورته بدلاً عن استتابته كما فعل قضاة السوء في محاكمة الجمهوريين بأبناء الأستاذ محمود محمد طه؟ والماركسية قد حدّدت النقد والنقد الذاتي كوسيلة لإصلاح الخطاً، والعصر لم يعد العصر، وحرية الرأى المخالف لم تعد مرهونة لنزوات القيادة الحزبية؟! وقد اطلّعت على مسودة مذكرة كتبها أحد رفاقنا ممن أدانوا هجر الشفيع للماركسية، يستهل خطابه بآيات قرانية ويختمه بالدعاء! هذه المذكرة صدرت قبل نحو 3 أسابيع من المؤتمر السادس! وعبد الخالق ونقد عندما يستعيران من آيات القرآن والتراث الإسلامى يتخذان موقفاً هجومياً، لا موقف الانسياق وراء موجة الهوس الدينى الفاضح؟! نحن ماركسيون لينينيون أوقفنا حياتنا وقدمّنا شهدائنا في الثبات على المواقف، وإنزال مبادىء الماركسية الصعبة إلى الأرض ولعامة الناس، لكسب عقولهم ودعمهم .
12-  إذا سلّمنا جدلاً كذلك، أنّ الزميل الشفيع قد ارتكب أخطاء عديدة، وأعلن تخلّيه عن منهج الماركسية، وطالب بتغيير اسم الحزب، فما هي علاقة الزملاء قطّان وهاشم والخواجة، بما نُسب للشفيع؟! فهؤلاء الزملاء لم يتطرقوا لمصير الماركسية وجدواها في مجتمعنا، ولم يلتقوْا بالمندوبين الصينيين كما نُسب للشفيع ً، ولم يتغيبوا عن اجتماعات الهيئات التي يعملون بها، فكيف يكون الفصل التعسفي إذا لم يكن هو ما أصاب الرفاق قطّان وهاشم تلب وعبد المنعم الخواجة (by association) ، وكيف يكون الفصل بالإنتساب؟
إنّ الحزب الشيوعي الذى نشأنا في خطى قادته وشهدائه، لا ينتسب من قريب أو بعيد لما أقدم عليه المكتب السياسي و ل. م. السابقة. وسوف أواصل مسعاي من خارج مظلّة القيادة السياسية الحالية حتى تتبدى الرغبة الحقيقية لإصلاح الأخطاء التي كبلَّت خُطى الحزب الشيوعي السوداني، لتعيده إلى طبقته وحلفائها، وتشحذ الهمم لمواجهة الأزمة الشاملة التي يكابد منها كل السودانيين. وسوف أضمّ جهدى الى كل جهد إيجابى لإنتشال الحزب الشيوعي من وهدته، وعودته الى منصّة التكوين الأولى فوق منهج ماركسي متجدد.
مرّة أخرى أكرر أنّ استقالتي هي تعبير عن احتجاجي السياسي والفكري والأخلاقي على جملة الأخطاء والممارسات المشينة التي أعقبت المؤتمر الخامس، وانتخاب المسئول السياسي. وفي مقدمة كل ذلك أدعو ل. م. لإبطال قرارات الفصل الكيدي والفصل بالإنتساب لكوكبة من المناضلين الذين أوقفوا حياتهم لخدمة الحزب وحمايته، والإبقاء على جذوته متقدة. ولن يكون ذلك بمثابة انتصار لطرف على آخر، في مثل الجدل الذى يضعف الحزب الشيوعي ولا يزيده قوةً ولا منعةً…..

دكتور عبد الماجد بوب
كاليفورنيا، الولايات المتحدة الأمريكية
7 سبتمبر 2016

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

*أوسع مقاومة لإسقاط الانقلاب* *جبهة واسعة لحماية حقوق الانسان*

Share this on WhatsApp*بيان من الحزب الشيوعي السوداني* سكرتارية اللجنة المركزية *أوسع مقاومة لإسقاط الانقلاب* …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.