الأربعاء , مايو 1 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / *راكوبة جبر في عز الخريف*
حزب البعث العربي الاشتراكي (الاصل) قيادة قطر السودان

*راكوبة جبر في عز الخريف*

╭─┅─═🇸🇩ঊঊঈ═─┅─╮
    📰 *الهـدف*
*دقة الخبر ومسئولية الكلمة*

#الهدف_فن_وثقافة

*بقلم: دكتور حاتم بابكر*

كعادته، ظل عز الدين يتابع وهو في حالة من الشرود، الذي لازمه طوال فترة الاعتقال الأخيرة، وتواصلت فيما بعد، صوت تساقط المطر على (المشمع) الذي يقي (الراكوبة) المنصوبة في آخر (الحوش) الفارغ إلا منها وغرفة (جالوص) وحيدة، ظلت منيعة على حوافر وعوامل الزمن، غرفة تقف بشموخ، محسود، وسط البيت.. بيت الإيجار القابع آخر صف البيوت، في الحي الذي يقطنه لفيف من الهاربين من جحيم إلى آخر.. ذاك الحي الأخير.. في مدينة اختلط فيها كل شيء قديمه وجديده.. ببساطة.. تلمحها في أعين الناس..
(الطقطقة) نفس إيقاع المطر، الذي لم يختلف، منذ أن عرف عز الدين (الدنيا)، كجدران تلك الزنزانة التي تم اعتقاله فيها طوال فترة لم يستطع حسابها، على الرغم من محاولات جبر الدار، رفيق الزنزانة، احتساب الأيام على (الحيطة) المتسخة مستخدماً حجراً صغيراً جادت به عاصفة، ذات يوم، إذ سقط من جانب (المنور) الوحيد والمرتفع في تلك الزنزانة المعتمة..
كل واحد منهما كان العزاء للآخر.. ظلا يتحدثان لبعضهما البعض لفترات طويلة، غير محتسبة، أو لا يمكن احتسابها، في الواقع، لغياب عامل الزمن واختلاط الأيام والليالي، يتفقان فيختلفان، ثم يعودان للاتفاق مرة أخرى، تماماً كالأطفال عند ممارستهم اللعب. يتفقان اليوم على قسوة الظروف التي سادت البلاد منذ أن تربع هؤلاء الجلادون على سدة الحكم، وأن الأزمة الشاملة لا بد لها من حل، وعلى اختلاف الحلول، يتفقان على أنه لا بد من تفكيك مرتكزات النظام، وأن الثورة آتية لا ريب فيها، وعن ايمانهما بجماهير الشعب، وعلى طول نفس النضال، وأن جماهير الشعب هي الغاية والوسيلة لإحداث التغيير المنشود، الذي تتطلع إليه، ودونه حلول جزئية، تعيد انتاج الأزمة، تماماً كما عبرت عنه المعارضة من قبل بأن ما حدث ويحدث هو عبارة عن حل زائف لأزمة حقيقية. وفي غمزة ذلك، لا يخفيا حزنهما على ضحايا الحرب والنزوح واللجؤ ونقص الدواء وتردي الخدمات الصحية، وعن ذهاب الجنوب، وهل من رجعة؟! ولم لا؟! وعن علاقة الدين والدولة وعن نظام حكم البلاد، وعما سننتج، في المستقبل، ونصدر ونؤهل ونبني وعن قضايا التعليم والمرأة.. فقد كان لديهم الوقت لكل ذلك وأكثر.. ثم يعودان فيختلفان لدرجة الثورة والهتاف، كل يحاول الدفاع عن وجهة نظر ما، أو عند معاتبة عز (لي) جبر، فهكذا اتفقا على اختصار اسميهما، وكأن ليس لديهما فسحة من الوقت لترديد اسميهما المركبين كما هما، وأن الوقت للثورة! ولكنه جبر.. فقد كان متعجلاً في كل شيء، في الحضور وحتى لحظة الغياب.. كان كالنيل، بعنفوانه، يمضي عجلاً نحو النهايات في الجنوب أو في الشمال.. إذ لا فرق لديه فكلها تؤدي، في النهاية، للبحر أو الخليج.. هنا أو هناك..
عاتبه عز لأنه لم يتمسك بمخطوبته، ولم يكمل معزوفة (الأمل) وفضل الهروب، على أن يجعلها عرضة لحظه العاثر، أو كما قال، فجبر يعتقد أنه منحوس.. فهي بنت الحسب والنسب، على الرغم من تحول حال والدها بعد مجيء (هؤلاء)، وأظن أن السبب المباشر لذلك كان رفضه لسياسات النظام الجديد، ما جعل (الجماعة) يسارعون بإخراجه من السوق، (لتمكين) آخرين، ليصل، في نهاية المطاف، إلى حد إعلان إفلاسه.. لم يشأ جبر أن يدخلها عالمه المتعجل وكأنه يعلم ساعة الرحيل.. لم يشأ أن يبدد أحلامها قبل أن تولد..
(ههنا) يضحك جبر على (نفسه) بهستيرية، ويشاركه الضحك صديقه عز، وبصوت مفضوح، ظل يقلق سجانيهما كثيراً، (امنع الضحك) تلك العبارة التي كانت تزيدهما اصراراً على المواصلة، ولا يوقفهما إلا التهديد بالانفرادي، فيتوقفا على الفور، ليس خوفاً من الانفرادي، أبداً، فهناك كانا يذوبان في روعة ورهبة الصمت، والملكوت، والفراغ اللامنتهي، هناك كانا ينسجا الأمل ويبنيا المستقبل ويختطا وثائق الشرف ليكملا نضالهما من أجل الحرية، في الانفرادي.. كان كل واحد منهما يحمل ريشة وازميلاً ووردة، وتكتمل اللوحة عندما يعودا لزنزانة (آخر محطة) أو كما اعتاد عز على تسميتها معلقاً (نلف ونرجعلك).. فيكشفا لبعضهما البعض ما تم انجازه في الانفرادي، فيتشاركا الحلم والأمل والرهبانية..
وكلما انفتح باب الزنزانة ينفتح قلبا عز وجبر على الشارع، وكان حلمهما أن ينفتح الباب يوماً عن الثوار ليحتضنوا بعضهم بعضاً ولينطلقوا عبر شارع النيل وصولاً للقصر معانقين خيوط الشمس.. ولذاك السبب فقط، كانا يصمتان.. فما زالت هنالك تفاصيل كثيرة عن (الزفة) هكذا كانت عندهم الثورة (زفة كبيرة) يجب عليهما مناقشتها.. يريدان أن يضعا كل تفصيلة عن الثورة، (ما نسينا حاجة) يردد عز بإصرار يخالطه التوتر، يجعل جبر يبدأ من نقطة البداية، مردداً بدوره: (معاك حق يا صديقي، لازم نحسب حساب كل حاجة تمام.. حساب البقايا والبسرقوا الثورة والبدسوا العيش)..
عز الدين تم اعتقاله من وسط تظاهرة بسوق المدينة، كانت تهتف باسقاط النظام، قبل أن تنهال عليه ورفاقه الهراوات والأعيرة النارية والغاز المسيل للدموع، فيسقط من يسقط وينزف من ينزف ويلتحق بالشهداء من يلتحق، والنظام غير آبه، فهناك في القاعة الكبرى كانوا يجتمعون لوضع دستور جديد، يزيد من هامش الحريات، ويفتح الباب لمشاركة (هؤلاء) جدد، يتباكون على (كراسي) السلطة ويتهافتون لتوزيع ما اكتنزوا من ثروة، وشهوة!
أما جبر الدار، الذي سبقه للزنزانة، بأسبوعين كاملين، كان يوزع منشوراً في الحي المقابل، ويزين الجدران (والحيشان) بهتاف الثورة (الزفة) وأغاني الحرية تملؤه وتزيده تصميم وإرادة.. وهو يردد (والشارع ثار.. غضب الأمة اتفجر نار).
(يضحك) وهو يحكي حظه العاثر لأنه لم يحظ بفرصة مقابلة مخطوبته، فأرسل لها منشوراً، أخبرها فيه بمواعيد (الزفة)، لم يرغب في أن يفرح وحال البلد (بطال)، كانت أحلامه (أنا وانتي، لازم أولادنا يعيشو في جو ديمقراطي) تضحك ملء عينيها.. وكلها أمل..
(يضحك) معه عز الدين على الرغم من نبرة الحزن المكتوم في صوتيهما.. وبعدها يغوصان في صمت الرهبان، لا يقطعه إلا أصوات تعالي أنين معتقل آخر في الجوار.. (آه.. يا دنيا).. فيغنيان معاً بصوت نشاز، (دنيا.. لا يملكها من يملكها..).. (زنازينك.. زنازينك!)
حالت الرائحة المنبعثة من الزنزانة، وانعزالها، ربما تحت الأرض، عن سماعهم لصوت تساقط المطر، في تلك الليلة التي سبقت وفاة جبر، ولكنه كان قد أخبر عز بأنه يشتاق (لي دقة مطرة تحت راكوبة)، وكأنه أحس بموعد تساقط الأمطار وصعود بذرة روحه للسماء.. فاستأذن رفيقه للمرة الأخيرة لكي (ينجم).
أفاق عز الدين من شروده على صوت (رعدة) ونظر للسماء عله يجد بقية من شعاع روح رفيق (آخر محطة)، ليخبره بأن (الزفة) قد اكتملت، وأن (الراكوبة)، كما هي، ستظل شامخة تفتح صدرها لما تجود به السماء.. وأن لوحة (أمل) تنتظر أن يضرب عليها بريشته آخر الخطوط.

________________________

*▪العصيان المدني طريقنا لإسقاط النظام وإقامة البديل الوطني الديمقراطي*

*▪لا سلطة لغير الشعب ولا وصاية على الشعب.*

*ﭠَڝَـدَرَ عـنَ حِـۤـزْب الَبعــثَ الَعـرَﭜَـيَ الَاشـَـﭠَرَاكَــيَ*
❇════════════❇

لِلِمِزِيِدِ مِنِ الِأخِبِارِ تِابِعِوِا صِفِحِتِنِا عِلِےِ الِفِيِسِبِوِكِ:

https://m.facebook.com/hadafsd/

على تويتر
https://twitter.com/alhadaf_albaath
╰─┅─═ঊঊঈ🇸🇩═─┅─╯

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.