كثير منا يتمني زوال نظام البشير ، وكثير منا يحلم بعهد جديد ، ووطن سعيد ، ولكن هيهات ان تتحقق الأماني بالاحلام :
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال
إذا الإقدام كان لهم ركابا
(احمد شوقي)
لقد كتبنا حتي جفت الأحبار ، ونسخنا وطبعنا حتي إمتلات الذواكر ؛ بالمقالات والكتابات والأشعار ، فلا إنزاح الطغيان ، ولا توقف الموت غدراً وظلماً وبهتان ، في كل ليلة ولكل لحظة يقبر احد ابناء السودان ، حتي تغيرت الآمال وتبدلت الطموحات ، وامسي الهروب من الجحيم هو الملاذ والمرتجي ، وكل من يشاهد ما يحيق بالوطن ، يستحضر قول الرحمن في محكم تنزيله : وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) الاسراء .
وما اسوأ مترفينا هؤلاء ، الذين أتونا حفاةً عراةً ، فتطاولوا في البنيان ، وأي بنيان ؟ فقد حسبناها منازل وغرف صغيرة ، فستبانت الرؤي وإنقشعت الحقائق ، فكانت الشواهق العوالي ناطحات السحاب ، التي ما حلموا يوما ان يسيروا تحت أسوارها ؛ دعك من إمتلاكها ، والشعب المكلوم يناطح الجوع والذلة ، لقد إنتزع الردم وتحطم زبر الحديد وخرجوا علينا ياجوج وماجوج يسؤمننا العذاب يقتلون الرجال ، ويستحلون النساء ، ويعيثون في الأرض فسادا.
ان ما يحدث في بلادنا فاق الممكن وتخطئ المستحيل ، وصار شباب الوطن الممكون يفرون بجلدهم ، واصبح لكل إمريء سوداني شأناً يغنيه ، وجوه قبرت ، من فرط المعاناة ، والناس احياءاً وما هم بأحياء ، واقعاً تخطي الكلمات واستحال معه الوصف .
جاءنا رسولنا الكريم (ص) بإقرأ ، فجاءوا كيزان البشير بإقتل ، جاءنا رسول الكريم (ص) بمكارم الاخلاق فجاءوا كيزان البشير بمفاسد الأخلاق ، جاءنا رسول الكريم (ص) لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها ، فجاءوا كيزان البشير بفقه التحلل وفقه الضرورة ، جاءنا رسولنا كريم (ص) بِعمار الأرض وإستصلاحها ، فجاءوا كيزان البشير بخراب الارض وبيعها ، ورغم ذلك يهللون ويكبرون فليعد للدين مجده ، أو ترق منا الدماء ! فاي مجد تهللون له ! واي دماء ! ايها المتأسلمين ، بعد ان قلبتم الطاولة وصنعتم ديناً آخر ، واخرجتم الشباب من دين الله أفواجا !.
فاذا اخذنا ما يدور في غياهب حكومة البشير ، ودهاليز المعارضة ستعرف ان الإختلافات – الأخلاقية – هي التي رجحت كفة الحكومة للجلوس علي سدة السلطة ، وصنعت من خدعة الأماني والآمال طوقاً حصنت به نفسها ؛ ووهبت عشرة في المائة من سكان السودان الرعاية والوصاية علي الشعب ، وقدمت لهم جميع المقومات الإعلامية والسلطات التنفيذية المطلقة ودافعت عنهم في الخطأ قبل الصواب ، والامثلة تمتلئ بها الاسافير والمواقع الإعلامية ، فكانوا ايدي باطشة لقصقصة أجنحة المعارضة ، وضيقت علي كل مناضل وثوري ؛ براحات الأوطان ، وكسرت شوكتهم حتي ينكفئوا علي وجوههم .
تسعة وعشرون عاماً شاهدنا فيها – نظام البشير – وثلته الفاسدة الباغية يعيثون في الوطن فساداً حتي شابت رؤوسنا ، من جرائمهم ، وبلاغاتهم التي يندي لها الجبين ، ورغم كل ذلك شاهدنا المتأسلمين جميعاً يستميتون للزود عن منسوبيهم ، وإسقاط جميع الدعاوي القضائية ، وتنفيذ محاكم صورية يرضون بها خاطر المواطن المكلوم المظلوم ، ونفاجأ بمشاهدة الجناة يمرحون ويسرحون في شوارع الخرطوم بعد أيام من محاكمتهم ! ، لقد شكلوا بذلك ؛ لمنسوبيهم ومجرميهم طوقاً من الحماية والرعاية ، ورفعوهم الدرجات العلا ، تكريماً وعرفاناً لإرهابهم للشعب !، ولسان حال النظام الفاسد يقول لهم : هل تريدون المزيد !!
وبالمقابل تسعة وعشرون عاماً شاهدنا المعارضة السودانية ومناضليها وهي تتقزم وتتشرزم ، وتناطح وتقاتل وتدمر بعضها البعض ، ينالون فيما بينهم بالحقد والحسد حتي جعلوا الطاغية وازلامه فرحين ! .
تسعة وعشرون عاماً شاهدنا سقوط القيادات المعارضة ، ونشاهد المعارضين الذين من حولهم يغرزون خناجرهم في ظهور إخوتهم للقضاء عليهم بسلاح التشكيك ، والتقزيم والنميمة ، بدلاً عن الدفاع عنهم ، والحقيقة لم نشاهد مناضلاً او معارضاً يدافع ويستميت دفاعاً عن اخيه ، إلا من رحم ربي ، يقاتلون في خندق واحداً ، فيتحينون الفرص لقتل بعضهم البعض ، ولسان حالهم يقول : انتبه لمن حولك فعدوك معروف ، (وهذا ما صنعهُ تجار الدين ، في أخلاق السودانيين) .
وكلما سقط ضلع من اضلاع المعارضة وظهر عليه التباس هللت المعارضة فرحاً ، قبل ان يهلل لها المتأسلمين !! ، وكلما إنتشرت إشاعة بغيضة تمس معارض تسابق المعارضين الاصدقاء لنشرها قبل الأعداء !! ، ومن تظنهم عضدك وسندك في قضية الوطن تجدهم ، همزة لمزة ؛ من خلف ظهرك ، يتضاحكون !!.
اذا كان الباطل يصفق للباطل ويحميه ، فلا غرو أن يغدر بالحق ويقصيه ؟؟!! ..
(وللحديث بقية )
Ghalib Tayfour