الإثنين , أبريل 29 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / حزب البعث العربي الاشتراكي "الأصل" / قراءة في رؤية “البعث” الفكرية والسياسية لقضية المواطنة

#الهدف .

قراءة في رؤية "البعث" الفكرية والسياسية لقضية المواطنة .

   د.أحمد السيد حسين*

تشتمل قضية المواطنة في الفكر السياسي على عدة محددات قد لا يكون ثمة فائدة من الحديث عن المواطنة دون استحضارها وربطها ببعضها بعضاً، وقبل الخوض في تلك المحددات يجدر بنا الإشارة إلى أن حزب البعث العربي الاشتراكي امتلك رؤية متعلقة بمضمونها المعرفي تشكلت مع تأسيسه في السابع من أبريل عام 1947 وعبر عنها بوضوح في دستوره، ولم تتجمد هذه الرؤية وتقف عند ذلك الحد، بل تطورت

قراءة في رؤية “البعث” الفكرية والسياسية لقضية المواطنة

#الهدف .

قراءة في رؤية “البعث” الفكرية والسياسية لقضية المواطنة .

   د.أحمد السيد حسين*

تشتمل قضية المواطنة في الفكر السياسي على عدة محددات قد لا يكون ثمة فائدة من الحديث عن المواطنة دون استحضارها وربطها ببعضها بعضاً، وقبل الخوض في تلك المحددات يجدر بنا الإشارة إلى أن حزب البعث العربي الاشتراكي امتلك رؤية متعلقة بمضمونها المعرفي تشكلت مع تأسيسه في السابع من أبريل عام 1947 وعبر عنها بوضوح في دستوره، ولم تتجمد هذه الرؤية وتقف عند ذلك الحد، بل تطورت وارتبطت بعمق تجاربه السياسية وحيويتها، وبالعديد من المراجعات الفكرية والممارسات النقدية التي اعتمد الحزب نتائجها في مؤتمراته، ومن خلال ما أضاءه مفكروه في كتبهم، لذلك نستطيع وصف رؤية البعث في هذا المضمار بأنها شمولية ولديها قدرة على استيعاب أبعاد القضية ومعالجتها بمرونة تنسجم مع خصوصية الواقع السوداني وتعقيداته، وبما يتصل بأرقى صيغ التقدم المدني والحضاري الحديث.
ومن باب ربط الخيوط ببعضها حتى يتسنى لنا الإمساك بمفهوم المواطنة على الوجه الصحيح، وبالشكل الذي يوضح رؤية البعث بطريقة سليمة قبل الدخول إلى التفاصيل، ينبغي التأكيد على عدة أحكام؛ أولها أن المواطنين في ظل المواطنة ليسوا مجرد رعايا يسكنون في دولة معينة ويخضعون لحكامها، مثلما كان يحدث في القرون الماضية حينما يقال مثلاً: “رعايا الدولة العثمانية أو رعايا الإمبراطورية الرومانية”، بما يقسم المجتمع إلى حاكمين ومحكومين، فالمواطنة هي علاقة حقوقية بين أفراد المجتمع مع بعضهم من ناحية، وبين السلطة والمجتمع من ناحية أخرى؛ بالتالي لا يمكن الحديث عن المواطنة إلا بالتأكيد على سيادة حكم القانون، وما يترتب على هذا القانون من حقوق وواجبات، تجعل السلطة تخضع لنفس القانون الذي يخضع له المواطن، إضافة إلى أن المواطنة تعتبر مفهوماً عابراً للتمايز الطبقي والإثني والطائفي، وتختلف من ناحية حقوقها المكتسبة عن طبيعة الامتيازات التي يحصل عليها المواطنون في بعض الدول العربية والملكية منها على وجه الخصوص؛ لتمييزهم عن غيرهم من المقيمين أو الوافدين؛ فالمواطنة لا تبنى على الامتيازات التي تعطى كهبات من قبل الحاكم لظروف معينة، فهي في أسمى معانيها حجر الزاوية لأي مجتمع ديمقراطي.
واستطراداً لما سبق، فإن قضية المواطنة ترتبط في فكر البعث بأبعاد ثلاث، هي الحقوق الفردية والحقوق السياسية والحقوق الاجتماعية، وأهم ما يمكن قوله في تلاقي هذه الأبعاد أنها تحقق للمجتمع جوهر المواطنة المتمثل في المساواة، فالحقوق الفردية لأي شخص ترتكز على رفع سقف حرية التعبير مع إخضاع هذا السقف للمصلحة العامة، كي لا تتعدى حدود حرية الفرد على حقوق الآخرين، أما بالنسبة للحقوق السياسية فتتمثل في حق المشاركة في السلطة بدون احتكارها من قبل أي جهة، وما ينبني على هذا الحق من إعادة لتوزيع صلاحيات السلطة بين مؤسسات الدولة والنقابات باعتبار أن الأخيرة هي الكيانات المعبرة بشكل أصيل عن مصالح الفئات المتعددة، بما يحقق توازناً في إدارة الدولة، يجعل ثمة إمكانية لإيجاد توافق بين المواطنين على قضاياهم الكبرى، وإمكانية أخرى لحل الصراعات السياسية بطرق سلمية عبر أطر ديمقراطية تعبر في النهاية عن مصالح أوسع شرائح المجتمع، ويبقى الركن الأخير من أركان المواطنة من منظور البعث، وهو توفير الحقوق الاجتماعية المتمثلة في تأمين متطلبات العيش الكريم من خلال التنمية المتوازنة، وتقليص الهوة بين الطبقات، وجعل جميع المواطنين ينطلقون من نقطة شروع واحدة، بحيث تكون الشروط المادية المكونة لواقعهم في حدها الأدنى كريمة، ومتجاوزة لأي حالة تتعارض مع حقوق الإنسان.
من جانب آخر، فإن مسألة كيفية تجسيد المواطنة على مستوى التجارب العالمية اقترنت في صيرورتها بنموذجين رئيسين، النموذج الأول مبنى على فكرة أن أفراد المجتمع يتحددون أمام القانون كمواطنين فقط، بمعزل عن أصولهم الدينية والإثنية والثقافية، ونموذج آخر يقر بحقوق الأقليات، وهذا النموذج يصنف المجتمع في الغالب على الأساس الديني أو المذهبي أو الثقافي، ويرى أن من الإنصاف إعطاء الأقليات الدينية مثلاً حقوقاً استتثنائية على أساس انتمائهم للأقلية، وهذا النظام معمول به في كندا وسويسرا، ويختلف مع نموذج المواطنة الكاملة المعمول به في فرنسا.
ولقد تجاوزت رؤية البعث للمواطنة مفهوم تقسيم المجتمع إلى أقليات وأكثريات ثقافية كانت أو دينية، فحزب البعث ينظر للمواطنة باعتبارها هوية متقدمة على أي تصنيف فرعي، غير أن تلك الرؤية لا تتناقض مع استيعابه لوجود إشكالات مرتبطة بحالات قومية وثقافية لديها أوضاعها وظروفها التاريخية الخاصة، وفي ذلك يقول القائد المؤسس ميشيل عفلق: “بأن الاستعداد الدائم عندنا لاستيعاب الخصوصيات، ولفهم وضع كل أقلية واحترام شخصيتها، هو من قيمنا الأساسية، ومن القيم الداخلة في قوميتنا وفي تراثنا، وبما تقتضيه المصلحة المشتركة”، ويضيف عفلق: “بأن الأمة العربية أقدر من أية أمة على حل مشكلة الأقليات، منطلقين من هذه الروح ومن تراثنا، من مراعاة واقعنا ومصلحتنا القومية؛ لأن مصلحتنا هي في التآخي القومي، وليس في إبقاء عوامل وأسباب التناحر الداخلي، وليس في ترك ثغرات يستغلها الأعداء في داخل بنياننا القومي”، ووفق هذا المنظور تَلخص جوهر موقف البعث الفكري والسياسي من قضية الجنوب – الذي عبر عنه في وثيقة “البعث ومشكلة الجنوب في السودان” – أي من خلال التعامل مع القضايا ذات الخصوصية بما يحقق فعلياً عملية الاندماج الوطني بصورة مرنة ويضع خيار الوحدة كخيار تاريخي بين أبناء الوطن الواحد، وهو المنظور نفسه الذي انطلق منه الحزب في العراق للتوصل لاتفاقية الحكم الذاتي، أو ما يعرف ببيان 11 آذار 1970، الذي أعطى الأكراد إلى جانب الحكم الذاتي حقوقهم القومية كافة، وفي المقابل أيضاً فإن تجاوز البعث لتصنيف الأكثريات والأقليات لا يعني تجاهل مسألة أن الثقافة العربية الإسلامية هي الثقافة السائدة في السودان؛ لأن ذلك حكم واقع، وبقدر ما هو حكم واقع، فإن البعث يَفترض أن هذا الواقع يمكن من خلاله بناء أحكام قيمة ذات مضامين وطنية وإنسانية. وتظل إشكالية رؤية القضايا السياسية من زاوية الأكثريات والأقليات قائمة في إطار الممارسة الديمقراطية، لأن هذا المفهوم سيُهمش ويُقلل من قيمة الدور التاريخي في البناء الوطني لبعض ما قد نعتبرهم أقليات مثل الأقباط في السودان، علاوة على أنه سيؤدي في نهاية المطاف إلى استبداد الأكثرية ومنحها الصلاحية للتحكم في مصير الأقلية مهما بلغت درجة التمييز الإيجابي لهذه الأقلية، وسيؤدي كذلك إلى تسيير الحياة السياسية بأغلبيات ثابتة تعتمد على الهوية، ومن هنا يعاد إنتاج الاستبداد عبر غطاء ديمقراطي.
ومن المهم كذلك القول أن من العوامل الرئيسة التي أدت لتفشي الصراعات الجهوية في السودان التسليم بأن ميزان الحكم لن يستقيم إلا إذا قسمنا السلطة على أساس المحاصصة الجهوية، ذلك المفهوم الذي رسخت له الجبهة القومية الإسلامية بقيادة عرابها المرحوم حسن الترابي، فأدى إلى فرط عقد المواطنة ونحرها من الوريد إلى الوريد، لأن السياسي أصبح لا يُعرَّف من خلال المواطنة؛ بل من خلال وضعيات غير سوية بمآلاتها التفتيتية، ويبدو أن هذا النمط من التفكير بات سمة ملازمة للطرح السياسي الراهن، ويظهر جلياً مع كل دعوه لاحتواء الحروب وبسط السلام، فالحركة الشعبية التي رفعت شعارات السودان الجديد والتنوع الثقافي والوحدة الجاذبة، استحال وضعها حينما انفردت بحكم دولة جنوب السودان إلى دخولها في دوامة الصراعات القبلية، وسعيها لإيجاد توازن قبلي داخل تنظيمها في إطار بحثها عن السلام والاستقرار، وهذه الحالة تنطبق على أغلبية الحركات المسلحة في دارفور حينما ندقق في طبيعة الصراعات والتكتلات القائمة في أجسامها، وهي تؤشر قطعاً لوجود خلل بنيوي في استيعابهم لمفهوم المواطنة، وتؤكد أيضاً أن ما يستتر وراء الكثير من الشعارات البراقة، عبارة عن ردود أفعال على أزمة حقيقية ماثلة أمامنا.
ومن المفيد تلخيص السمات التي تميز رؤية البعث للمواطنة في الآتي:
* المواطنة مفهوم عابر للتمايز الطبقي والإثني والطائفي، وتقوم بناءً على علاقة حقوقية تقترن بسيادة حكم القانون، وتمثل أساس المجتمع الديمقراطي.
* ترتبط المواطنة بالحريات الفردية وبحقوق المشاركة في السلطة وبتحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الاستغلال بجميع أشكاله.
* تجاوز حزب البعث تصنيف المجتمع على أساس “أكثريات وأقليات”، والتزم بمفهوم المواطنة الكاملة، غير أن ذلك لا يعني بالنسبة له غض الطرف عن مشاكل نشأت بسبب مجموعة من الظروف التاريخية، وارتبطت بقوميات أو مجموعات ثقافية معينة لديها أوضاعها الخاصة.
* تعتمد نظرة البعث بواقعيتها المثالية على ربط القضايا السياسية والاجتماعية على الدوام بحزمة من القيم الأخلاقية والإنسانية، بحيث تمثل هذه القيم البوصلة التي يوجه نحوها الحزب أفكاره ويخضع توجهاته على أساس ما تسفر عنه من نتائج، لذلك فإن البعث يرى أن جوهر المواطنة يتمثل في تحقيق المساواة بين أفراد المجتمع والتآخي الوطني وتغليب المصلحة العامة على كل الخيارات، سواءً كانت خيارات حزبية أو طبقية أو فردية.
* يرفض البعث كل محاولات ربط قضية التوصل لتسويات وطنية بمصالح نخب معينة تسعى لتقاسم السلطة والثروة على أسس جهوية، بغض النظر عن وعيها بخطورة ذلك على الحالة الوطنية، أو ارتهانها لتلك الخيارات بسبب نقص وعيها أو لتسليمها بسياسة الأمر الواقع.
____________________
#الهدف
تصدر عن حزب البعث العربي الاشتراكي “الأصل

للمزيد من الأخبار تابعوا صفحتنا على فيسبوك:
https://m.facebook.com/hadafsd/

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

وجدي صالح في حوار لـ”مداميك”:

Share this on WhatsAppوجدي صالح في حوار لـ”مداميك”: ليست هناك تسوية.. ما يجري هو محاولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.