الأربعاء , مايو 15 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / صناعة الإرهاب واوهام الدباب…!

صناعة الإرهاب واوهام الدباب…!

سامح الشيخ

(١)

حقائق للتاريخ… الدبابيين وهم اسلاموي اخترعه اعلامهم

عندما كنا صغاراً كنا نسمع عن الحرب في الجنوب وعن العساكر الذين يقتلون هنالك نعم يقتلون لم يكن يقال لهم شهداء لوالدتي اقرباء من الدرجة الأولى ماتوا في تلك الحرب اللعينة التي لم ينتصر فيها احد رغم اسلحة القوات المسلحة ما اود ان اقوله ان اقرباء والدتي هولاء كانوا عساكر جيش في الثمانينات من القرن الماضي عندما كنا نعلم بالخبر كان يعلن في الاسرة بهذه الطريقة والله حسن خالنا دا عنده ولد كتلوه في الجنوب ونحن ماشين البكاء ومازلنا حين نتذكرهم نقول للحجة انتي اولاد خالك الكتلوهم في الجنوب اولادهم كيف…..لتاتي بعد ذلك سنين الجهاد والاستشهاد والهوس الالعن كنت اتحدث مع بن خالتي  وهو جندي قوات مسلحة تقاعد برتبة رقيب تحدثنا عن فترته بالجنوب 1991/ 1995 ذكرته عندما ذهبنا له بالسلاح الطبي نبحث عنه جاءت اخبار عن انه اصيب فوجدناه في حال يرثى لها… مازال  يعاني من اثار اصابته تلك قال انه وعد بالعلاج بالاردن لكنه يعلم ان الحكومة تعالج المجاهدين فقط بالاردن وانه تعايش الان مع العاهة المستديمة التي يعاني منها وتأقلم على ذلك  لكن اكثر ما قاله لي بألم وبمرارة وندم انه قال اننا لم نكن نحارب  كما يظن البعض ونخوض معاركنا بالكيفية المتضخمة لساحات الفداء واعلام الحكومة ولم تكن حربنا متكافئة فقد كنا ندخل كل قرية بعد قصفها من الانتنوف فكنا ندخل لنرى مأسي قال عنها اتمنى ان لا يحاسبني ربي عليها فكنا ندخل القرية في اكثر الاوقات لندفن ضحايا الانتنوف في حفرة كبيرة ومعظمهم من النساء والأطفال هذه شهادة شاهد عيان لك عزيزي القارئ أن تتخيل ما يحدث الآن في جبل مرة وجبال النوبة وجنوب الازرق وكيف تجيبوا حي كما لك ان تتخيل الدبابيين وكيف انهم فجروا الدبابات واي دبابات هذه يا تري ومن في الاطراف يمتلك العدة والعتاد ولديه الالوية والكتائب وميزانية الدولة بغير حساب رحم الله  كل الاموات من الطرفين مدنيين ومسلحين وعزل. ولا عزاء فمازال القصف مستمر واسباب الظلم قائمة في كل شبر من السودان…. اوقفوا قصف المدنيين فوجود المسلحين في اماكن تواجد المدنيين ليس مبررا للقصف

(٢)

طلاب ومليشيا

في العام1995 وبعد الانتهاء من امتحانات الشهادة السودانية كنا نعرف انه لامفر من الدخول لمعسكرات الدفاع الشعبي لانه مربوط بالتقديم للجامعات لان استمارة التقديم لاي جامعة بدل ان كانت في مكتب القبول صدر قرار بانها ستكون متاحة فقط بمعسكرات الدفاع الشعبي مما يعني انه اي الدفاع الشعبي كان تجنيدا قسريا في مليشيا موازية للجيش.
كان مكان تجمع طلاب منطقة بحري في ميدان عقرب جئنا للميدان وكل معه اهله واصدقائه لوداعه الي مكان غير معلوم مما كان يذيد قلق الاسر للمصير المجهول الذي سيؤخذ له ابناءهم اليفع وهم في مقتبل العمر والاقبال على الحياة لكن مشروع التمكين كان يري فيهم مشروع للموت الرخيص ودروعا بشرية تفتدي املاكهم وتذود عن كراسيهم بالوكالة بالزج بهم في اتون كرهية يشعلون اوارها بغسل مخ هولاء الصبية وشحنهم بتخاريف شعاراتهم المهترئة والدموية التي تدعو الي اراقة بعض الدماء او كل الدماء بفرية فليعد للدين مجده ونحن للدين فداء في حين ان الحقيقة ليس للدين دخل فيما يخطط له بارسالنا للمعسكرات بل هي السياسة التي تم خلطها بالدين ليذداوا غني ويتشبثوا بالسلطة على اشلاء وجماجم ابناء هذا الوطن العزيز.
مرت اللحظات ونحن في الميدان نترقب وصول الباصات او الحافلات التي ستقلنا الي حيث غياهب الوهم الذي خططوا له بحرفية نادرة فاقت ودعاية واعلام مؤدلج وتقية ان المعسكرات برامج ثقافية اكثر منها عسكرية في حين انها كانت فترة يصطادون فيها ضحاياهم الذين يسهل غسيل المخ عندهم ويعتنقوا افكارهم الضالة والمغضوب عليها من كل مؤمن بقيم المحبة والسلام والتعايش السلمي ، كانت المفاجاءة ان الناقلات التي ستقلنا للمعسكرات ليست باصات او حافلات بل شاحنات كبيرة كتلك التي تنقل بها المواشي للتصدير. ركبنا غير ماسوف علينا تلك الشاحنات ومعنا حقائب الحديد التي يوصي بها كل من يذهب للمعسكرات تحركنا في اتجاه ام درمان ومررنا بشارع الثورة بالنص حتي اخره في ذلك الوقت وبعدها شقت الشاحنات طريقها في الرمال حتي وصلنا المرخيات تم استقبالنا في معسكر يعرف باسم معسكر التدريب الخلوي للطلبة الحربيين وبعد اجراءات طويلة وصفوف اطول تم توزيع السرايا والفصائل واعطي كل تسعة خيمة لينصبوها ويسكنو فيها كانت لحظات غريبة ومكان موحش وحمامات بائسة عبارة عن حوائط بدون دورات مياه وهنالك غيرها للضباط لاتختلف عنها كثيرا وان كانت افضل منها كان يبدا البرنامج اليومي بصلاة الصبح الاجبارية وبعدها تلاوة اختيارية ثم تمام الساعة السادسه صباحا وترديد نشيد في حماك ربنا في سبيل ديننا ثم الجري الصباحي في رمال المرخيات ولم نكن نردد تلك الجلالات التي كان يرددها العساكر عندما كنا صغارا وهم يمرون بشوارع مدينة الخرطوم بحري حين نصادفهم ونحن في طريقنا للمدرسة ، كانت جلالاتنا وللغرابة تصدر من بعض الزملاء وكانهم حفوظها مسبقا بل فعلا هم يحفظونها لانهم طلاب الثانويات المنتمسبين للحركة الاسلامية ويحفظون ادبيات الحركة وقد كانت مملة جدا بالنسلة لي لانها لا تروق لي بما تحمل من اساءات من قبيل يا قرنق يا عمالة يا عميل الخوجة وليلي يا ليالي الجنوب طوالي لكن ايضا في المقابل كان لطلبة الكديت جلالات خفيفة تذيد من ايقاع حماسنا وتكسر رتابة جلالات الحركة الاسلامية التي استهلك بعضها في اعلام ساحات الفداء .بعد الجري الصباحي كانت مادة البيادة العسكرية حتي صلاة الظهر وبعدها محاضرة قصيرة ثم راحة ثم بيادة الساعة الثالثة ظهرا ومن حسن الحظ ان التدريب في ذلك العام كان في فصل الشتاء ووقانا شر هجير الصيف ك كانت هنالك محاضرة رئيسة ثلاثة مرات اسبوعيا تبدا في الخامسة عصرا وهي التي يقضيها نعظمنا نائما من الارهاق لذلك لا اذكر عما كان يتحدث فيها لا اذكر غير المعلمين يصيحون اصحي يا مجند اصحي يا طالب.
وهكذا كانت معظم ايام المعسكر والتي كنا نكسر فيها سكون الليل باغنيات الطمبور التي كان يرددها زملائنا من منطقة الشايقية الذين تصادف وجودنا معا بنفس الخيمة في تلك الرقعة الهادئة التي كانت بعيدة عن العمران والضجيج كانت شبه صحراؤ خالية من النبات بها شجيرات قصيرة متفرقة ذات اشواك واوراق صغيرة تري عند جزورها جحور لفئران قيل لنا انها غذاء للبعاشيم وهو نوع من الثعالب صغير الحجم نحيف ينشط في تلك الاجزاء والبيئات الشبه صحرواية . كان يسمح لاسر الطلاب بزيارة ابنائهم كل يوم جمعة وكانت فرصة طيبة لتعارف الاسر وقضاء نهار مع الاهل يزيح عنا ملل الطوابير وتعب تمام الساعة التاسعة ليلا الذي كان يستمر احيانا الي موعد صلاة الصبح في ذلك الوقت من شهر ديسمبر حيث تكون درجات الحرارة منخفضة في تلك المنطقة من الصحراء بين جبل الحردان وجبل تربيوة هكذا قال لنا المعلمين ان تلك اسمائها.
استمر التدريب اربع واربعين ليلة في اليوم الثالث والاربعين والذي يليه كنا نذهب لبروفة التخريج في الساحة الخضراء بالخرطوم وكنا نذهب بباصات المؤسسة العسكرية بيكاسو وكنا نلتقي بدفعتنا من طلبة الخرطوم وامدرمان في بروفات التخريج حيث كان طلبة الخرطوم ياتون من معسكر القطينة وامدرمان كانوا بالقرب منا في المرخيات في معسكر عبيد ختم .في يومنا الاخير تحدث الينا الضباط وضباط الصف عن انهم يعتزرون عن القسوة التي تعاملوا بها معنا في كثير من الاحيان وانهم رغم هذه القسوة حزينون لفراقنا واكثر ما اتزكر بكاء احد ضباط الصف اسمه ويلسون وهو من اخوتنا في جنوب السودان بكى وهو يودعنا في تلك الليلة وحقيقة انه وزميله الاخر اظنه من سلاح المظلات كانوا اكثر المعلمين قربا منا وذلك لممازحتهم لنا في اوقات كنا فيها غضبانين ونوشك علي ترك المعسكر بسبب المعاملة من قبل معلمين اخرين لكنها هي الطبيعة العسكرية هكذا تقسوا عليك لان الميدان اكثر قسوة ولكنا في قرارة انفسنا نقول ان تلك القسوة تكون للجندي المحترف وهذا من صميم عمله.
جاء يوم التخرج وجاء البشير وجوقته وبدات المراسم الذي كان اكثرها هزلا القسم كان مفروضا على كل طالب ان يقسم على اطاعة الاوامر حتى لو ادت بالمجازفة بحياتك كان القسم يبدا باقسم انا اتفق معظمنا بان يبدا القسم بلا اقسم انا ومن الطرائف لدي صديق بدا قسمه باقسم انا كابتن ماجد البرير بدلا من ذكر اسمه الحقيقي وهكذا بدات المراسم وانتهت بفاصل راقص مع الرئيس البشير واحمد الله انه لم يسمع ماذا كنا نقول في ذلك الفاصل الحماسي الراقص.

(٣)

من ذكريات وادي العذاب…!

في شتاء عام 1995 وبعد أن استقر بنا الحال في ذلك الوادي في الصحراء حيث ارسلتنا الدولة في واحدة من سلسلة محاولاتها لغسل ادمغة الشباب ومسح قيم التعايش والسلام الفطري الذي ولدنا به وربانا أهالينا والمحيط الاجتماعي الذي نشئنا به وذلك عن طريق تلقين شباب غر شعارات القتل والإرهاب بإسم الدين وهم في بداية إقبالهم على الحياة لينهلوا من جمالها يحدوهم أمل مراقصة زينتها وبهحتها كما راقصها ونعم بها من ارسلهم لوادي العذاب والأجيال التي من بعدهم،لكنهم أرادوا عكس ذلك ومع  الإصرار والترصد المسبق فقد كان المكان الذي ارسلونا إليه مكان لزرع بذور الفكر الجهادي والتشدد فبعد أن قاموا بتقية إلغاء مادة ومنهج الجهاد من المناهج المقررة على طلاب المرحلة الثانوية بالسودان عملوا على تهيئة معسكرات للجهاد يرسل لها قسريا كل طالب اكمل المرحلة الثانوية فلا عبور للجامعة إلا عبرها ولا يمكن الحصول على استمارات التقديم للجامعة إلا بعد أن ترتدي دمورية الدفاع الشعبي وتردد؛ شعار جهاد نصر شهادة وفي حماك ربنا في سبيل ديننا وأمريكا روسيا قد دنا عذابها علي أن لاقيتها ضرابها وغيرها من اناشيد التلقين التي تدعوا للقتل وإراقة بعض الدماء أو كل الدماء في سبيل الرب وفي سبيل دينه ابتغاء لرفع اللواء  لذلك أنجبت على الطلاب أخذ جرعتهم من شراب الإرهاب الذي أعدته بإحكام في ذلك الوقت.
بعد ان اكتمل نصب الخيام حيث نصبت كل مجموعة منا خيمتها على هواها وذلك لقلة خبرتنا في التخييم ونصب الخيام وقد كانت خياما فخمة ومن النوع الذي نراه في أفلام الحروب والجيوش أثناء الحروب العالمية نصب بعضنا تلك الخيام على شكل مربع والآخر مثلث والبعض الآخر على الشكل الهرمي الشكل في وادي بمكان غير ذي زرع يسمى المرخيات بام درمان يقع بشمالها به بعض التلال المتناثرة كأنها حيوانات ضخمة متحجرة فارة من قطعانها أثناء العصر الجليدي، يقبع المعسكر بين تلين من تلك التلال المتناثرة في الصحراء احدهم
يسمى جبل تربيزة والآخر يسمى جبل حردان. كما توجد بها بعض الأشجار الصحراوية مقاومة العطش في تلك البيئات الصحراوية أو شبه الصحراوية.
بعدها بدأت البرامج وحصص الإرهاب الاسلاموية كان من اغبى برامج هذه الفترة أن تقوم على مدار الأسبوع كل فصيلة من السرايا المكونة من الطلاب تقوم بالذهاب إلى المدينة الجامعية بالفتيحاب للعمل في حفر الأساس لها اوقعني سؤ الحظ في ذلك الوقت بأن كنت من ضمن اول فصيلة تعمل في هذه السخرة كان يتم ترحيلنا إلى مدينة الجامعة الاسلامية من المرخيات إلى الفتيحاب على ظهر شاحنة من النوع الذي تقوم بقلب وكب الرمل أو التراب تلك كان يوضع على ظهر هذا القلاب حوالي ثلاثين طالب واقفين وكان الطريق وعرا حتى يصل القلاب إلى طريق الأسفلت لذلك كان الطلبة مع سرعة القيادة من سائق تلك الشاحنة العسكرية يتدافعون فوق بعضهم البعض في كل حين يقوم به السائق بالضغط على كابح السرعة برجله مما حدا بالطلاب التذمر والاستياء كان الدولة قصدت اذلالهم بالركوب على ظهر مثل هذه الشاحنة التي لم تصنع للركاب من البشر فقد كان ذلك التساقط مزلا للغاية. فلم يكن يمكنك النجاة من السقوط فوق اخيك أو اخيك من فوقك لك تخيل ذلك الوضع لشباب في شرخ الصبا وبداية شبابهم والمراهقة ولك الحق ايها القارئ أن ساء ظنك فلا احد يعلم النوايا لكنها كانت فرصة للاحتكاك الذي قد ينشده كثيرين في أماكن الزحام ..ولا حول ولا قوة إلا بالله..أنه المر الذي لا يبتلع وقد سبق هذا الكلام الذي لا يقال أن جعلوا المرحلة الابتدائية ثمانية سنوات بدلا عن ست وقبلها ست بدلاً عن أربعة مع اختلاف سن دخول المدرسة وهي ناحية متعلقه بالتربية قبل التعليم لكنك تعلم يا عزيزي من دمر التعليم ودمر قبله التربية وكأنه جاء لمثل هذا التدمير بمهمة رسمية وقد نجح نجاحا منقطع النظير.
في أول يوم حفر كان التلفزيون حضوراً و حضر معه وفد الوزير، أسوأ وافشل من تولى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في ذلك الوقت وهو البروفيسور ابراهيم احمد تبدوا عليه وعلى الوفد المرافق له آثار النعمة ورغد العيش مهلليين ومكبرين على خيباتهم وتخطيطهم الفاشل لم يكمل الطلاب حفر حفرة أساس واحدة حتي فترة الانتهاء من المعسكر فقد كانوا يتكاسلون عمداً في العمل وذلك تعبيراً عن احتجاجهم لهذا العمل الذي يشابه السخرة في عهد التركية السابقة.

(٤)

الخدمة الأجبارية الإلزامية (الوطنية)

كانت تمثل هاجسا للشباب بعد التخرج خصوصاً دفعتنا والدفع التي قبلنا ممن أجبروا قهراً لدخول معسكرات مليشيا الدفاع الشعبي الإرهابية وذلك في العام 1995 وذلك بحصر قوائم التقديم للجامعات في معسكرات الدفاع الشعبي بالنسبة للطلاب الذكور وتسحب فقط للطالبات من مكانها الطبيعي بمكتب القبول بامتداد شارع الجامعة بالخرطوم، وكأن أن ذهبنا لمعسكرات التدريب التي كان همها تحويل عدد مننا في تلك السن الباكرة للإرهابيين يموتوا من أجل دين الترابي الجديد وذلك تحت رعاية ومباركة الترابي وحركته الإسلامية ومن لف لهم فلا يستطيع لا الترابي أو غيره تبرئة نفسه بشهادة على عصر لم يكن يعيش فيه وحده فكلنا شهود على عصر الإرهاب وصناعة المتطرفين ومحاولة جعل الحياة كره لنا والموت هو الأصلح لنا في سبيلهم، ويمكن الرجوع لهذه الفترة إلى مقال سابق بعنوان ذكريات طلاب ومليشيا على اللينك التالي :-
http://www.alrakoba.net/articles.php?action=show&id=59484

اتممنا الجامعة بحمد الله الذي حمانا وكثيريين من الإصابة باللوثة التي حاولوا زراعتها في ادمغتنا، لكن كان إن وجدنا بعد التخرج عقبة جديدة أخرى أمامنا وهي التجنيد الإجباري، والذي بدونه أيضا لا معنى لتخرجك فقد ربط استخراج الشهادة الجامعية باداء هذا التجنيد الإجباري ومرة أخرى ذهبنا مجبورين إلى معسكر القوات الجوية المقابل للكلية الحربية بمنطقة كرري العسكرية شمال مدينة أم درمان، وبعد ملابسات وصفوف طويلة ومعاملة مذلة قررت اللجنة الطبية تصنيفي في المجموعة المسماة(ج)، الذين يجب أن يخدموا في مؤسسة مدنية وتعطى إفادة بذلك وتذهب بها وتبحث عن مؤسسة حكومية تقبل أن تعمل لديها بعدها يتم تنسيبك لها من منسقية الخدمة الإلزامية، حصلت على موافقة لعمل فترة الخدمة العسكرية الإلزامية ببنك السودان، حيث وجدت عدداً من مجندي الخدمة مثلي ولكن لكثرة العدد لا يوجد قسم يقبلني بالبنك سوى قسم اسمه أمن المنشآت وافقت على العمل به وهو القسم الذي يشرف على استقبال البنك والبوابات، ذهبت وقابلت مدير هذا القسم سألني أن كان لدي إلمام بالكمبيوتر فاجبته بنعم، وقد كنت موقنا أنني سأكون في احد بوابات أو مداخل البنك كعامل في الاستقبال، لكن تفاجأت بأنه يطلب مني البقاء في أكشاك إدارة وحدة أمن المنشآت والتي كانت مكاتبها عبارة مكاتب خشبية من طابقين وذلك بمبنى بنك السودان القديم بشارع الجامعة تسمى بالاكشاك ، الموقع الحالي في تلك الفترة كان تحت الإنشاء.
لم يكن لدي عمل يذكر أو أن لهذه الوحدة عملا يذكر، تعرفت على بعضهم وهم كانوا من الذين لديهم شهادة إكمال للمرحلة الثانوية تم تعيينه بها كمؤهل اكاديمي وقد ذكر لي أحدهم أن معظم العاملين بهذه الوحدة وحدة أمن المنشآت ببنك السودان التي تعتبر إدارة جديدة أنشئت لخلق وظائف للمجاهدين الذي ذهبوا تطوعا وقاتلوا في الجنوب مع مليشيا الدفاع الشعبي، فقد كان من يأتون أحياء منهم يكافئون أو ينعم عليه بوظيفة إذا كان لا يوجد لأحدهم  وظيفه قبل ذهابه (مجاهدا) إلى مناطق العمليات . وقد كان معظم العاملون بهذه الإدارة من ذوي القدرات والمهارات المتدنية الا من رحم ربي.
اتممت حوالي أربعة أشهر من فترة السنة التي يجب أن اوديها كخدمة إجبارية، بعدها تم تحويلي لقسم المدفوعات بعد أن أكمل احد الزملاء الذين يؤدون الخدمة الإلزامية بهذا القسم الذي يتلائم مع دراستي الجامعية، عملت بهذا القسم وسط ترحيب رئيسته الموظفة الكفئة الأستاذة مها الحفني وقد كان جميع الأفراد التابعين لهذا القسم مرحابين ومتعاطفين مع كل الذين يؤدون الخدمة العسكرية. كان القسم يتبع لإدارة تسمى الفرع الرئيسي وقد كان جميع موظفي هذه الإدارة يولون أفراد الخدمة الإلزامية عناية خاصة ومعاملة رقيقة وكانوا يطلقون علينا اسم اولاد الخدمة الإلزامية، لهم الشكر والتقدير نيابة عن جميع اولاد الخدمة على حسن تعاملهم وكرمهم معنا، وقد كان معظم أو غالبية موظفي إدارة الفرع الرئيسي ببنك السودان من النساء، اكملت فترة الخدمة بهذه القسم التي كانت مفيدة نوع ما بالنسبه لأول قسم عملت به ببنك السودان كفرد خدمة إلزامية، كان المشرف علينا موظف من شئون الموظفين اسمه عبد الرازق وقد كان إنسانا فظا في المعاملة، خصوصاً معي بعد أن علم بأنني عند ما يكون هناك مسيرة جماهيرية للكيزان فقد كان يأتون بنا كأفراد خدمة إلزامية ويحملوننا لافتات مكتوب عليها نقابة بنك السودان وياتوا لنا بأحد حافلات البنك ومذهب لمكان المسيرة الذي غالباً ما يكون الساحة الخضراء بشارع أفريقيا أو المطار، علم عبد الرازق بأنني عندما اصل مكان المسيرة اول شي أفعله  أن أخبر احد زملائي بأنني لن اكمل هذا الكلام الفارغ وساغادر واذهب للمنزل،وبالفعل كنت أغادر ولا أعود للبنك في ذلك اليوم، وكان أن صادف في تلك الفترة مسيرتين أو ثلاثة على الأكثر مما اعتبره هو عدم انضباط وهددني بأن يخبر المنسقية ولكنه لم يفعل مع اني طلبت منه أن يفعل وقلت له أن لدي قسم اعمل به بالبنك، لماذا لا يذهب هو فهو عضو في نقابة العاملين. وقد كانت لديه المقدرة على فعل وتنفيذ ما قال وهو ليس في صالحي ولكنه لم يفعل فيبدو انه في قرارة نفسه أيضاً متعاطفا معنا وقسوته معنا لم تكن سوى ظاهرية. اتممت فترة الخدمة الإلزامية ببنك السودان وبدأت بعدها معاناة البحث عن وظيفة والدخول والخروج خالي الوفاض من اعلانات لجنة الاختيار للخدمة العامة.

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.