( كن انسانا” قبل تكون سياسيا” )
المفهوم الراسخ في ذهن المواطن السوداني إن الساسة والسياسيون ، هم اولئك الذين يرتدون الملابس الأنيقة ، وهم الملمين بالمصطلحات السياسية الفخيمة ، يطلقونها مرات بأيحاءات فكرية متبصرة علي المواطنين ؛ ويخلقون بها هالة للمعرفة المستقاة من الوسائل الإعلامية المفتوحة التي لا يجد لها المواطن الزمن ، لمتابعتها ولو اقتطع جزء بسيط من زمنه لتزود ببعضها ، فيكون المتعلم في هذا الزمن سياسي ، حتي امتلأت الشوارع العامة بالساسة والسياسة ، وأصبحت المسامرة والنقاشات منفذ للصراع المعرفي ، عن الأفكار بين الاشتراكية والليبرالية ، والماسونية والسريالية ، والسريالية ، وكلما زدت اطلاعا” ارتفعت درجاتك ، والذي لم يستطيع فهم كلامك الهلامي تحتفل بمقدراتك عليه ، وانت أصغر فكر”اواقل شأنا” ، وبالأخص اذا أكملت هذه المسرحية ببعضا من العلاقات الأجتماعية ، او الثقافية ، وضمنتها ببعض من اللقاءات التلفزيونة ، او المقالات الصحفية ، فتكون ، قد طرزت ثوبا” لسياسي مميز تكور في المنتصف ، وهذا ما كنت أظنه في نفسي وغيري ، هذه التفاصيل تبقي مشروع سياسي مكتمل ، وهذا ما شاهدته في معظم من قابلتهم ألا قلة قليلة ، ينتهجون مسارا” آخر في السياسة بنهج متقارب ..
عفوا” ايها الساسة في دولتي .
عفوا” ايها القادة في دولتي .
عفوا” ايها السادة في العمل العام .
عفوا” يارواد الحكومة والمعارضة .
السياسة ليست مقابلات تلفزيونية ، ولا ثقافية منبرية ، ولا ثقافية فكرية ولا ملابس مطلية .
السياسية هي تكمن في أصحاب الحل والعقد ، السياسة لأصحاب الزراع الطويلة ، السياسة تنبع من الشعور و الإحساس بمعاناة الآخرين ، والتصدي لمشاكلهم .
السياسة هي لرفع الظلم عن المواطن قبل الوطن ، فمواطن زايد مواطن يساوي وطن .
السياسة هي مشروع إنساني مغلق ، بعيدا” عن حب الذات وبعيدا” عن البحث عن الملاذات ، والصعود علي ظهور المكبات .هي التراحم والتكاتف ، والترابط والانبراء والدفاع عن حقوق الآخرين ، هذا هو الفهم الحقيقي للسياسة .
أما الإجتماعات ، والإتفاقات والإرتباطات ، هذه تعد مسامرة فكرية لا تخلو من أنها معرفة ليس إلا، وهذا ما يمارسه ابناء وطني .
نعم ، أعترف بأننا نجيد المعرفة الفكرية بجل تفاصيلها ، ونحن من طبقة المثقفين ، ولكن اذا أردنا ان نندرج في العمل السياسي فلكم أمثلة وهذا بمناسبة ذكري وفاة السياسي الفخيم عمنا :
محمد عثمان أبوشنب (كروم )
اختلف العم ( كروم ) مع أحد التجار كما اذكر ( الحاج عثمان ) في موضوع مخبز او ( فرن ) كما يحلو لنا أن نسميه ، وكان ملك للعم (كروم ) ولكنه يقبع في وسط المدينة ، وطالب التاجر (الحاج عثمان ) بنقله خارج المدينة لانهم متضررين من وجوده ، رفض العم ( كروم ) نقله لانه يخدم المنطقة ويسهل لهم ، لقربه علي المواطن ، حتي احتدمت المشكلة وصارت صراعا” ، فوصلت للقاضي واصبحت قضية كبيرة ، يجتمع فيها جميع أهل المنطقة ، حتي أخذت مساحة زمنية في دواوين القضاء .
وحدثت وفاة والد الحاج عثمان هو في الأصل من منطقة (الشمباتة ) مدينة سنار ، ظن الجميع ان العم (كروم )لن يهتم بهذا الأمر .
في اليوم الثاني وبعد صلاة الصبح كانت سيارة العم (كروم ) تزخر بالسكر والدقيق ، والزيوت حتي امتلاءت عن آخرها ، وتحرك معه وفد كبير من التجار حتى وصل العزاء مع الظهيرة والناس تستعد لوجبة الغداء ، فقابلوا الجميع واخذوا واجب العزاء ، وكان جميع اهل المتوفي يستفسرون عن هذا التاجر من هو ؟
وهم بطبيعتهم القروية يعرفون ان الحاج عثمان لديه خلافات ، ولكنهم لا يعرفون مع من !! في هذه اللحظة حضر أعمام الحاج عثمان يسألونه : ( من هذا التاجر ياعثمان ) فقال لهم ( أنه صاحب المشكلة ، وانا مشتكيهو في المحكمة ) فجلسوا جميعا ينظرون اليه بدهشة وقالوا له : ( الم تجد غير هذا الرجل تشتكيه يا عثمان ، والله لن يخرج من هذا العزاء الا بعد أن تعافيه وتراضيه ، فمثل هذا الرجل لا يعادي ) وحقيقة خرج العم كروم من العزاء باحترام من جميع اهل المنطقة راضيا” مرضيا” ، نسال الله ان يتقبله راضيا” مرضيا ، ويدخله فسيح جناته مع الصديقين والشهداء ، يأتي هذا الحديث مع اليوم الذي يصادف ذكري رحيله..
وهذه قصة صغيرة ، من قصصه ، ونهجه في المسار الإنساني ، ولم تنسي منطقته ما قام به عندما فتح مخازنه للمواطنين ، عندما حدث شح في الدقيق ، وكان جهاز الأمن يخزنه لمشروعه العقيم التمكين ، وعندما علم الأمن بان العم كروم فتح مخازنه للمواطنين راجيا الأجر من الله ، قاموا بالقبض عليه واتهموه ، بتحريض المواطنين ، لم يكترث بالأمر ، وذهب راضيا مرضيا نساله الله له جنان عرضها السموات والارض .
لم يسعى العم (كروم) خلف الليبرالية ، ولا الاشتراكية ولكنه سعي للانسانية . وكانت دائرة ا(لروصيرص) تتوشح به وتزدان بإنتصاره .
السياسة هي التصدي والمساهمة لحل معضلات الآخرين ، ووضع حلول المجتمع التي تسهم في فك ضوائقهم المعيشة ، وفض نزاعاتهم بصورة تحفظ حقوق الجميع .
السياسة هي العدل الإجتماعي ، فعندما يصير العدل مثل الموت ، لا يستثني منه أحد ، فتأكد بأن هنالك سياسة تنفذت ، فهي لنبقي سياسيين ..
– قبل أن تدخلوا السياسة ادخلوا عالم الإنسانية …
Ghalib Tayfour