الإثنين , مايو 6 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / *نحن الليلة اشد ثبات*

*نحن الليلة اشد ثبات*

كتب خالد سلك:
في نقاش مسائي من حواريات المعتقل التي لا تنتهي .. قال رفيق عنبر سجن كوبر الصديق الروائي عبد الغني كرم الله مقولة نقلها عن الأستاذ محمود محمد طه إبان إحدى فترات اعتقاله “السجن خلوة وجلوة”. وقعت هذه المقولة على أذني كمن وجد “التايهة” بتلخيصها البديع البليغ للاعتقال الذي يظنه الشموليون عقاباً يخرسون به الأصوات التي تخالفهم وما دروا بأن للسجن جوانب أخرى تضيء وحشته وكآبة منظره.

القت بي الأقدار مرة أخرى بالعنبر الأوسط بسجن كوبر، في قسم الزنازين التي يستخدمها جهاز الأمن كمعتقل فارضاً فيه اجراءات قاسية تفوق سوء الأوضاع في السجن العمومي. في معتقل الأمن لا شيء سوى الجدران وحمام داخلي بحنفية مياه واحدة تستخدم لكافة الأغراض، يغلق عليك باب الحديد بقضبانه السميكة ولا يفتح مرة أخرى الا لزيارة او تحقيق او اطلاق سراح. رغم قسوة هذه الظروف الا أن احساس خفي بالارتياح راودني حين نقلت الى هذا العنبر بعد اسبوع في زنازين “ثلاجات” موقف شندي المصمتة. مصدر الارتياح هذا جاء من أن هذه هي زيارتي الثالثة لهذا العنبر بالذات .. تنقلت بين معتقلات عديدة من قبل ولكن هذا العنبر احتضنني في العام 2013 ، ولفترة قصيرة في العام 2016 قبل نقلي لسجن شالا ، وها أنا ذا مرة أخرى أحل ضيفاً عليه في العام 2018. لم أر ذات الوحشة فيه هذه المرة .. احساس غريب بالألفة بدد ظلمته هذه المرة ولا استحي من أن أقول بأن شيئاً من مودة بدأ ينشأ بيني وبين جدرانه السميكة وارضيته الأسمنتية تلك. كان العنبر مكتظاٌ بالمعتقلين من كل صنف وصوب .. جمعهم حيف وعسف بلاد لا قانون يحكمها سوى شرعة الغاب التي اطلقت يد جهاز الأمن ليعتقل من يشاء .. وقتما يشاء .. كيفما يشاء.

السجن تجربة نادرة قد لا تمر بكل شخص في حياته، وندرتها تلك مصدر فرادة اظن بأن من لم يمر بها قد فاته شيء من حياة. في السجن ترى الأشياء بوضوح .. يتوارى عالم الماديات بزحمته التي لا تتيح لنا التدبر والتي نظن بأن لا فكاك لنا منها، وترى نفسك في مرآة صافية لا يعكر صفوها شيء .. ترى بوضوح ما هو ذو قيمة و ما هو محض “عويش” .. تبصر خلف تلك القضبان وتبصر كل شيء بتفاصيل تغيب عنك في حياتك العادية .. تسعد لطلاقة الطائر الذي يحط على نافذة السجن .. تتأمل طائرة تحلق في السماء تقل مسافرين وتقول كما علق احد زملاءنا المعتقلين “حظظظهم” .. تشفق على من هم خارج الأسوار .. كيف تفوتهم متعة تلمس التفاصيل الصغيرة التي تزين حياتهم دون أن يحسوا بها ؟!  ومن ثم تعود لتنضم لهم في كفرهم بهذه النعم بمجرد خروجك من كربتك هذه وتشاركهم غض البصر عن ما في هذه الحياة من جمال يستحق أن يعاش.

ختاماً اسف لما في هذا التداعي من إطالة وبعض عشوائية .. نعود مرة أخرى لمعترك الحياة ولمسير طويل نقدم فيه جهد المقل في أمر نظن فيه خيراً لأهل هذا البلد .. في آخر النفق ضوء .. أكاد أجزم بذلك .. سيأتي زمان نعيش فيه الحياة التي نستحق ويغلق السودان صفحات الظلم والظلام هذه إلى الأبد .. الطريق إلى ذاك الفجر تشقه أقدام كثر .. وتحفر فيه أظافر عدة جبال وصخور تعترض مسارهم بهمة لا تكل ولا تمل .. والسايقة واصلة
#رسائل المقاومة#

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.