بقلم: ياسر عبدالحليم
إننا نعلم و نعيش حجم الدمار الذي خلقه نظام الجبهة اﻹسلامية، خاصة فيما يتعلق بالمشكلات العرقية و الدينية و ما صاحبها من تمييز عنصري، مما ادي الي الهتك بالتنوع العرقي في السودان.
و سيكون من الخطأ التقليل من شأن هذه الفترة في حياة اﻷمة السودانية، ليس فقط من زاوية سوء الاستغلال الذي تم للمشكلات العرقية، و لكن أيضآ من منظور انه لم تكن هناك اي جهود حقيقية و واضحة للحد منها و سد الثغرات التي تودي الي تفاعل هذه المشكلات مع العوامل الثقافية، الاجتماعية، الاقتصادية و السياسية في المستقبل.
أن المستوعي المنخفض للوعي القومي و ضحالة التطور اﻹجتماعي ليست برمجة من انتاج الجبهة اﻹسلامية وحدها، و لكن هو بشكل اساسي ناجم من قبول الشعب بحدوث هذا التعطيب المتعمد مع غياب دور المواطن المسئول، و أيضآ تقاعس و إخفاق منظمات المجتمع المدني للقيام بدورها في التوعية بالحقوق و الواجبات المدنية، بما فيها احزاب الظل السياسية المتكدسة بالداخل و المعارضات بشتي أنواعها.
كل هذه المشكلات المتراكمة أدت الي شلل في تشكيل انسان سوداني متصالح مع الذات و مع اﻵخر المختلف. و مع مرور الوقت إتضح للامة السودانية أن فكر الجبهة اﻹسلامية كان مجرد شعارات تضليلية تتناقض مع أفعال مهندسيها و المنتسبين الي الجبهة.
و إذا نظرنا الي التدمير الممنهج الذي لحق بالتعليم و مؤسساته، العقلية التي تم بها دك المؤسسات القومية الحيوية، الاهمال المتعمد للزراعة التي تمثل ركيزة اﻹنتاج القومي و السلسلة الفقرية للاقتصاد السوداني، مؤسستي الجيش و الشرطة التي اصبحت القيادة العليا فيها حكر لاثنيات بعينها من دون بقية الشعب .حلحله و هيكلة مؤسسات مثل مشروع الجزيرة، هيئة سكك حديد السودان و الخطوط الجوية السودانية، سياسات الخصخصة البتراء التي انتجت طبقة جديد من الراسمالية مشكوك فيها همها هو كنس ثروات البلاد علي حساب العباد و دعم سيطرة الإستثمارات اﻷجنبية، الثراء الفاحش المفاجئي للحكام و اسرهم و ذوي القربي و التابعين الناجم من حقبة التمكين، ثقافة الفساد المؤسسي النتن الذي يتقبله و يمارسه المجتمع، و تفشي النفاق اﻹجتماعي الذي يبجل من يكنسون المال العام و يكونون الثروات المفاجئة بطرق يعلم حتي الصغير انها غير مشروعة و لكنها مقبوله بين فئات المجتمع، استمرارية بعض اﻷحزاب في استغلال هذا الوضع المعقد و النتائج الناجمة عنه في التسويق السياسي و ليس الحلول المستدامة و لازالت بعض الاحزاب الطائفية تستثمر العامل العرقي في الانتخابات، التعيينات للوظائف السيادية القومية، في التدرج القيادي داخل الاحزاب و مؤسسات الدولة ، في تحقيق مصالح خاصة الصراع علي القيادة و غيرها من الممارسات المتعددة التي لها انطباعات عرقية و تطغي عليها صفة التمييز العنصري.
كل اﻷمثلة التي وردت اعلاه بلا شك تزيد من تعقيدات المشكلات العرقية و تاثيرها علي اللاعدالة الاجتماعية في السودان، و في هكذا أوضاع غالبا ما تتخذ الاحتجاجات شكل الصراعات العرقية او التعصبات الطائفية او اﻹنتماءات الجغرافية او النزعة اﻹنفصالية اﻹقليمية . و في بعض المناطق التي بها الوعي القومي مرتفع تواجه هكذا إحتجاجات بالقمع و العنف المفرط، خاصة في ظل غياب المناخ السياسي للتنافس الحزبي .
إن غياب رؤي قومية، تعنت النظام الحاكم في استمرارية الفشل، تقاعص الاحزاب و المعارضات عن طرح حل شامل مزود بعزيمة حقيقية للتطبيق، يزبل الأمل، تجف الارادة في ظل الجفاف السياسي و المجاعة الفكرية، مما يؤجل التحرر المنشود من قبضة كابوس الجبهة اﻹسلامية.