إنيهار أخلاقي …
المجتمع السوداني في ظل هذا النظام ، والفقر المضقع الذي يعاني منه ، بكافة تفاصيليه الحياتية ، هو اخف عبئا” ، فالجزئية المادية اهون ، فلو إنحسر الأمر علي الماديات لفرحنا ، ولكنه فقر إجتماعي ، وتهدم أسري ، وإنحلال أخلاقي إستطون بفعل البيئة التربوية العقيمة ؛ وإنيهار المستوي التعليمي المضمحل ، وضعف الضوابط رقابية للاسرة من قبل قائد ركبها ، في ظل تسابقه مع وتيرة الحياة السريعة ، وذلك هو الأدهي والآمر ، فتجد مراقبته لاسرته ، تحتاج منه تقويم نفسه اولا” ؛ قبل الأسرة ، حتي ينعكس ذلك علي اسرته ، ويبقي رب الاسرة يسدي النصح لابنائه بحزمة من الأوامر ، للإبتعاد عن شراب والتدخين ؛ لانه ضار بالصحة ، وفي اثناء محاضراته الرنانة لابنائه يشاهدونه يدخن بشراهة ، ويشرب بكثرة ، كان الفكر والنصح يستمده من التدخين والشرب ، ويبقي الأبناء مؤمنين بان التدخين هو الذي يجعل من أبأئهم رجالا” حكماء ، حتي أمسوا مضربا” الأمثال في ناظريهم ، وتتلاحق الاخطاء من ارباب الاسر ، وعاداتهم السالبة .
والامثلة لهم كثيرة : فعندما يطرق الباب زائر ، او صاحب حوجة قاصدا” الأب تجد الأوامر المتبعة ان الإبن عليه سؤال الاب بصورة عفوية ( هل اقول له انك موجود ام لا???? ) لان هنالك تحذير مسبق ، بعدم ذكر وجوده إلا اذا طلب هو ، فتذهب مستفسرا”!! وتكون كاذبا” مامور لبعض المرات ، فمن اضطر غير باغ ، وها هو الناصح بعدم الكذب ، يهب ابنائه محاضرة في الكذب والنفاق المجاني ( هل يستقيم الظل والعود اعوج ) .
التناقضات الحياتية التي يعكسها الراعي لإبنائه ، ليعكسوها هم بدورهم للمجتمع ، هي خلاصة لما يمر به الابن في منزله ( من شابه اباه فما ظلم ) .
ونحن نضرب بسوط العقل ونقطع جذور المشكلة ، التي خلفها وجود الام الحقيقية لنا ، وهي الدولة التي نعيش في كنفها، إذا هي الراعية المجتمعية ، التي يستشف منها الاباء الوجه القبيح ، او الجميل ، في مسايرة حياتهم اليومية ، وبدورهم يعكسونها لابنائهم ، ومن ثم المجتمع !! بنفس المنهج ، فكانت محصلة الدولة لشعبها ، هي الكذب ، والخداع ، والنفاق ، والرشوة ، والفساد ، والدعارة ، والمحاباة ، والوساطة ، وإنقشاع المكارم وإنحسار الفضائل ، فتمثلت في مسرحنا الحياتي صورة قاتمة، وضحت تفاصيلها ، بداية بسوء الخدمات ، والتلاعب في التعينات ، والوظائف الحصرية التي صار الحصول عليها شاقا” ، مرتبطا” بالفوائد المادية ، او العمليات الجنسية ، او علاقات الأسرية ، او علاقات القبلية ، وترتكز العلاقات القبلية او الاسرية في (الواسطة او الوساطة) وهي الحلقة التي أمست الأضعف في ما ذكرناه ، وذلك لطول الإنتظار من عائدها ، ويبقي هنالك مسجلا” يردد للمستفيد من الخدمة ( بالله ماتنسي ، والله الشغلانة ده ما عارف انت تعبنا ليك فيها قدر كيف عشان تحصل عليها ????) حتي يجد ما يصمته ، والخدمات المادية تنتهي بالإستلام المال وهي اخف ضررا” ؛ واقل زمنا” ، اما الخدمة جنسية ، فهي ما جعلت نصف الموظفات في الدولة من النساء ، إلا من رحم ربي ، وتمسكوا بالباقيات الصالحات ، او إختاروا العمل الشاق ، اما اللاتي فضلن العبث مع المدراء المرضي آملا” في وظيفة ، فتكون فترة الإستيعاب طويلة تجلوها المصاعب ، حتي يحصلوا المسئولين علي مبتغاهم ، وربما يحصلوا مسئولين كثر من خلفهم ????????، فتبقي إستغلالا” جنسيا” ، قذرا” يشابه الإغتصاب بكافة مضامينه ، وهو استغلال للمضطر ، وهو اسوأهم .
وتتواصل العادات السالبة في شوارعنا العامة بإنحسار فضل الظهر ، والمساعدات التي اشتهر بها مجتمعنا ، وتقوقع فضل الظهر ، علي ظهر الفوائد ، واختفي وأمسي حصريا” علي الفساتين والثياب التي تلوح لك في الشوارع ????، وتزخر بها المطبات ، فتجد اصحاب المركبات ينتقون من بين الضعيفة والثمينة والسمراء والبيضاء ، وهم يركبن مجبرات ليتحملن بعضا” من الكلمات ، او اللمسات ، للوصول الي نقاط مرتجعهن ، بين متمنعات ، او راغبات ، او باحثات .
قذارة امست مشاهدها يومية في مجتمعنا ، وهذا نتيجة لإنقشاع الطبقة الوسطي في مجتمعنا ، وتفشي البطالة والعطالة ، وإحتكار المال ، والأعمال ، مما ضخمت الفجوة ووسعت الهاوية .
وزاد عليها وضوحا” المفاسد والإفتخار بها وتفشي الرشاوي كعمل انساني يشكر عليه فاعله في كل المواقع والوزارات ، والسفارات ، او كافة المرافق حكومة ، او الخدمية ، بصورة مقززة ، حتي اصبحت حقا” ممنوحا” وشرطا” يحميه القانون ، وخدمة توجه من المدراء ، والرؤساء ، وعندما تتذمر وتغضب في بأدي الامر ، وتذهب لتشكوا الموظفين لمديرهم ، الذي يجلسك بهدوء ويطلب منك بسهولة وبلا خوف مراضاة موظفيه ببعضا” من المال ، متزرعا” لهم بالأسباب الاتية : (مرهقين ولهم اسر ، والعائدات التي تمنحها لهم الدولة ضعيفة) !! فتخرج مندهشا” مبهورا” من المدير ، الذي ينادي برشوة موظفيه ، وهو في الاصل له نصيب الاسد فيها ، وتظهر رشاوي موظفيه ، في سيارته التي يقودها ، والمبني الذي يقطنه ، والاغرب والمستغرب عندما تلتقي به في مكان أخر ؛ يشير اليك ، ويتفاخر بانه قدم لك خدمة جليلة ، لولاه لاصبحت في معضلة كبيرة !!!
وهذا النوع من المدراء والقادة يفضلهم رجال الدولة لتسيير دواليب العمل ، والتفاخر بأختيارهم الموفق لهم .
فما تقدمنا ولا تعلمنا ..
Ghalib Tayfour