الثلاثاء , مايو 14 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / سرقة مدخرات المواطنين من النقد الأجنبي وأمتصاصها بالقوة الأمنية

سرقة مدخرات المواطنين من النقد الأجنبي وأمتصاصها بالقوة الأمنية

خالد زين

قامت الحكومة مؤخراً بتنفيذ خطة إقتصادية خطيرة للغاية حيث قامت بهجمات أمنية شرسة علي سوق العملة الموازي وشراء كل العملات الصعبة فيه مقابل جنيهات سودانية مزورة، وذلك عندما كان الدولار في حدود الـ 35 جنيه وأرتفع فجأة نحو 45 جنيه! هذه الخطة القذرة التي تقول المصادر أنها من بنات أفكار رئيس القطاع الإقتصادي السيد مبارك الفاضل، تقوم مرتكزاتها علي سرقة مدخرات المواطنين من النقد الأجنبي وأمتصاصها بالقوة الأمنية والقانونية إلي النظام المصرفي (فيما يسمي زوراً بإمتصاص السيولة). أنها سرقة بكل ما تحمله الكلمة من معني كما سأوضح بالتفصيل في السطور التالية.

مبارك الفاضل، وزير الإستثمار، ورئيس القطاع الإقتصادي، ورجل الأعمال الشهير بالبلدوزر، والرجل الذي يقوم بكل إستثماراته خارج السودان لعدم قناعته أصلاً بالإستثمار في السودان، هذا الرجل الحرباء أوحي للحكومة بخطة إقتصادية شيطانية شديدة الخطورة ذات خطوات محددة:

أولاً: طباعة مليارات الجنيهات في مطابع صك العملة الرسمية، لكن بدون سند قانوني وبدون غطاء داعم من الذهب أو المعادن النفيسة (وهذا هو التزوير).
ثانياً: القيام بهجمات أمنية علي السوق الأسود ومصادرات مئات الملايين من الدولارات من تجار العملة وتحويلهم للمحاكمات بتهمة غسيل الأموال والإرهاب.
ثالثاً: تجفيف السيولة من السوق بإغلاق أو تضييق الخناق علي البنوك وحرمان المواطنين من سحب أموالهم من البنوك السودانية حتي لا ينافسوا بها الحكومة في شراء الدولار من السوق الأسود.
رابعاً: تعويم الجنيه بطريقة غير معلنة وغير رسمية وغير دائمة (مؤقتة) والتعويم يعني تخفيض قيمة الجنيه مقابل الدولار، وذلك من أجل هدف واحد فقط وهو جذب أموال المغتربين وإجبارهم علي تحويل أموالهم بالبنوك بعد التضييق الأمني علي السوق الموازي.
خامساً: بعد فترة، ربما بعد أيام أو أسابيع قلائل، ستقوم الحكومة بإلغاء تعويم الجنيه وفك السيولة، بعد إمتصاص كمية مناسبة من السيولة النقدية الأجنبية من أيدي المواطنين. التعويم هو سياسة يطالب بها صندوق النقد الدولي لكن الحكومة ترفضه لتأثيره علي الميزان التجاري بين الصادرات والواردات. الرئيس البشير وافق علي خطة مبارك الفاضل علي التعويم كتكتيك مؤقت بهدف إمتصاص السيولة وخنق السوق الموازي.

الحكومة هي التي زوّرت مليارات الجنيهات من فئة الخمسين جنيهاً، وقد إعترف وزير الدولة بوزارة المالية عبدالرحمن ضرار شخصاً، قبل أسابيع، بأن الحكومة (طبعت) مليارات الجنيهات وأن هذه الطباعة أدت لإرتفاع التضخم بشكل جنوني عجزت الوزارة عن كبحه، والرجل قد صدق في حديثه علي الرغم أنه سمي العملية طباعة وليس تزويراً، لكن السؤال هو لماذا تقوم الحكومة بطباعة كميات مهولة من العملة في هذا التوقيت تحدياً؟ ولماذا يرتفع سعر الدولار لـ 45-48 جنيه بعدها؟ ولماذا إنخفض الآن لحدود 33 جنيه؟ ولماذا أختفي تجار العملة من السوق؟ ولماذا تشير الحكومة بأصابع الإتهام لمصر؟ الإجابة علي كل هذه الأسئلة هي أن الحكومة أرادت أن تضرب عصفورين كبيرين بحجر واحد (حسب خطة مبارك الفاضل):

العصفور الأول (مكسب إقتصادي):
وهو إمتصاص السيولة الأجنبية (النقد الأجنبي – دولارات وريالات ودراهم) من المواطنين بهدف تغذئة خزينة البنك المركزي.. مصادر متطابقة تؤكد أن الحكومة أشترت وصادرت ما يعادل مليارات الدولارات من السوق الموازي خلال الأسبوعين الماضين فقط، كما أشترت أكثر من 60% من الذهب المنتج في ذات الفترة، وكل ذلك مقابل جنيهات مزورة من فئة الخمسين جنيه! بنك السودان المركزي يمتلك الان ما لايقل عن 4-5 مليار دولار في خزائنه، كما أن مصفاة الخرطوم للذهب تعمل بطاقتها القصوي لتكرير كميات كبيرة من الذهب الذي أشترته الحكومة من المواطنين بجنيهات مزورة لا تساوي ثمن الورق الذي طبعت عليه.

العصفور الثاني (مكسب سياسي):
وهو الضغط السياسي علي مصر، عبر إتهامها بتزوير الجنيه السوداني ونشر قوات مصرية في أريتريا وغيرها من الأكاذيب. هدف الحكومة هنا هو إستباق مصر التي أرسلت في السابق مدرعات لدارفور، والضغط عليها بإتهامات أخري متتالية غير حقيقية لإحراجها والضغط عليها بهدف الوصول لتسوية حول ملفات حلايب والحريات الأربعة وتبادل المعارضين السياسيين وغيرها. الإجتماع الرباعي الأخير في القاهرة بين وزراء الخارجية ومدراء المخابرات في البلدين كان حاسماً لوضع النقاط فوق الحروف.

أنها خديعة كبري ولعبة إقتصادية وسياسية خبيثة.. ومشكلة هذه الخديعة أو الخطة ما يلي:

أولاً: المشكلة الرئيسية لهذه الإجراءات الإقتصادية الأمنية هو أنها خلقت تخوفاً كبيراً من التعامل مع البنوك، فإذا كانت الحكومة مستاءة بسبب ضعف التعامل مع البنوك (7% فقط من المواطنين) فإن مشكلة هذه الإجراءات أنها أخافت المواطنين وزادت من حالة عدم الثقة، ولا أستبعد بعد أنتهاء هذه اللعبة أن يقوم كثير من المواطنين بسحب مدخراتهم من البنوك بشكل نهائي، فالنظام البنكي الذي لا يحترم عملائه ويرفض تسليمهم أموالهم وقتما يشاءون هو نظام فاشل.

ثانياً: أغرقت السوق بمليارات الجنيهات المزورة من فئة 50 جنيهاً، وهي عملية مدمرة لإقتصادات الدول ولا يمكن سحب العملة المزورة من السوق بسهولة، ولذلك تحاول الحكومة الآن بشتئ الطرق للتغلب علي هذه المشكلة بوسائل أخري مثل نظم الدفع الإلكتروني مع أن الدفع الإلكتروني لا يمكن أن يكون حلاً للعملة المزورة، بل هو مصيدة أخري للمواطن. الحكومة التي زورت النقود تطالب الآن مواطنيها بتسليم النقود للبنوك ونظم الدفع الإلكتروني حتي يتثني لها سحب العملة المزورة من السوق مرة أخري، والمواطن المسكين الذي يسلم البنك أموال مزورة لا يخسر تلك الأموال فقطـ بل ربما يواجه إجراءات قانونية أيضاً.

ثالثاً: صحيح أن الحكومة فازت بمليارات الدولارات موجودة الآن في خزائن بنك السودان المركزي، لكن الطآمة الكبري التي ستأتي لا محالة هي فك تعويم الجنيه، وهو أمر لا بدّ منه وإلأ فإن الدولارات ستخرج من البنك وتعود للسوق الأسود مرة أخري لإعادة تنشيطه. إذن فإن فك تعويم الجنيه (وإطلاق السيولة) الذي سيصدر قراره في الأيام أو الأسابيع القادمة سيؤدي حتماً لخسارة كثير من المواطنين لمدخراتهم من العملة الصعبة التي لم تسحبها الحكومة من أيديهم حتي الآن، وهو خطر ينتظر بسطاء الناس الذين لا يعلمون كيف يعمل الإقتصاد خاصة مع ألاعيب الحكومة. تعويم الجنيه رفع سعر صرف الدولار لـ 30 جنيه وفك التعويم يعني إعادته لمستوي 18 جنيه فقط كما كان قبل أسبوعين!! وإذا كنتم لا تصدقوني فأنظروا لحالة واحدة فقط وهي شركات الطيران، حيث أعلنت لهم الحكومة قبل أسبوعين سعر صرف مُعوم (الدولار = 30 جنيه) فإرتفعت أسعار تذاكر الطيران للضعف، ثم عادت بالأمس وأبلغتهم أن سعر الصرف لكم هو 18 جنيه فقط!!! هكذا تلعب الحكومة.. بنفس الطريقة فإن الدولار الموجود في يد المواطنين الآن سيخرج من بين أيديهم ويدخل في عجلة الإقتصاد بسعر في حدود 18 جنيه فقط (خاصة مع تجميد السوق الأسود بسبب القبضة الأمنية). المواطن الآن بين خيارين أحلاهما مُر: أما (1) بيع عملاته الصعبة الآن للبنوك أو للسوق الموازي بسعر يتفاوت بين (28-32 جنيه للدولار) والحصول علي جنيهات مزورة ذات مخاطر كبيرة، أو (2) الإنتظار أيام أو أسابيع حتي تفاجئهم الحكومة بفك تعويم الجنيه والإضطرار للبيع بنصف القيمة!!

رابعاً: طباعة العملات هكذا بلا قيود أو مدخرات لتغطيتها من المعادن الثمينة يؤدي تلقائياً لإرتفاع التضخم بشكل مستمر، فالكتلة النقدية المتداولة في أيدي المواطنين قد تضخمت خلال الفترة الماضية وأصبحت مجرد أوراق ضخمة ذات قيمة محدودة، وقفز التضخم من حوالي 40% إلي رقم ثلاثي (تقريباُ 127%).

خامساً: هذه العملية الإقتصادية الخطرة التي قامت بها الحكومة لن تمر مرور الكرام علي مستوي العالم، فالمؤسسات المالية العالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمانحين، كلهم يراقبون التصرفات الإقتصادية غيؤ المسؤولة التي تقوم بها الحكومة السودانية، وربما تصدر قرارات دولية قوية ضد السودان بهذا الخصوص بإعتبار أن ما قامت به الحكومة هو خديعة كبري لمواطنيها حيث سرقت عملاتهم الأجنبية الصعبة مقابل أوراق مزورة لا تفيد صاحبها، وكثير من المواطنين الأبرياء سيقعوا تباعاً تحت طائلة القانون بإحدي تهمتين (إما التزوير أو التعامل بعملة مزورة)، مع العلم أن الحكومة هي التي زورتها ونشرتها في السوق وهي بكامل قواها العقلية.

خالد زين
محلل إقتصادي سوداني – الإمارات
khalid_zain2@yahoo.com

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.