الخميس , مايو 9 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / تصرفات اردوغان غير المسؤولة في السودان

تصرفات اردوغان غير المسؤولة في السودان

هناك تناقض كبير جدا في المجتمع التركي ،  يمكنك أن تشعر به وأنت تدخل اصطنبول بكل وضوح ، فبالرغم من العلمانية التي فتحت بابا لتحرر الانسان التركي من ربقة الهمجية الشعبوية والرجعية الايدولوجية ، الا ان هناك طبقة لم تتحرر من هذه الهمجية ؛ بمجرد ان تخرج من مطار اتاتورك سيقابلك سائقوا التاكسي.. (عليك ان تحذر منهم فهم لصوص) ، سيقابلك موظفوا الاستقبال في الفنادق (عليك ان تحذر منهم فهم لصوص) ، سيقابلك بائعون متجولون وقوادون وخلافه (عليك ان تحذر منهم فهم لصوص) ، ستقابلك صورتان نقيضتان ، شارع يضج بالتحضر والحرية ، داخله طبقة شديدة الهمجية ، وهناك ادمان لمص جيب السائح وسرقته ، ستجد عمال مطاعم السمك على البحر وهم يصيحون بالزبائن بأصواتهم الأجشة ، بهمجية بالغة ، وهم يحاولون اجبار الزبون على الشراء بسلوكيات متعجلة وحركات تقلق اي انسان هادئ ، لا يمكنك بالتالي ان تضع معيارا للشعب التركي بسهولة من كونه شعبا حضاريا أم غير حضاري ، ربما تمتلك تركيا تاريخا ثريا لكن التاريخ وحده لا يخلق انسان الحاضر ،  فالتحضر شرطه الأول هو الصمت وليس الصراخ ، وانضباط السلوك وليس التهجم .. لكننا لو تتبعنا سلوك اردوغان في المحافل الدولية فسنجده سلوكا ينم عن همجية الطبقة السفلى في تركيا ، اردوغان يمكنه ان يفاجئ الناس في اي منتدى عالمي بصراخ مزعج او تصرف غير لائق كما حدث منه كثيرا ، اردوغان يمكنه ان يفاجأك بتصريحات غير مسؤولة كتلك التي اطلقها تجاه الشعوب الأوروبية المتحضرة ، اردوغان يمكنه ان يتقلب في قرارته كالسمكة في الزيت المقلي .
لكن تصرف اردوغان في السودان كان ينم عن انعدام كامل للمسؤولية ، بل وكان سلوكه غير مبرر أبدا حين رفع اصابع يده اليمنى تعبيرا عن وقوفه مع الاخوان المسلمين المصريين وهو يقف جوار البشير ،  ربما كان من الوااضح ان البشير قد ارتبك من هذه الحركة غير المسؤولية التي توحي بأن البشير واردوغان قد اتفقا على مصر في مسألة الاخوان المسلمين مما اضطر البشير الى التصرف بحكمة (لأول مرة في حياته) فرفع ابهامه فقط دليلا على انه غير متورط في هذه القضية .
مالذي يكسبه اردوغان من عداء مصر والسعودية وباقي دول الخليج ، وما الذي استفاده من هذه الحركة غير المدروسة؟ انه يؤكد اشكالية قدرات اردوغان في التفكير المنطقي ، وحربه لطواحين الهواء لمجرد اكتساب هوية تبحث عنها تركيا فاقدة الهوية ، فتركيا ليست دولة عربية ولا اوروبية ولا آسيوية ولا اسلامية ، تركيا دولة تقف وحيدة في المنتصف وتبحث عن هوية ،  لن يتمكن اردوغان مهما فعل من رد الهوية العثمانية ، لو كان يتصور ذلك فهو واهم تماما ، السلطنة العثمانية انهارت قبل ان يتم خوض صراع الحضارات بشكل اقتصادي وعولمي كما هو الحال الآن وقبل ان نعيش في حالة الأحادية الطاغية الآن حيث ثقافة الأمركة  ، قبل ان نغرق في طوفان الليبرالية الاقتصادية والثقافية ، فما بالك بأن تعود السلطنة الآن ، من ذا سيتقبل ان يخصع لأوامر الباب العالي ،  ومن ذا سيتقبل أن تأت دولة كتركيا لتمد نفوذها داخل دولته سوى دول يحكمها حكام مرتبكين ضعيفي القدرات والمؤهلات.. بل وما هي مقومات تركيا نفسها لتمارس نفوذا لم تحاول دول اقوى منها بكثير فعله كالصين؟؟؟  لكي تمتلك اي دولة نفوذا اقتصاديا وعسكريا وسياسيا اقليميا فرعيا -اي لتصبح دولة متوسطة وليس كبرى- عليها ان تكون قادرة على تأسيس مقوم ايدولوجي مستند الى قدرات سياسية واقتصادية وعسكرية وهذا كله لا تملكه تركيا ، والاسلام لا يمكن ان يكون قبعة ايدولوجية تضعها تركيا في رأسها لتتحول به الى دولة وسيطة القوة ،  فهي بكل الاحوال لن تنافس السعودية في هذا الصدد مهما جمعت من تيارات الاخوان المسلمين من الدول العربية والاسلامية الاخرى ، كما ان اردوغان اضحى يتجاهل القوى العلمانية الكبيرة في تركيا ولكنه لن يتمكن من تجاهلها حتى يصل الى حد المرونة المطلوب ، فمن نجاه من الانقلاب لم يكن الاخوان المسلمون بل الشعب التركي بتياراته الأخرى ومن ضمنها الغالبية الكاسحة من العلمانيين ،  لقد احتفل اردوغان بتأسيس تركيا العلمانية قبل عدة اشهر واحتفل بأتاتورك وهذا تأكيد على انه لا يستطيع ان يقوم بتغييرات راديكالية في المكون الثقافي والسوسيولوجي داخل تركيا ناهيك عن ان يلغي تركيا العلمانية لتعود الى تركيا العثمانية ، هذا شيء مستحيل الحدوث وان حدث فسيفضي الى انقسام تركي حاد قد يصل الى حد الحرب الأهلية .
لكن يبدو ان اردوغان رغم علمه بكل ذلك يستمرئ عروض الشو او الاستعراض امام الشعوب العربية ، هو يلقي تصريحات نارية ضد اسرائيل ولكنه لا يستطيع ان يتخذ قرارا بجرة قلم لالغاء العلاقات القوية العسكرية والتجارية بين اسرائيل وتركيا … كلها مجرد استعراضات فارغة لا تقدم ولا تؤخر ، وهو يحاول جمع الحكومات العربية الضعيفة من حوله ليطرح نفسه كقائد اسلامي ، ولكن لكل شيء حدود ، فالعروض المجانية التي يقدمها حولته الى مهرج لدى العالم المتحضر الذي يعرف تركيا اكثر مما يعرفها اردوغان ، والذي يعرف حدود تركيا وامكانياتها أكثر مما يعرفها اردوغان ، ويعرف نقاط الضعف الكثيرة في الهيكل السياسي الهش لتركيا اكثر مما يعرف ذلك اردوغان ، أما الشعوب العربية فهي شعوب عاطفية يمكن أن يؤثر فيها هذا الخطاب الديماغوغي الاردوغاني لبعض الوقت ولكن ليس باستمرار ، فالمؤتمر الاسلامي الأخير الذي عقد للرد على قرار ترامب بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل حقق احباطا لهذه الشعوب الاسلامية حينما خرجت قرارته هزيلة لا ترقى الى مستوى الحدث ، وهذا شيء يمكن لشخص متوسط الثقافة ان يتوقعه بقراءة سطحية لمصالح الدول المشاركة في المؤتمر مع امريكا ، ولكن الشعوب العربية والتي اغلبها اما تحت خط الفقر او تحت خط الأمية نفسها ستنهار آمالها وهي التي تتشوق لحرب الهمرجدون النهائية والفاصلة التي يختفي فيها اليهودي خلف حجر فينطق هذا الحجر فاضحا وجود اليهودي خلفه وفق الميثولوجيا الدينية … هذا الشعب العاطفي البدائي لديه توقعات كبيرة جدا وتركيا ليست بقدر هذه التوقعات حتى ولو اجتمع جميع الاخوان المسلمين فيها على قلب رجل واحد … فالواقع واقع … والمنطق منطق …
لقد فرح اسلاميو السودان بزيارة اردوغان ، ورغم ان اسلاميي السودان في الواقع لا دين لهم بقدر ما لهم من ايادي ملطخة بالفساد والسرقة والسحت والدماء  ، الا انهم ايضا بسطاء التفكير حين احتفوا باردوغان كمخلص للأمة الاسلامية وكمهدي منتظر ، لا زال عقل الاسلاميين ضعيف النضج جدا ، ويبدو لوهلة كعقل طفولي ساذج لا يمكن التعويل عليه ابدا في ادارة السلوك الدولي للسودان ، الاخوان المتأسلمون للأسف أكثر التيارات جهالة بادارة الدول ، ولذلك فشلوا في مصر وفي تونس فشلا ذريعا أما السودان فقد انهار هذا الأخير تحت اختلاط جهالتهم باجرامهم …

أمل الكردفاني

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.