الأربعاء , مايو 15 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / حزب البعث العربي الاشتراكي "الأصل" / نحن أمة تعشق أن تكون رهينة

نحن أمة تعشق أن تكون رهينة

بقلم/ شهاب طه

نحن أمة أصبحت تعشق سلاسل قيدها وعزلتها وتطمئن وتستكين لخاطفها .. فعندما يستولى مسلحون على بنك أو طائرة أو مؤسسة ما ويأخذون البعض من الأبرياء العزل كرهائن، تنشأ علاقة طبيعية حتمية ما بين الخاطف والرهينة حيث الكل يحتاج للآخر .. يحتاج الخاطف للرهينة كوسيلة لنيل مطالبه ..

نحن أمة تعشق أن تكون رهينة

نحن أمة تعشق أن تكون رهينة

بقلم/ شهاب طه

نحن أمة أصبحت تعشق سلاسل قيدها وعزلتها وتطمئن وتستكين لخاطفها .. فعندما يستولى مسلحون على بنك أو طائرة أو مؤسسة ما ويأخذون البعض من الأبرياء العزل كرهائن، تنشأ علاقة طبيعية حتمية ما بين الخاطف والرهينة حيث الكل يحتاج للآخر .. يحتاج الخاطف للرهينة كوسيلة لنيل مطالبه .. وتحتاج الرهينة لرضا الخاطف وتتمنى أن ينال مطالبه .. وغالباً ما تكون الرهينة في يد الخاطف أكثر إطمئناناً وأماناً وأشد خوفاً من المنقذ، وهي الشرطة، التي تحيط بالمكان من الخارج لأنها قد تفقد صبرها وتتصرف في أي لحظة لحسم الأمر وقد تسفك دماء الخاطفين والرهائن ودون تمييز .. تعلم الرهينة تمام العلم أن خاطفها لا يرغب في قتلها أو حتى مجرد إيذائها وتعرف أنها فقط وسيلة ولذا تنظر لسلاحه بعين الرضا كحارس لهما معاً .. تلك هي الحالة الوحيدة التي تتمنى فيها الرهينة أن لا يكون هناك تدخل شرطوي أمنوي بل تتمنى الخروج الآمن للخاطف بعد آيفاء مطالبه .. تكاد الرهينة تنتزع التلفون من يد الخاطف لتتحدث مع المفاوض (الشرطة) لتبدئ تعاطفها مع الخاطف الجاني وتدعم فعله ولن يضيرها أن تقول أنه على حق ومظلوم ويجب تلبية مطالبه .. وتلك الشرطة التي هي الحماية قد تصبح عدو ظرفي .. وإن شرع الخاطف في إختيار أحد الرهائن لقتله كضحية يخيف بها مفاوضيه فلا شك أننا سنسعى لتكون تلك الضحية هي أحد المستضعفين منا على أسس عرقية أو جهوية أو إقتصادية .. سيناريو قد يبدو غريب ولكنه طبيعي.

ذلكم حالنا .. نعم الرهينة نحن؛ ولكن يجب أن لا يفهم الناس أن الخاطف الجاني هي حكومة الإنقاذ وحدها بل هو كل ساستنا ومثقفينا وعجزنا وضحالة وسماجة فكرنا وضعف عزيمتنا .. حوار الطرشان، نداء السودان، تحالف الأحزاب، تفتت الأحزاب، تفاهات الأحزاب، فئات طلابية ممعنة في الإجرام وسفك دماء زملائها، الأوهام الفكرية، الولاءآت العمياء، إنهزامات القوى العلمانية، إخفاقات الحركات الإسلامية، المعارضة الحربية، التطرف الديني والأيديولوجي، المرض السلطوي، الرأسمالية النفعية الإنتهازية، القوى الثورية، الحفاة العراة رعاة الشاه، الآلية الأفريقية، المناضلون الوصولوين …إلخ. 

عزلة كاملة عن العالم الخارجي .. لاحكومة ولا موالين ولا معارضين لها ولا نواب ولا ساسة يعرفون ماذا يجري في الدنيا .. نحن نقبع في عتمة تلك المساحة الضيقة التي حٓبَسنا فيها خاطفينا .. وتختطفنا ظروفنا .. تمر الأيام ونفقد الأحساس بالزمن ولا نعرف إن كنا في ليل أم ضُحى .. نغوص في أعماق مآسينا ونعيش يومياتنا الحارقة وكأنها تشفي غليلنا وبل تسعدنا .. لا نعرف كيف يتم إختيار الوزراء والذين يديرون شؤننا .. لا نعرف كيف تم ويتم إختيار الناس للحوار والمفاوضين ومن ذا الذي وضع ويضع الأجندة  .. نفس الخطاب السياسي على مدي عقود ونفس الوعود .. تتكرر نفس النقاشات والمجادلات في كل المنتديات ووسائل التواصل الإجتماعي .. تتكرر نفس الإتهامات والإساءآت التي نطلقها على بعضنا البعض .. نفس الألفاظ .. نختار البعض لمنجده غاية التمجيد ولا أحد يعرف إنجازاته الفعلية .. نحتفي بالإنتصار على بعضنا وأيضاً نحتفي بالهزيمة لبعضنا .. بعض منا يقدس قناعاته دون أي تنازلات .. بعضنا رمي بكل المبادئ وإن كان يملكها، دافعاً عن الباطل، بعضنا يخاف قولة الحق من أجل مصالحه الشخصية، بعضنا يمجد الذات ويحلل المنكرات .. ثم نردد نفس المفردات. 

سياساتنا مريضة .. دبلوماسيتنا كسيحة .. قضاؤنا غائب .. إعلامنا عاجز .. تلفزيوناتنا ليس لها غير لمسة ولمسة، همسة وغمزة، دائماً عامرين، ونجوم الغد، وأغاني وأغاني، رحيق الأمكنة، سفراء المعاني، درر الأغاني، لمّتنا، فُرقتْنا، أنين السواقي، البيت السعيد، قطار الشوق ….إلخ وحقيقة لا نعرف ما هي الغاية من تلك البرامج وما هو الهدف منها؟ أما الصحف فحدث ولا حرج .. نتسابق لتصفح جريدة الدار ليطمئن كل منّا أنه ليس في قائمة الذين قضوا نحبهم طعناً بسكين أو وشج رأس بساطور أو رمياً بالرصاص وأن كل مكروه ذُكر فيها قد أصاب إناس لا نعرفهم.

السجين المغربي، ناصر إبراهيم، وبعد أن دخل السجن وعمره ٢٤ عام وقضى فيه زمان أكثر من عمره رفض الخروج بعد الإفراج عنه وكان عمره ٥١ عام ولكن إدارة السجن لم يكون بوسعها إلا طرده وبعد بضعة أيام إنتحر لكونه لم يعد بمقدوره التكيّف مع الحياة خارج السجن. تلك القصة أحزنتني يومها وكنت قد قرأتها في صحيفة، وأنا طالب في المدرسة الإبتدائية، ولكن ما أشبه الليلة بالبارحة .. أخشى أن نكون كلنا ناصر إبراهيم.

(نشر في ٢٢ أبريل)

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

وجدي صالح في حوار لـ”مداميك”:

Share this on WhatsAppوجدي صالح في حوار لـ”مداميك”: ليست هناك تسوية.. ما يجري هو محاولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.