إن كل يوم يمر في أروقة الحكومة السودانية الحالية دون مسغبة ، أو مفسدة ، أو مظلمة يعد أمراً مستحيلاً ، ويجعل المواطن يفتقد مآخذهم اشتهاء” ، مثلما يفتقد قهوة الصباح ؛ إذ صارت تعدل مزاج المواطن ، كذباً ، ونفاقاً تتناقله الوسائط والمواقع السودانية ، حتي صارت تُخفف من معاناته اليوميه ، وهو يُكابد للحصول علي لقُمة العيش الكريمة فتجده عند بدء يومه ، يتخاطف بعضاً من العناوين الأخبارية ؛ ليتناولها مادة دسِمة للسُخرية خاصة إذا كان طرفها دُون جوان دمار الوطن (البشير) ، لتصير مادة دسِمة للتحاور والتدارس ، والبعض يشفق علي مصيره ، والبعض يشفق علي الشعب السوداني منه ، والأغلبية تحرك رؤوسها علامة علي حجم الاستصغار والاستهزاء الذي يمارسه البشير ومنسوبيه ، وممارسة الكذب البواح الذي لا ينطلي علي الأطفالِ !! وبذلك ينفض سامر المناقشات في نهاية كل يوم ، بعد أن يشبع المواطن غريزته ، ويتندر ويسخر مما هو فيه ، وقديماً قيل (شر البلية ما يضحك).
لقد تحورت وتبلورت القضايا الأخلاقية في بلادنا ، وصارت في كثيرٍ من الاحوال محمدة ، واصبح السلب والنهب ، وأكل الأموال بالباطل مفخرة وفهلوة ، والكذب والنفاق امسي شطارة .
سنين عجاف غيرت خارطة الوطن ، ونفسية المواطن ، وإنطوت سجلات الاخلاق الحميدة بعد إستلاب ثورة الانقاذ اللاوطني السلطة فجاءت تحمل مساوئها ، واسقطت الأنظمة الاخلاقية المرتكزة علي المؤهلات ، والكوادر العاملة والمثابرة ، التي كان مصيرها النزوح والتهجير ، والتشريد ، فإنقشع أصحاب المؤهلات العلمية من سماء الوزرات والسفارات ، ودواوين الدولة التي بدورهم أسلموها للموالين السواقط ، والمتزيلين ومنسوبي النظام وذويهم . فهوت البلاد الي الدرك الأسفل ، من الإضمحلال وامست المحسوبية ، والمحاباة ، والدهنسة ، هي الديدن في جميع القطاعات ، واستشري الفساد ، وصار كل ممسك بتلابيب بعض من بوابة الهدايا والرشاوي بداية من رئيس الدولة وتدرجا بمديري المؤسسات ، تجدهم يتقاسمون السرقات مع الخفراء في منشأتهم !! ولواءات الجيش يتقاسمون مع المجندين . والوزراء يتقاسمون الرشاوي والمفاسد مع العمال . وجميع ذلك بحكم الانساب وذوى القربى ، والمؤلفة قلوبهم ، فيكون نصيبهم ما اكل السبع .
هذا هو حال الحكومة ، أما المواطن فحاله يغني عن سؤاله ، فقد امسي مقتنع اقتناع كلي بأن هذا النظام لايمكن ان يقدم شيئا ، ولا توجد بارقة أمل فيه ، ولكن يعده نسبيا أفضل من المعارضة بكياناتها واحزابها الرخيصة التي تنتظر خروج المواطن الأعزل كبش فداء ، وتقدم أفضل مساعدة ، وإعانة له المساومة ، والجلوس مع النظام للتفاوض ؛ لتهدئته وإعادته نظير المال والمناصب !! فتكون مجرد قوة مصطنعة مقرونة بالمصالح الشخصية ، والمصالح التنظيمية .
لاحت في الأفق علامات صحوة من قبل القيادات المعارضة ، وبصيص ضوء استنارة يسري لتوحيد الصفوف ، واطفاء جذوة النعرة العنصرية ، بعد ما احست القيادات بأن هذا الطريق مغلق ، إلا من بعض المرضى الذين يضعون الحواجز ، ويخلدون الماضي علي انه امتداد للحاضر ، وهذا ما يقطع حبال الود ، ويجعل الجميع يحارب افراداً .
الصراعات القومية العربية والنظرة المستعربة ، التي تقود القضية السودانية لنواحي الفرقة والشتات ، ولا احسب هذه القضية موجودة في ذهنية المواطن ، بل عملت الحكومة علي تكريسها ، وتولت المعارضة الرجعية تبني أمرها .
الشعوب تحتاج في ظل الحرية الي الحياة الكريمة أولاً ، والأمن ثانيا ، وهذه الاشياء اذا توفرت يتوفر تحت ظلها العدل والمُساواة والعدالة الاجتماعية ، أما قضية الهوية وفلسفتها ، فهي قضايا إنصرافية ، طالما اننا ننضوي تحت راية واحدة ، مسمي واحد وهو (السودان) وهويتنا هي (سوداني) دونما إثنية ، أو عرقية ، أو قبلية .
تنذر الأجواء بهطول امطار تغيير في سماء الوطن ، لكن الأمر يحتاج الي بذرة صالحة تلقى على أرض الواقع ، لتنبت ثمرة صالحة ، بعيداً عن النفعيين ، الذين عيونهم منصبة نحو المناصب والكراسي ، وبعيداً
ً عن المنتظرين بجوار الباب للدخول بِكروشهم الضخمة ، ليقتسموا من جديد ، باسم الطائفية او الدين ، فهم أصدقاء جميع الحكومات !.
في لقاء هاتفي مع الكمرد ( ياسر عرمان) قدم طرحه في هذا الجو الملغوم ، فارداً جناح القومية السودانية موضحا انه متابعاَ للاحداث ، والمداخلات ومتعشماً في القيادات المختلفة ان تكون نقطة توحدها هي ازالة النظام ، الأمر الذي أجمع عليه الكل ، ومن ثم كل يدلو بدلوه للخروج بالوطن الي بر الأمان ؛ طالما ان هنالك نسبة مئوية ضعيفة تجمعنا ؛ فلنعضد هذه النقطة .
ولنعمل جميعاً علي تقوية أوشاج الطرح السياسي القادم بقوة .
فقد بدأت عجلات الحكومة السودانية في التآكل ، وسيكون السقوط قريباً ، فلا نريده سقوطا” مبنيا” علي الصدفة كما حدث في السابقات ، وينسبوها لأنفسهم سارقي الثورات ، واصدقاء الديكتاتوريات القابعين خلف الأبواب …
Ghalib Tayfour