الإثنين , أبريل 29 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة

إهداء…

بحثت كثيرا لأهدي كتابي لإنسان يستحقه ، يدور فلكه حول ما ترمي اليه محتويات الكتاب ، فلم أجد انسانا” يستحق سوى هرم السياسة ونبراسه الملتهب من مبدأه حتي منتهاه ، إلى أن أسلم روحه لبارئها ، ودفن ومستحقات علاجه دينا” لم يدفع .
بعدما أحس بوعكة بسيطة نقلناه الي (مستشفي أمدرمان) ونحن حوله ، فوجدنا طبيبات متدربات في قسم العناية فجلست تفحصه  إحداهن وقررت له (أنبوبة محلول) فورية عن طريق الوريد وما هي الا لحظات حتى تم توصيل (الأنبوبة) في جسده ، التي تحوي  الجلكوز والملح ، وسرت في جسده الضعيف الذي لم يستطع التحمل نسبة لوجود إنسداد في الرئة فغاص في غيبوبة عميقة فتقاطر السوائل كانت أكثر من اللازم ، فخافت الطبيبة ، وهرعت تتقافز حوله بخوف ، ونحن ننظر لها ووالدنا نائم في غيبوته فصعدت تعتصر صدره تدلك منطقة الصدر بقوة بكلتا يديها محاولة إنعاشه حتي يستفيق فسمعنا صوت تهشم أحد أضلعه صادر من بين يديها ، إنه رجل في نهاية العقد السابع كيف له أن يتحمل ؟ والتففنا حولها ولكن صوت العقل كان أكبر منا ، فمنحتنا (انبوبة اكسجين) لضخ وسحب الهواء من الرئة حتي تنعش القلب عن طريق الاستعمال اليدوي ، وقالت :يجب أن يدخل غرفة الإنعاش حالا” ، ولكن لا يوجد غرفة إنعاش مركزي الا في مستشفي (البقعة) وهي تتبع لمستشفي امدرمان ولكنها اقتصادية .. لقد كانت تحاول ان تنقذه وهذا هو حدود امكانياتها ، انطلقنا نحن ثلاثة من ابناءه نحو مستشفي (البقعة) التي جزء من مستشفي امدرمان وقابلنا المسئول ، وشرحنا له الوضع ، قال : لا مشكلة موافق ، فقط عليكم تسديد مبلغ (ستة مليون) لثلاثة أيام في الخزنة قبل إدخاله ، عدنا نحاول أن ندبر المبلغ وكانت الساعة السادسة مساء” ليوم الجمعة ، والجميع يعتذر ، ولابنوك تعمل ولا مصارف مفتوحة والوالد في غيبوبة ويتلقى الأكسجين عن طريق (أنبوبة) تضخ باليد ، أضخ لدقائق ، ويأتي أحد اخوتي  ليضخها ، تناوبنا لأربع ساعات ، ونحن في هذه الحالة ، بعدها قررنا نقله الى (مستشفى السلاح الطبي) ، فأحضرنا اسعاف وتم نقله والجميع يتبادل في (أنبوبة الأكسجين) وهو غارق في غيبوبته التي لم يفيق منها ، ولم نراه مرة أخرى ؛ إذ توفى بمستشفي السلاح الطبي يوم الاثنين (2012/1/14)م  وارتحل وهو الزاهد في مكاسب الدنيا،المتعفف عن حقه ،الغني بإيمانه بدينه ووطنه ، وكل أبن بأبيه معجب ، رحل من داره الذي كاد أن يتساقط عليه من فرط القدم .
أنه والدي:
(طيفور الشائب محمد حمد) .
الذي طلب منه الزعيم (اسماعيل الازهري) الإنضمام لركب الثورة في بداية الخمسينات ، ويوما ما  سألته : كيف كان شعوركم وعلم السودان يرتفع عاليا؟؟
وقال لي : لم أكن أعلم ولا أذكر شيئا في تلك اللحظات فكنا جميعا نبكي كالأطفال .
كرمه الرئيس المصري (جمال عبد الناصر) لرفضه إنزال طيران قوات التحالف لضرب جمهورية مصر ، وحينها كان يعمل في هيئة إرشاد الطيران في منتصف الخمسينات ، وقد فتحت فيهم عدة بلاغات بتصرفهم الغير مسئول هو ومعه أكثر من ثمانية وطنيين ، لعدم منحهم إذن هبوط للطيران الخاص بالتحالف ، وكان البلاغ من شركة الطيران (سودانير) وتقدم  ثلاثة وثلاثين محاميا للدفاع عنه  ومعه الثمانية الآخرين ، وشطب البلاغ .
كانت له جولة مع الزعيم (اسماعيل الازهري) في ربوع السودان للتوعية ، ومئات الندوات موثقة ،   ناضل إبان ثورة (اكتوبر) واستلم قيادة منطقة ( خشم القربة) .
إختلف مع الزعيم (اسماعيل الازهري) في ترشيح بعض الشخصيات في بعض الدوائر محاولا اجراء محاولة إصلاح داخلي ، فأصدر  (اسماعيل الازهري) مذكرة فصل له ،  مطلعها (الي من يهمه الأمرسلام)
وكتب عنه الاستاذ : (محمد الأمين علي المبروك) هذا المقال :
رحيل طيفور الشايب … صاحب “لمن يهمه الأمر سلام ” ..
بقلم: محمد الامين على المبروك
نشر بوساطة خلف الظلال في سودانيليوم 14 – 01 – 2013

ممثل الجيل الذهبي في الوطني الإتحادي !
(حملت أخبار الخرطوم ، مما لا يسر القلب ، رحيل المناضل الوطني (طيفور الشايب) أحد ممثلي الجيل الذهبي للحزب الوطني الإتحادي في الستينات :
وبرحيله الصامت تنطوي صفحة جليلة من تاريخ الحركة الوطنية السودانية احد رواد الإصلاح في الحزب وأول من دفع ثمن المحاولة …خطاب فصل مطلعه لمن يهمه الأمر سلام !
رحل الرجل ..والإتحاديون عيونٌ كليلة ، ونفوس واهنة ، وقيادات الغفلة والغباء النشط تطوف سعياً حول حائط المبكى …!
في الأنباء ان تشييعه كان خلواً من ممثلي الإتحاديين !
هم في شغلٍ .. يتعاركون أيهم أولى بإعلان وفاة الحزب !
لوح طيفور صاحب ” لمن يهمه الأمر سلام ” بيده مودعاً
وهو يردد :
” ومراد النفوس أصغر من    أن نتعادى فيه أو نتفانى

غير أن الفتى يلاقى المنايا كالحات…
ولا يلاقى الهوانا “
دعونا نلوح له بالدعاء
” ، الهم اغفر له ..فقد كان صادقاً “
سلام عليه ..
سلامُ على “المرضي ” بعد “مبارك”
سلام على ذاك الزمان المُضيع ) ..
وصارت هذه العبارة رمزا للمناداة بالإصلاح ، وعادا الى العمل المشترك بعد إنقلاب الرئيس الأسبق (جعفر نميري) فدائما يؤمن الوطنيين بأن البحث عن الديمقراطية هي الهدف الأول ، ولكن ارادة المولي شاءت وفاة الزعيم ، لتتشابه النهايات (أنبوبة اكسجين فارغة) !! .
يجيد اللغة العربية ، واللغة الانجليزية ، والألمانية ، رئيس تحرير جريدة (الوطني الإتحادي) ، ورئيس تحرير جريدة (النداء) ، ورئيس الحزب الوطني الاتحادي في دوراته الرباعية (1985م) .
قضي معظم وقته اثناء نظام حكومة (الرئيس البشير) في السجون لم يصالح ، ولم يهادن ، ورفض جميع المناصب ، وكانت آخر محاولاته انقلاب عام (2010م) وكانت مشاركة  به كل الفصائل الحزبية حتي كتب بيانه بيده ، واراد الله لهذا الانقلاب أن يفشل بسبب قوات جاء بها (مبارك الفاضل) من غرب السودان وأختلفوا فيما بينهم ، وأطلق أحدهم علي الآخر (ذخيرة) في منطقة طرفية من العاصمة  ، وشاء الله عدم موت المصاب فأسعفوه (بالمستشفي الصيني) وصادف بها وجود ضابط أمن ينتظر إنجاب زوجته لطفل فكشف الأمر بالصدفة ، وتم إعتقالهم جميعا وقضوا قرابة العام في السجون ، حتي تم إطلاق سراحهم بالعفو العام وكان فيهم والدي وأخي (بسطام طيفور) وكثيرين أمثال  (مبارك الفاضل) ، و(صلاح الفحل) الذي اعترف بكل شئ ، بعد أن تم القبض عليه يحمل كشوفات واسماء قيادات الانقلاب من ضمنهم (علي محمود حسنين) و( حسن حاج موسي) واللواء (ود العوض) وهو أشجع من عرفه والدي في أيامه الأخيرة علي حسب رأيه ! ، فقد احضره قائد جهاز الأمن للمكاشفة وكان والدي موجودا” ، وطلب منه الإعتراف ، فقال له كلمة ما فتئ أبي يرددها حتي وري الثرى:
(يا قوش ، لو نجح هذا الإنقلاب كان  أول شئ نفعله هو قطع رؤوس جميع الكيزان في ميدان عام!! ، أما بعد أن فشل فأفعلوا ما بدأ لكم فالموت واحد) ، وكان حديثه وهو مكبل اليدين والقدمين ، شاهدت (ود العوض) وهو في مراسم الدفن ، وانسحب حزينا”، ولم أشاهده مرة أخري .
رحل من أهديه كتابي وهو يقطن في منزل أبيه فقد تبرع بجل ما يملك لتعليم وتثقيف الأجيال القادمة ،إذ كان يصرف على عددا” من طلبة الجامعات المختلفة ، وسعي بكل ما يملك في توحيد (الحزب الاتحادي) (ومؤتمر أمبدة) كان آخر مساهماته مع الأخوة الإتحاديين .
رحل دون أن يعرف عنه الناس شيئا ، لأنه يرفض (الأنا)، ولا يبحث عن الذات فهو غنيا” بعلمه ، وأدبه ، وتواضعه الجم ، الذي لم أشاهده في هذا الزمن .

أهديك خلاصة تجربتي التي لا تساوي شيئا ، مقابل ما قدمت وأعطيت لبلادك وشعبك …والدي .
واسأل الله لك الجنة …

Ghalib Tayfour

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.