ما الذي يريده منكم ترابي وهو تحت الثرى؟

……
ما الذي يريده منكم ترابي وهو تحت الثرى؟.
…..
منذ أن أعلنت قناة الجزيرة عن نيتها في بث حلقاتها مع الترابي في برنامجها شاهد على العصر والذي أتت حلقاته مشروطة بشروط في سابقة لم تحدث لها وأنا على يقين بأن الحلقات لا تمثل شهادة على العصر بقدرما هي (وصية ميت) قرر أن يؤدي أدوارا إضافية لحياته وهو ميت كما قرر أن يخالف طبيعة الكون وناموسه ويستمر في أداء المزيد من العمل حتى وهو ميت وأن يكون هو المخطط والمدبر والمنفذ والممول لحياة اللاحقين له…وهو ميت.
……
وشربت قناة الجزيرة المقلب…أو هي متورطة معه في القادم.
……
ترابي القانوني الضليع وضع الضمانات الوافية والكافية لبث الحلقات والتي تمثل وصيته بعد مماته على ان تبثها الجزيرة كما شاء حيا وميتا.
وقد امسك بخيوط اللعبة اعلاميا وسياسيا وفكريا…وقانونيا.
ووقعت معه القناة عقدا لم يترك شاردة ولا واردة إلا أحصاها…
والعقد منسوخ وبأيدي ثقاته الامينة…ويشترط فيه أن يكون البث مطابقا للمحتوى الذي بطرفه وهو النسخ الاصلية وتلك التي تم انتاجها واتفق عليها الطرفان في العقد بعدما طالعها الترابي وتابعها وشارك في تنقيحها واتفق عليها ووزع منها نسخا مع العقد المبرم بينه والجزيرة والذي يمسك به نفس الثقات…ومن بنود العقد ان يتم البث…وهذا شرط…وهو الذي ورط كل اجهزة النظام التي سعت لتعطيل بث الحلقات…إذ أن قناة الجزيرة بثتها مكرهة ودون تدخل منها حتى لا تقع في فضيحة اعلامية وهي تعلم انها ان تورطت في اي كشط او تعديل بحذف او إضافة فستقع في طائلة الابتزاز القانوني والسياسي والاعلامي من منظمات لا ترعوي عن ابتزازها…وهي نفسها جزء منها.
…..
في كتاب المخابرات الامريكية في الثمانينات…وفي كتاب المخابرات الاسرائيلية…وفي كتاب ذوي القبعات السوداء…وكتب استخباراتية اخرى وردت قصة الجاسوس الروسي الميت الذي قتل اثناء تأدية إحدى مهامه وهو في زورق في عمق المحيط…وقبل وفاته قرر ان يؤدي لوطنه مهمة اخيرة وهو مصاب نازف وتلاعب ببعض الوثائق تمويها منه للمخابرات الامريكية وهو على يقين انها ستجده ميتا…ثم وجه قاربه جهة الشواطئ الامريكية وجعله يتهادى في الماء حتى نفذ وقوده… وعثرت عليه البحرية الأمريكية وهو قبالة شواطئها…كما عثروا على الوقائق المفبركة التي كانت بحوزته…ونجح في تضليلهم… وكان آخر وأهم مهمة له قد تمت وهو ميت.
…….
كان أحمد منصور يجري في الحوار المدروس جدا مع الترابي وهو يعلم انه يتحدث لرجل ميت…وكان الترابي بحصافته ودهائه يعلم أنه يتحدث من قبره…وبسايكلوجية الرجل الميت ادار الحوار مع محاوره…وفعل ذلك وهو متقمص لهذا الدور تقمصا تاما…وقد درس نفسية مستمعيه وكل المعنيين بالحلقة كما تجرد عن الحياة تماما ولم يضع ذرة اعتبار لمن يتركهم وراءه من متابعين لصيقين جدا به ومتأثرين به وبحياته بما فيهم اسرته ذات الارتباط العالي بكل اطراف المعادلات السياسية والاجتماعية بالبلاد وذات التقاطعات العالية بطرفي السياسة السودانية حكومة ومعارضة…لم يضع ذرة اعتبار لذلك…لانه كان ميتا…ميتا تماما امام احمد منصور محاوره المسحور به…وميتا امام العالم اجمع…لكنه حي امام ثقاته الذين وضع بين ايديهم كل الضمانات…وهم انفسهم يخشون التلاعب بوصيته…لانه يعرفونه أكثر من معرفتهم لأنفسهم.
……
كل حرف نطقه وكل سؤال وجه له وكل اجابة وكل معلومة…كل…كل شي مدروس بعناية ومتفق عليه…كل ما شاهده الناس وسيشاهدونه قد شاهده ترابي قبلهم…بل هو قد شاهد ووافق على بث ما سيشاهدونه في مقبل الأيام…في قبره يعلم ما ستعلمونه في الأيام القادمة.
……
ما الذي يريده ترابي منكم وهو ميت؟… إلى أين يريد أن يسوق الشعب كما يسوق الراعي غنمه؟؟وإلى أين يحدو برعاياه حدو الإبل؟؟
…..
الأسئلة ليست فيما ورد…ولا عما سيرد…بل عن هدف وغاية هذا الرجل…
ترابي الذي سطر تاريخ الوطن الأخير ببؤس وكآبة وترك خلفه انهارا من الدماء يصر ان يقود مستقبل البلاد…وان يظل قائدا للشعب من داخل قبره.
…..
في ذكرى النكسة…وفي عامها السابع والعشرين لا اتوانى عن لعن الرجل ولا اتورع عن وضع كل ما مر بي وبأسرتي جراء ما أقترفت يداه.
…..