الإثنين , مايو 6 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / #جخانين_العنصريَّة 

#جخانين_العنصريَّة 

كتب هشام ادم

العنصريَّة ببساطة هي مُجرَّد الشعور بتفوقكَ، وتميٌّزك عن الآخرين، لمُجرَّد الاختلاف في اللون أو العِرق أو الجنس، وتبلغ العنصريَّة مداها الأوسع عندما يتجسَّد هذا الشُّعور في شكل سلوكٍ لفظيٍ أو إجرائي. هذا المستوى السُّلوكي لا يُمكن له أن يبرز إلى الوجود، ما لم يُؤسس له شعورٌ وإحساسٌ داخليٌ بالتفوق، وليس فقط الإحساس الذاتي بالتفوق؛ وإنَّما بالمُقابل إحساسٌ بدونيَّة الآخر بناءً على نفس المعايير التي جعلته يستشعر التفوق عليه. في أحيانٍ كثيرة؛ يحدث أن يُحس المرء الذي تُمارس عليه العنصريَّة أنَّه يمتلك الحق في رد العنصريَّة بمثلها، فصاحب البشرة الداكنة يسخر -بالمُقابل- من أصحاب البشرة الفاتحة، وإن كان الآخر يُلقبه بالعَبد مثلًا؛ فإنَّه يُلقبه بالـ”حلبي” نكايةً وردًا على عُنصريته، وإذا كان الآخر يُلقبه بالفَرْخ مثلًا؛ فإنَّه يُلقبه بالـ”جَلَّابي” نكايةً وردًا على عُنصريته، وكأنَّ الإحساس بالظلم مُبررٌ كافٍ للظلم المُضاد. الكثيرون يحصرون العنصريَّة فيما يُمارسه الأبيض ضد الأسود، والعربي ضد الأفريقي؛ في حين أنَّ مِن السُّود من يُمارس عنصريَّةً ضد البِيض، ومن الأفريقيين من يُمارس العنصريَّة ضد العرب، وفي مُحاولات بعض السُّودانيين (مثلًا) لإثبات أفريقانيتهم؛ فإنَّهم يجدون أنفسهم مُضطرين -لسببٍ ما- إلى اضطهاد العروبة والتقليل منها. والأمر ذاته أيضًا ينطبق على العنصريَّة الجنسيَّة؛ إذ تجد بعض النساء أنَّ الاضطهاد الذكوري لهن مُبررٌ كافٍ لاضطهاد الذكوريَّة بالمُقابل، وهذا الاضطهاد ليس بالضرورة أبدًا أن يكون بشكلٍ مُباشر؛ فقد يكون مُجرَّد اضطهاد الآخر كامنًا في مديح الذات، كالقول بأنَّ السُّمرة هي نصف الجمال، أو أنَّ المرأة هي أصل الحياة، فمثل هذه العبارات تُجسد مواقف مُتطرفة من الآخر، كما أنَّها تُجسد نظرةً مُتعاليةً عليه، دون المُواجهة معه بصورةٍ مُباشرة، والواقع أنَّ الجمال لا علاقة له باللون (لا الأبيض، ولا الأسود)، كما أنَّ المرأة ليست أصل الحياة؛ فالبيوضة الأنثويَّة دون سائلٍ منويٍ ذكوريٍ، لن يكون باستطاعها إنتاج ووهب هذه الحياة. وعلى نحوٍ غريبٍ جدًا؛ فإنَّنا قد نرى شكلًا من أشكال الشعور بالذنب أو مُحاولات التَّخلص من العنصريَّة تُفضي في نهايتها إلى إنتاج عنصريَّةٍ مُضادة، وذلك عبر الذوبان في الآخر تمامًا؛ فبعض الرجال يذوب في النسويَّة لإثبات أنَّه ليس ذكوريًا، وبعض البِيض (أو الشماليين) يذوبون في اللون الأسود والأفريقانيَّة وقضاياها، ليُثبتوا أنَّهم ليسوا عنصريين، فنجد منهم من يترك قضايا منطقته ليُكرّس جُل اهتمامه بقضايا دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق (مثلًا)، وكأنَّ مُشكلة السودان محصورة في هذه المناطق؛ رغم أنَّ الواقع يُوضح بأنَّ مُشكلة دارفور هي جزءٌ من مُشكلةٍ على صعيد أكبر بكثير، وأنَّ سُكَّان المناطق النوبيَّة مثلًا يُعانون من مُشكلات حياتيَّة كبيرة كإحراق الأراضي، وسرقة الآثار، ومحاولات ليس لتدمير الهويَّة النوبيَّة فحسب؛ بل لإلغائها. بل إنَّ من سُكَّان العاصمة الخرطوم نفسها، من يُعاني من مُشكلات حياتيَّة. إنَّ الاعتراف بهذه المُشكلات، ومُحاولة الاهتمام وتسليط الضوء عليها، لا يجب أن يعني أبدًا تقليلًا من شأن مُشكلة دارفور، ومشكلة جبال النُّوبة، ولا يجب أن تكون العنصريَّة (سلبًا أو إيجابًا) هي المُحرّك الأساسي لهذه الاهتمامات، وللأسف فإنَّ ما يحدث الآن هو اهتمام كامل من بعض الشماليين بقضايا دارفور وجبال النُّوبة، والذوبان التام في هذه القضايا، باعتبارها قضايا وطنيَّة، في حين أنَّه لا يُوجد بالمُقابل أدنى اهتمام من أبناء دارفور وأبناء جنوب كردفان بقضايا الشمال أو حتى قضايا الوسط، وهو ما يعني -على الأقل بالنسبة إليَّ- مُحاولة من بعض الشماليين للذوبان في تلك العِرقيَّة، لإثبات لاعنصريتهم. لا فرق عندي بين دارفور في الغرب، وجزيرة صاي في الشمال، وأي منطقة أخرى في السودان. العنصريَّة مُشكلة بكل أشكالها واتجاهاتها، وتجب مُحاربتها، ومُحاربتها لا تكون بالذوبان في الآخر لإثبات أي شيء.

 

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.