الجمعة , مايو 17 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / الحزب الشيوعي السوداني … جانب من فصول الازمة(2——-1)

الحزب الشيوعي السوداني … جانب من فصول الازمة(2——-1)

قراءة: الفاتح داؤد
برحيل الاستاذ محمد ابراهيم نقد زعيم الحزب الشيوعي السوداني قبل سنوات خلت انطوت صفحة من صفحات الفكر السياسي السوداني الزاخر بالعطاء و الحافل بالملاحم والمعارك. فالرجل ظل يشكل رقما صعبا تعذر تجاوزه في المعادلة السياسية بالسودان اذ تمتع وعلي امتداد تاريخ زعامته للحزب بالحضور السياسي الباهر والكارزما القيادية الطاغية التي قاد بها مسيرة حزبه في مرحلة و بالغة التعقيد وضعت الحزب بكل زخمه وتجربته امام اختبار الوجود اوعدمه.وذلك ابان المواجهة الاكثر دموية في تاريخ الحزب الشيوعي حينما انقلب النميري علي الرفاق عقب الانقلاب الفاشل الذي قاده الرائد هاشم العطا في العام 1971 فيما عرف بثورة يوليو التصحيحية التي دفع الحزب الشيوعي ثمنها غاليا حيث نحر النميري كل قيادات الصف الاول في اكبر مجزرة سياسية طالت زعيم وملهم ومفكر الحزب عبدالخالق محجوب والزعيم العمالي الشفيع احمد الشيخ واحالت بقية الرفاق بين طريد وشريد وقد مثلت حركة يوليو زلزلا مدمرا ضرب كل اجهزة الحزب ومؤسساته ونسف مكتسباته التنظيمية وثوابته الفكرية بل ظلت لعنة هذا الانقلاب تلاحق الحزب حتي اليوم اذ لم يستطع تجاوز اثارها السياسية والاخلاقية .
في ظل هذه الظروف  تولي محمد ابراهيم نقد قيادة الحزب الشيوعي السوداني وكان اول اختبار له هو كيفية الصمود امام الة القمع المايوية وامام حملات التشويه الممنهجة التي قادها اعلام مايو لشيطنة الحزب امام الراي العام كما استطاع نقد بدهاء وحنكة وذكاء العبور بالحزب دون حدوث فراغ تنظيمي وذلك حين تمكن من السيطرة علي مفاصل الحزب ضد التيارات التجديدية الصاعدة من جيل الشباب المتاثر بتجربة اليسار الجديد ابان حقبة التسعينات والمتصالح نوعا ما مع الراسمالية في وجهها الليبرالي وفوق ذلك ينظر الي الرجل عند شريحة مقدرة من اعدائه وخصومه  علي السواء بالتقدير والاحترام كونه تتجلي فيه كل سمات الشخصية السودانية السمحة المتواضعة البسيطة اذ اخلص الرجل لمشروعه السياسي لم تهزمه ضريبة النضال وتبعات التضحية وهو يقود اكبر تنظيم شيوعي بالشرق الاوسط وافريقيا.
ويوصف نقد عند كثير من الباحثين والمهتمين بالفكر السياسي بانه مفكر وباحث جاد رفد المكتبة السودانية بعدد من المؤلفات منها علاقات الرق في المجتمع السوداني..حوار حول النزاعات المادية في الفلسفة العربية والاسلامية….علاقات الارض..قضايا الديمقراطية في المجتمع السوداني اضافة الي مئات المقالات واوراق العمل رحل نقد وترك من خلفه ذرية ضعفاء من قيادات وكوادر واطر علي درجة عالية من الاختلافات والتباينات في المنهج وطريقة التفكير رغم المراجعات الخجولة التي لم تنفذ الي لب الازمة. بعد وفاة نقد اختار الحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب سكرتيرا للحزب حيث اثار صعوده الي واجهة القيادة كثير من الجدل في اوساط الشيوعيين خاصة الشباب الذين صنفوا اختياره انتصارا لارادة الحرس القديم الذي يبدو في نظر الكثير منهم غير مؤهل لاستيعاب التحولات الكبيرة في الفكر السياسي واضافة الي رغبته الجارفة في السيطرةوبالتالي غير قادر علي الاجابة علي تساؤلات الحاضر وتحديات المستقبل خاصة التحولات الكبيرة في الفكر اليساري علي المستوي العالمي ممثلة في تجربة اليسار الجديد في اوربا وامريكا اللاتينية كما لايثق قطاع عريض من الشيوعين في قدرة هذه القيادة علي وقف نزيف وتساقط عضوية الحزب الملتزمة لصالح التيارات المتمردة التي بدات تشكك في شغارات وايدلوجيات اليسار وتسببت في تراجعه وانحساره وذلك بسبب سياسة الانغلاق  وحب السيطرة وفوبيا نشؤ مراكز اخري للحركة الثورية كل هذه الهواجس  مهدت الطريق لحركة حق التي كونها الراحل الخاتم عدلان وبروز بعض الاصوات الناقدة للتجربة مثل الدكتور الشفيع خضر وقيادات اليسار التي انضمت الي الحركة الشعبية واضافة الي  مجموعات التواصل الاجتماعي التي اصبحت تجاهر باراءها في تجربة الحزب لكل ذلك فقد فتح رحيل نقد الباب واسعا لتساؤلات مشروعة حول مستقبل اليسار السوداني ورؤيته لمجمل الازمة السودانية المتطاولة التي بتحمل الحزب الشيوعي السوداني بعض اوزرها التي تولدت ضمن جميعها في اطار حراك اجتماعي وسياسي مشترك وتحديات متشابهة.
ولكن لن يكتمل التقييم الموضوعي لهذه التجربة الا عبر الاخذ ببعض الخقائق التاريخية التي ادركها الشيوعيون قبل غيرهم منها ان النخبة التقليدية في السودان لايمكن اقصاءها والتخلص منها بضربة واحدة كما فعل نميري في الجزيرة ابا وود نوباوي وذلك نظرا لتجذرها في النسيج الاجتماعي السوداني وقدرتها علي امتصاص هذه الضربات السياسية من خلال الالتفاف علي هذه التنظيمات والقيادات الجديدة وقدرتها علي تطويقها مما يمهد لها الطريق بالنفاذ الي مواقع القيادة وبالتالي القدرة علي استعادة  مكتسباتها الاقتصادية والسياسية وتعزيز مكانتها الاجتماعية.
وقد نجحت اكتوبر في حدث استثنائي جمع الاسلاميين واليساريين ضد النخبةالعسكرية الحاكمة انتهي بثورة شعبية دفعت بقطاعات جديدة من الشباب والمراة وقوي اجتماعية مؤثرة من المشاركة في الحياة السياسية ولعب ادوار محورية في كتابة المرحلة الجديدة الا ان التجاذبات  والتقاطعات بين المشروعيين  قد عصفت بالتجربة و فتحت عيون اليسار الي حقائق جديدة منها ان اكتوبر لم تكن ثورة بالمعني المتعارف عليه في الفكر الماركسي القائم علي التغيير الراديكالي لاعادة صياغة الحياة السياسية بالسودان بقدر ما كانت مجرد ثورة سياسية اكتفت بهز الهيكل الاعلي للدولة ممثلا في طبقة العسكر كذالك   لم تحقق اهدافها في تغيير البنية الثقافية والاجتماعية ممثلة في الحلف البرجوازي شبه الاقطاعي المكون من القيادات الطائفية والمكونات المرتبطة بها من شريحة التجارورجال الاعمال وبعض الرموز القبلية حيث ادركت قيادة اليسار استحالت التغيير في ظل وجود هذه المجموعات وحينها اتخذت قرارها الاستراتجي حيث بدات تمد بصرها صوب المؤسسة العسكرية التي تسللت الي صفوفها عبر خلاياها النائمة بل اذدادت قناعة بضرورة التغيير خاصة بعد تضامن خصمهم الاستراتيجي ممثلا في الاسلاميين مع حكومة السيدين في محاصرة الحزب الشيوعي وتجريده من شرعيته بطرد نوابه من البرلمان علي خلفية تطاول احد كوادره علي الدين والطعن في المقدسات حينها لجأ الحزب الشيوعي الي المؤسسة العسكرية لتغيير النظام وتصفية كل ما بتعارض مع منظومة المفاهيم الماركسية وقد عبر عن ذلك عبد الخالق قائلا( ان التناقض الاستراتيجي الاساس لثورتنا الوطنية هو الاستعمار الحديث والحلف البراجوزي شبه الاقطاعي في الداخل) ولعل المقصود بالحلف البرجوازي طائفتي الختمية والانصار وطبقة التجار ورجال الاعمال وقد بدأ الحزب في نسج الخيوط الدقيقة لمشروع التغيير في خواتيم الستينيات حيث في تكوين جبهة تقدمية عريضة قوامها العمال والسياسين والمهنيين بالتحالف مع ضباط الجيش توج بالاطاحة بحكومة السيدين في الخامس والعشرين من مايو في تغيير اراد له الحزب ان يكون اكثر عمقا لايكتفي بالسلطة بقدر ما ينبغي ان يطال البني السياسيةوالاقتصادية والاجتماعية. بعد فشل كل محاولات الحزب الشيوعي لاعادة تشكيل الحياة السياسية بالسودان اتجاه الحزب الي بناء التحالفات مع الحركة الشعبية وبعض فصائل دارفور مؤخرا الا ان هذه التحالفات اصطدمت  بكثير من العقبات التي وضعت الحزب في مفترق طرق لعل من اهمها شيخوخة القيادات والافكار الخشبية التي يصرون علي التمسك بها ثم استخدام الادوات التنظيمية القادمة من القرن التاسع عشر كما يعاني الحزب من عدم القدرة علي العمل الجبهوي والجماعي  بسبب الشللية وعقلية العشيرة اضافة الي افتقار الجيل الحالي الي الخيال السياسي والقدرة علي الكتابة والتنظير حيث تغلب عليه الحركية والنشاط.

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.