الجمعة , مايو 17 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / الأسس الفكرية للعلمانية

الأسس الفكرية للعلمانية

الأسس الفكرية للعلمانية :-
من الأخطاء الشائعة القول بان العلمانية أو العلمنة هى معارك ضد الدين ( الالحاد أو اللا دينية ) أو داخل الدين ( الاصلاح والتجديد ) فهى فى الواقع ذات طابع ايجابى أى لا تريد نفى أو الغاء الدين  . فالعلمانية لم تكن غايتها مواجهة الدين ولكنها تسعى  لتأكيد انسانية الانسان وارادته وقدرة عقله على فهم العالم (العلم) وعلى تدبير شئونه بنفسه . فالعلمانية لم تكن تستهدف الدين  , فليس غايتها معاداة أو محاربة الدين ولكنها أرادت تأكيد ان السلطة السياسية لا تكسب شرعيتها مما هو الهى ومقدس ,بل تقوم على الاتفاق والتعاقد بين المواطنين العاديين دون حاجة الى وسطاء بينهم وبين الله . لأن العلمانية موقفها حيادى , أى عدم انحياز الدولة فى الشئون الدينية , فالدين كما يعرفه علماء الاجتماع الدينى يعنى : (الازعان الى قوة غيبية  يعتقد الفرد فى قدسيتها ,وهذه القوة الغيبية هى كائن مقدس , وبالتالى العلاقة بين الفرد والكائن المقدس هى علاقة مقدسة).   
أما الدولة كمفهوم فانها تقوم على أربعة ركائز أساسية :-
1/ الأرض (رقعة جغرافية) 2/ الشعب (السكان) 3/ السلطة (تنفيذية وتشريعية) 4/ السيادة.    فبدون هذه الركائز لا تقوم الدولة , وكما قال الدكتور / جون قرنق
( مافى دولة بمشى الجامع ,لانو مافى دولة عندو دين , ولكن الناس هم البمشو الجامع ) . و عندما نتحدث عن العلمانية فاننا لا نعنى فصل الدين عن الدولة ككل بل عن السلطة التنفيذية والتشريعية ( جزء) , وفى نفس السياق (مقولة قرنق)  لا يوجد ( مصنع مسيحى أو صومعة مسلمة او سيارة بوذية ,….) فهذه الأشياء يصنعها البشر , والبشر هم الذين يعتنقون الأديان , فلا يمكن ان نقول هذا المصنع مسيحى لأن صانعه مسيحى , وهذه السيارة يهودية لأنها صنعت فى اسرائيل.
ويرى روسو (1712 – 1787) ان المجتمع المدنى هو نقيض المجتمع الدينى وبان المجتمع المدنى والمجتمع العلمانى يشكلان شيئا واحدا . وقد كان هدف نظريات العقد الاجتماعى هو البحث عن النظام المدنى خارج النظام الكنسى لكى يقوم على الصالح العام والرابطة الاجتماعية مما يعنى رفض الامتيازات الموروثة بسبب الانتماء الاسرى أو المرتبة الدينية .أى ضرورة المساواة , وقد واجهت من الناحية الفكرية مفاهيم ومعارف الكنيسة , عقلانية متذايدة – فالسيرورات (Processes)   العقلانية التى شملت كل مجالات الحياة لم تستثنى الكنيسة كمؤسسة . وكانت البداية للعلمانية ,الدعوة الى تاسيس نظام انسانى على الأرض حيث تنتشر الحرية والسعادة دون حاجة الى مساندة متعالية أو فوق- طبيعية . وبالتالى تكون العلمانية هى مساواة المرجعية الدينية فى أمورالحياة والفكر بالمرجعيات الأخرى فى مجتمع متمايز داخليا ,معترف بالتمايزات مما يجعل من أمور العقل والسياسة والمجتمع ,وتصنيفها العام أمورا لا تخضع للسلطة المؤسسية او الفكرية أو الرمزية الدينية حيث يصبح الدين فى مجال العبادة الشخصية وتغدو التجمعات الدينية كالكنائس والفرق وغيرها كالتجمعات الاختيارية من اندية وغيرها أمورا تعود الى الحريات العامة .
هناك بعد فكرى آخر هام فى العلمانية وهو الخاص بالحرية الدينية والسياسية ومن هنا يرجعها البعض الى قاعدة فلسفية كبيرة هى قاعدة المعتقد الليبرالى . وتتميز هذه القاعدة بانها تسلم بأولوية الانسان الفرد فى الوجود كما تسلم بالقيمة المطلقة للحرية , وتعتقد بالأهمية اللانهائية لقدرات العقل الانسانى.
وعليه فالعلمانية كأطروحة فكرية فان لها عدة أوجه:
– وجها معرفيا يتمثل فى نفى الأسباب الخارجة على الظواهر الطبيعية أو التاريخية وفى تأكيد تحول التاريخ دون كلل.
– ووجها مؤسسيا يتمثل فى اعتبار المؤسسة الدينية مؤسسة خاصة كالاندية و المحافل .
– ووجها سياسيا يتمثل فى عزل الدين عن السلطة التنفيذية والتشريعية.
و تقوم العلمانية  على مبدأ الفصل بين السلطة الدينية والسلطة السياسية لخمسة أسباب رئيسية:-
1/ ان غايات السلطتين تختلفان بل تتناقضان, فالدين يبتغى العبادة والفضيلة وفقا للكتب المنزلة , ولأن كل دين يدعى امتلاك الحقيقة المطلقة ,وبذلك اذا وصل الى السلطة السياسية من الطبيعى ان يضطهد أو يبعد المخالفين له , وهذا واضح فى نظام الانقاذ الذى كان يؤطر لكل شىء بما فى ذلك صراعاته مع المعارضة وحربه مع الحركة الشعبية , والحصار المفروض من الخارج ,  وفقا للآيدولوجية الدينية.
2/ ان المجتمع الصالح يقوم على مساواة مطلقة بين جميع أبناء الأمة رغم اختلافهم الدينى والمذهبى ,ويتضح ذلك فى الدول التى طبقت الديمقراطية تطبيقا حقيقيا بابعادها المختلفة و التى من ضمنها العلمانية.
3/ ان الدول التى يسيطر عليها  الدين ضعيفة بطبيعتها وهى تسبب بدورها ضعف المجتمع لأنها تلح على ما يفرق بين الناس , فالحرب الطويلة التى دارت فى جنوب  السودان والتى كلفت الكثير وادت لتدهور البنيات التحتية , والنزوح والتشرد ,  وتهدد الآن بتمزيق البلاد , خير دليل على ذلك , وان حق تقرير المصير الذى نصت عليه اتفاقية نيفاشا ما كان الا لتمسك طرف التفاوض بالشريعة الاسلامية.   والجمع بين الدين والسياسة يضعف الدين نفسه اذ ينزله الى حلبة الصراع السياسى.
4/ ان الحكومات الدينية تؤدى الى الحرب فمع ان الدين الحق واحد , فالمصالح الدينية المختلفة تتعارض , ولذا كان من الطبيعى اعلان الجهاد فى جنوب السودان وجبال النوبة أثناء الحرب التى دارت بين الطرفين (الحركة الشعبية – نظام الانقاذ) بالرغم من الحرب أصلا لم تكن دينية , ولما كان الولاء الدينى قويا بين الجماهير, فمن الممكن ان يثير المشاعر ويستنفر الناس.
5/ بما ان  الدين يشترع للآخرة , فان ذلك يمكن ان يتعارض مع سلطة الدولة الدينية ويتضارب معها , اذ ان غاية الحكومة ان تشترع لهذا العالم , وهذا ما يفسر انقلاب الاسلامويون على الديمقراطية بحجة صون الدين والعقيدة , وتمسكهم بالسلطة ورفض التحول الديمقراطى , وغيرها من الممارسات الأخرى , فى استغلال سيىء ومتاجرة بالدين.
اننا فى الحركة الشعبية لتحرير السودان ندعو لعلمانية تحترم الأديان وتقدسها فى اطار التعايش , مع التنحى بما هو مقدس عن ما هو سياسى وفصله عن الدولة
(السلطة التنفيذية والتشريعية) باعتبارها شخصية اعتبارية , وليست الدعوة الى العلمانية بأى شكل من الأشكال فى منظورنا هى دعوة لفصل الدين عن الحياة العامة , فالعلمانية كمفهوم سياسى ضرورية جدا لادارة التنوع والتعدد فى اطار الوطن الواحد , وفيها تشديد وتمسك بالاحترام الكامل لحقوق الانسان , بمعنى ان تأخذ حقوقك وتؤدى واجباتك بكونك انسان لا غير , وهذا هو مشروع السودان الجديد الذى ندعو له , والقيمة الاجرائية للعلمانية هى الديمقراطية  لذا لا يمكن الحديث عن العلمانية بمعزل عن الديمقراطية , ولا يمكن الحديث عن الديمقراطية بمعزل عن العلمانية , فلا اذدهار للديمقراطية الا على أرضية (الديمقراطية الاجتماعية) – أى الاعتراف بالآخر الثقافى/الدينى / الاجتماعى والسياسى , فالديمقراطية هى فلسفة تعدد, وشريعة اختلاف, وصيغة عقلانية مساوية للوجود الانسانى , فتوطين الديمقراطية كمضمون اجتماعى بعيدا عن الشعارات والشكلانية والسطحية , اصبح ضرورة موضوعية فرضها الواقع الاجتماعى المتعدد , وفصل الدين عن السياسة يمثل جوهر الديمقراطية المؤسسة على المواطنة والحقوق الطبيعية , فهو فعل بشرى واعى يستند على تعددية الرؤى دون الانحياز لعرق أو دين أو لون , وطالما كان خيار الديمقراطية خيار عادل ارتضيناه جميعا للبت فى الهموم الجماعية , فلا يعقل ان يتم الاعتراف بالجزء بمحتواه المعرفى ورفض الجزء اللآخر.
اذا العلمانية تدعو لتأسيس مفهوم جديد بعيد عن الانحياز الآيدولوجى والطائفى والجهوى , فالغياب التام للفعل الديمقراطى كمعنى مساوى للوجود الانسانى على مستوى الدولة السودانية منذ تأسيسها , وتجاوزها لحقائق التنوع التاريخى , مرورا بالممالك النوبية المسيحية القديمة ثم مملكة الفونج , فسلطنة سنار والحكم التركى ,والدولة المهدية , ثم الحكم الانجليزى المصرى , واخيرا الحكومات التى تعاقبت على السلطة بعد خروج الانجليز , وحقائق التنوع المعاصر الذى يزخر به السودان , أفضى الى الاقصاء  وعدم القبول بالآخر الاجتماعى /السياسى/الثقافى , وعدم احترام قيم ومعتقدات وتصورات وقناعات الآخر الا من باب التمثيل الزائف مما أفضى  لصعوبات حقيقية فى التعايش معا , فتجربة تبنى النميرى لقوانين سبتمبر (1983) والتشويه الذى صاحبها, والنتائج التى افضت اليها  , بالاضافة الى تجربة الانقاذ (1989-2004) والتى خلقت مرتعا خصبا ومناخا جيدا  للحركات الاصولية المتطرفة التى ارتكبت بعض الحماقات باسم الدينى  مثل حادث الجرافة (1998) الذى استهدف المصلين فى المسجد وأردتهم قتلى , واحداث حرق معرض الكتاب المقدس بجامعة الخرطوم (1999) , بالاضافة الى تصوير نظام الانقاذ  للحرب التى دارت بالجنوب بانها حرب دينية , واستنفارها للشباب والمقاتلين باسم الدين والجهاد ,  فكل ذلك ان عبر , فانه يعبر بالضرورة عن ضعف عقول النخبة الاسلامية  التى توالت على السلطة فى السودان . فالتدهور الاقتصادى والاجتماعى الذى نعانى منه الآن  هو نتاج طبيعى لادخال الدين واستغلاله فى السياسة , وهذه من السمات الأساسية للدول التى يسيطر عليها الدين.
ختاما:-
ان الدولة التى تقوم على مبادىء الحرية و العدالة والمساواة لا يمكن تحقيقها الا فى الدولة العلمانية التى تستقل سلطتها عن كل وصايا, وهذا ما ظللنا نردده فى الحركة الشعبية لتحرير السودان وقمنا بطرحه  وتمسكنا به , لأننا نرى ان دولة مثل السودان زاخرة بالتنوع الاثنى والجغرافى والثقافى, ومتعددة الاديان والمعتقدات لا يمكن ان تحكم بقوانين  تتخذ طابعا دينيا, لان ذلك ينفى الآخرين ويحولهم الى مواطنين من الدرجة الثانية , وان ذلك يتعارض مع الحقوق الاساسية للانسان الذى يجب ان يكون حرا فى خياراته واتجاهاته. ولذلك علينا مواجهة مواقفنا ومراجعتها للوصول الى صيغة مدنية متحضرة , مع التأكيد على ان النقد ليس نفيا للآخر بقدر انه فتح للأبواب والحوار العقلانى لفائدة الجميع .
نتمنى ان تساعد هذه الدراسة فى فتح أبواب الحوار , ونحن لا نتحاور كى نتشابه ولكن لكى نتعلم كيف نؤسس وطنا تعلو فيه أصوات الديمقراطية التى تعنى انه قد يكون رأينا صحيحا ,وآراء آخرون غيرنا كذلك.

ودامت الحركة الشعبية لتحرير السودان ودامت نضالات جماهير شعبنا.

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.