الإثنين , مايو 6 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / لم أكن مخيرا”  !!(3)…

لم أكن مخيرا”  !!(3)…


لقد صمت الهاتف ، وصمت معه كل شئ ، يبدو أن والدتي حدث لها أمر ، فهي لاترد ، حاولت أن أتصل ولكن مجرد رنين فقط ، بدون رد ، صرخت حتي سحب العسكري مني الجوال ، وإقتادني للزنزانة ، سقطت في الزنزانة ، والجميع ينظر لي ، وشعرت بأني سأنفجر ، لم أشعر بنفسي ، وانا أقف وأتحرك نحو المعلم (عبدو) ، وبدون سابق إنذار اهجم عليه ، وأركله بقدمي ، وهو جالس علي الأرض ينظر لي ، ولا يتوقع مثلي أن يهجم عليه ، فالجميع يهابه ، شعرت بقدمي تصطدم بوجهه فيسقط بعيدا ، وطلبت منه وانا أصرخ :
قم دافع عن نفسك ، ولم يستطع النهوض ، فقد كانت ضربتي قوية سمع صداها جميع المتواجدين في الزنزانة ، وحاول أحد المساجين أن يمسك بيدي ، فلطمته بيدي اليمني ، فسقط مثل الريشة ، تكهرب الجو داخل الزنزانة ، وأنا ازأر ، والجميع يبتعد مني حتي بدءوا يصرخون للعساكر ، فسمعت صوت الزنزانة يفتح ، واثنان من العساكر يتقافزون للامساك بي فحذرتهم بان لا يقتربوا مني ، فطلبوا مني الخروج بهدوء ، فخرجت وهم خلفي حتي إقتادوني لزنزانة صغيرة في الركن الشمالي من القسم ، انه حجز إنفرادي ، واغلقوا الأبواب علي ، وارتميت وانا أبكي مثل الأطفال .
حضر أحد العساكر بعد ساعتان ، وقال لي صف لي اين منزلكم ؟ فقد اتصلت بالرقم الذي كنت تتصل به ولا يوجد رد ، قلت له : نعيش انا ووالدتي فقط ، ولو حدث لها شئ فلن اترك هذا المعلم يعيش يوما” من بعدها ، اعطيته وصفا” للمنزل بدقة ، وقال لي :
لا تخاف فدوامي قد انتهي وسوف اذهب لها حالا” ، ولكني احتاج عندما أصل الاتصال بها ، ولا أملك جوال ، فطلبت من العسكري المسئول اعطاءه جوالي ، فاخذه وانطلق ، شعرت ببعض الإطمئنان ، وشاهدتهم يقتادون (المعلم عبدو) وثيابه مبللة بالدماء ، وعاد العسكري المناوب ، بعد زمن يطلب مني العودة للزنزانة فقد ذهب المعلم (عبدو) للمستشفي ، وقال لي:
لقد اصبته في وجهه وهو ينزف بشدة ، وهذا سيجعل الامر يتأزم ، لم اهتم بحديثه ، قال لي :
قم نرجعك للزنزانة ، فنهضت للعودة لزنزانة القذرة ، وانا متحرك نحو الزنزانة التقيت باسرة المعلم (عبدو) حضروا لزيارته ، ولا يعلمون ما حدث بيني وبينه ! ولم يعرفوا انه قد نقل للمستشفى .
وتقدمت ابنته بعفوية ورقة متناهية  نحوي ، وتلك العيون الواسعة ، وتحمل في يدها لفافة تحوي من شكلها طعام وشراب وقالت لي :
خذ هذه لك ولوالدي ، فقلت لها :
شكرا ، لقد تعاركت مع ابيك ، وتم تحويله المستشفي ، كان الأمر صادما” لها ، وتغير شكلها فقد خافت أن أكون قد آذيته ، ولم اشعر إلا وهي تقفز نحوي ، بعد ما اسقطت اللفافة ، واصبحت تضربني في صدري ، وهي تصرخ: إياك أن تكون آذيته !، لماذا تعاركتم ؟ امسكت يدها برقة وشعرت بأني امسك قطعة  من الحرير ، كانت ألين ، وادفأ ايادي امسكتها في حياتي ! وقلت لها :
لقد اقحمني اباك في مشكلة وانا برئ ، انا ابن واحد ، لأم تكدح ليل ونهار لرعايتي ، وليس لها غيري ، وتحلم كل يوم كي تراني شيئا كبيرا ، ماذا تتوقعي عندما اتصلت بها من قسم شرطة ، وقلت لها انا مقبوض علي بتهمة حيازة مخدرات ، كان كلامي حازما وحاسما ، حتي صمت جميع من في الصالة وقالت لي : ليس لنا ايضا في هذه الدنيا سواه ، وكانت تبكي بحرقة ، فقلت لها لقد اختار أباك طريقه بنفسه ولكني اخترت طريقا” لي احافظ علي نفسي واسرتي ، فما هو ذنبي ، ارتمت في حضني تبكي كأنها طفلة ، والجميع يشاهد ، فسحبتها بهدوء وقلت له :
اباك سيكون بخير فلا تخافي ، انه إمتحان ، وذهبت نحو الزنزانة ، وخلفي العسكري حتي اغلقها علي ، وجلست جوار البوابة انظر اليهم وينظرون لي ، كان جميع من في الزنزانة  يبتعدون خوفا” مني ، والجميع يهاب الإحتكاك بي ، طلبت ابنة المعلم من العسكري وضع اللفافة بجواري ، وأحضروها لي ، والمساجين ينظرون للفافة ، ولكني سحبت منها سندوتش واحد وبدات في الأكل وانظرهم وهم يطأطون رؤوسهم ، حينها أدركت ان البقاء هنا للاقوياء ، وساكون قويا” .
خرجت اسرة (المعلم عبدو) متجهة نحو المستشفي ، وابنته الصغيرة تسترق النظر لي خلسة ، أكلت لوحدي حتي شعرت بالشبع ، فقسمت باقي الطعام للمساجين بالتساوي ، عاد العسكري بعد ساعة ، وفتح الزنزانة ، وطالبني بالذهاب معه لمكتب الضابط ربما تم التصديق لي بضمانة ، دخلنا علي الضابط ، وطلب مني الجلوس وسردت له حكايتي وهو واجم لا يتحدث ، شرحت له التفاصيل كاملة ، وبعد نهاية حديثي قال لي : تعرضت والدتك لحالة من فقدان الوعي أو حالة من الغيبوبة ، من جراء الصدمة ، وحاليا موجودة بمستشفي امدرمان ، كان حديثه كأنه هذيان ولم تستطيع أذني تصديقه ، وشعرت بدموعي تتدفق وصوتي يأبي ان يخرج ، حتي الضابط بدات دموعه تتدفق ، ووقف بحزم وطلب مني أن اذهب مع اثنان من العساكر لتفقدها والإطمئنان عليه ، وقال كلمة لا تزال ترن في أذني ، ربما اخالف القانون ولكني افضل ان أحافظ علي الإنسانية قبل القانون ..
اذهب وتفقد والدتك ، وانطلقت ، وخلفي اثنان من العساكر ، كانت المسافة للمستشفى قصيرة عشر دقائق ، لم أشعر بها ، بل لم أشعر بنفسي ، حتي وجدت نفسي ، وانا اتنقل في العنابر ، كانت والدتي مستلقية في نقالة ، وجسمها موصل باجهزة كثيرة ، وحولها اثنان من الاطباء ، وعلي ثيابها آثار دماء جفت في جسدها ، ربما من أثر السقوط على الأرض ! واقتربت وأنا ارتجف رفعت رأسها تنظرني بعيون مطبوع عليها حنان خلقه الله لها لوحدها ، فحضنتها والاطباء يحذرونني ولكني لا اسمع ماذا يقولون ؟ وهي تنظرني ، بعيونها فقط ولا تستطيع أن تتكلم ، وعيونها  تقول لي أنا بخير يا بني ، فقط طمني عليك أنت.
قبلت جبينها مرات ، ودموعي لم تتوقف فهي كل حياتي ، سحبني الطبيب المسئول بهدوء وقال لي :
سوف ندخلها عمليه فهنالك ، جلطة واصابة بالرأس ، خرجت في ركن الصالة ، وانا أبكي بحرقة والعساكر يقبعون بعيدا” ، لم أشعر سوي بيد تمسح شعري ، وسمعت صوتا” حنونا” يقل لي:
ستكون بخير ، فنحن معك رفعت رأسي ، ووجدتها أبنة (المعلم عبدو) ، أنهم موجودون في المستشفي أيضا”!! …

(يتبع)

Ghalib Tayfour

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.