الإثنين , أبريل 29 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / مأزق العودة ومأزق البقاء

مأزق العودة ومأزق البقاء

#الهدف
#الهدف_آراء_حرة

السودانيون مهجرياً:

أحمد محمود أحمد

مدخل أول:
لقد أضحت  الهجرة والتهجير واللجوء كلها تتساوى في المضمون ومن حيث المقدمات والنتائج، إذ جميعها تتأسس على قاعدة الاختلال الهيكلي في البنيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدول العالم (الثالث). والملاحظ أن هذا التهجير قد بات يتجه نحو الغرب سواء الأوربي أو الأمريكي باعتبار أنه المكان الأكثر أماناً..
لكن المسكوت عنه في موضوع الهجرة أو التهجير يتصل بحقيقة كون الغرب ومن زاوية تاريخية وراهنة يقف وراء ظاهرة التهجير سواء كان ذلك على خلفية المرحلة الاستعمارية والتي صادر فيها ثروات بلدان العالم الثالث أو من خلال دعمه للأنظمة الديكتاتورية التي تمارس الاقصاء. وبشكل أعمق من خلال تدوير الاستعمار وعودته عبر الأسلحة المتطورة والتي يسعي من خلالها  لتدمير الأوطان، والنماذج الماثلة أمامنا هي أفغانستان والعراق.
هذا المنظور لا يقصي العوامل الداخلية تماماً لكن دور الاستعمار كان أكبر اثراً، ولنعاين تجربة العراقيين لنتعرف على دور الغرب حول التهجير.
هذا ضمن منظور عام.. وضمن منظور سوداني دعنا نختبر طبيعة التهجير و حالة السودانيين في المهجر..

مدخل ثان:
إن الكتابة حول الهجرة أو التهجير السوداني تبدو مخاطرة غير محسوبة الجوانب وذلك نتيجة للأسباب التالية:
أولا ً: الهجرة أو التهجير خارج السودان ولأسباب سياسية وبالشكل الذى باتت تتحول معه لظاهرة، تعتبر فعلاً جديداً عبر التاريخ السودانى الحديث. وهذا قد يعقد من طبيعة التناول لأن الجانب السياسي قد يطغى على الجوانب الأخرى، إذ هو أساس الظاهرة، وهذا قد يحول الكتابة إلى خطاب ضدي  مشحون بالغبن وردود الأفعال الآنية.
ثانياً: التنظير أو الكتابة البحثية حول هذه الهجرة غير متوفر وعلى الأقل حسب علم كاتب المقال مما يتطلب ذلك اجتهاداً ذاتياً وهو ما أطلق عليه المجازفة الفردية.
ثالثاً: كاتب المقال يعتبر ضمن المهجرين، وضمن الكتابة حول هذا الموضوع ربما يتداخل الذاتي والموضوعي، ومن ثم الخوف من طغيان الذاتي بكونه يصبح ملاذاً تسكينياً لمرارة الهجرة وبعض صعوباتها مع الوعد بأجتناب هكذا محدد قدر الإمكان.
رابعاً: تتباين الحالة المهجرية حسب وضع الدولة التى يعيش فيها المهاجر، ومن ثم يصبح
التعميم مخلاً بالمنهج العلمى فى تناول الموضوع. ومثل هذا العمل يتطلب عمل المجموعات البحثية عبر كل دولة ومن ثم أستخدام المنهج المقارن لتقريب الحالات من أجل إصدار نظرة كلية حول الهجرة كظاهرة.
ولكن رغم هذه المحاذير اجازف بهكذا كتابة آملاً أن تعكس جزءاً من الهم السوداني الذى راكمته تجربة حكم الإسلاميين عبر إدارة التسلط والنفي الممنهج، ومتطلعاً نحو آخرين ليسهموا بجهدهم فى واقع الهجرة فى البلدان الغربية.
الهجرة معاينة كلية:
إن ظاهرة الهجرة وحين معاينة الواقع السودانى تتبدى كظاهرة حديثة، أى الهجرة بمفهوماتها الجماعية. فالسودان ومن منظور تاريخي يعتبر قطراً استيعابياً وذلك لموقعه الجغرافى وموارده المتعددة، إذ ما زال السودان ملاذاً للكثيرين من دول الجوار، رغم ظروفه السياسية، لاعباً هذا الدور ضمن واقع طبيعي يشتمله القبول السودانى المعهود.
وقد أدت الظروف الطبيعية ومنذ السبعينيات علاوة على الظروف الأقتصادية ونتيجة للخلل المعهود في إدارة الدولة، أدت هذه العوامل إلى هجرات داخلية ما زالت تزداد بأضطراد. فقد عرف السودان ومنذ السبيعينيات الهجرة الداخلية وهو أنتقال سكان الريف إلى المدن، مما أدى إلى ترييف المدن بدلاً من تمدين الريف.
وكذلك نتجت الهجرة الداخلية نتيجة للحروب الدائرة في أنحاء القطر عبر سنوات طوال، وتضاعفت عبر نظام الانقاذ الأكثر دموية. ونتيجة لحالة التراجع في العامل الأقتصادى، وعلى الأقل عبر السبيعينيات، هاجر الكثيرون إلى دول الخليج من أجل تحسين الأوضاع الأقتصادية، مع إقامة علاقات طبيعة مع القطر وهى الفئة التى عرفت بفئة المغتربين. هذه الهجرات كان العامل السياسي يلعب فيها دوراً حيوياً بالتأكيد، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مياشر لكنه لا يتضاهى والعامل السياسي
الذي باشرت به الانقاذ،  نفي الآخرين لاحقاً.
فحقبة الديكتاتورية الثانية أي نظام النميري،  أتسمت بالفساد ومحاربة الطبقة الوسطى وتفتيتها، علاوة على سيطرة الرأسمالية الطفيلية على السوق وتصدير قيمها السوقية للآخرين، و تدهور الأوضاع المعيشية بشكل لم يعرفه السودان من قبل، وقد تضاعف ذلك ودون شك عبر حكم الانقاذ. وقد أدى كل ذلك إلى هجرات عديدة داخلياً و خارجياً، هذه الهجرات ليست مجال هذا المقال، ولكنها مهدت إلى هجرة أخرى تصاعدت مع زمن الانقاذ وهي الحقبة التي نحاول التركيز عليها من أجل رصد تداعياتها الراهنة، وتحديداً على مستوى الهجرة أو اللجوء إلى دول الغرب.
الهجرة عبر حكم الانقاذ
لقد طرحت المرحلة التي حكمت فيها الانقاذ واقعاً جديداً كان تكثيفاً نوعياً لكل العناصر السالبة على كافة المستويات.
وما يميز الهجرة أو اللجوء خارج السودان  عبر حكم الانقاذ، أنها جاءت نتيجة لتجفيف المنابع السياسية والاقتصادية والأجتماعية وبشكل غير مسبوق. فالإقصاء الديني وثقافة التمييز على كافة الأصعدة، علاوة على تصعيد العنف بشكل مكثف مسنوداً برؤية دينية تبريرية، كلها عوامل أصبحت حالة طرد بأمتياز للمخالفين فى الرأى. فلقد أبتدأت الانقاذ حكمها بمحاربة كل من لا ينتمى لتنظيمها، تضافر ذلك مع أساليب التعذيب ضد الخصوم السياسيين، وتأسيس مفهوم جديد لتصفية الآخر اللا منتمى إلى أيدولوجية النظام الحاكم. ومن خلال تصفية الخدمة المدنية أستهدفت الانقاذ قطع الطريق أمام الوسيلة النضالية المشهودة، وهي العصيان المدني والأضراب السياسي. وهذا بدوره أفقد القوى السياسية المعارضة أداة أساسية مهمة وأربكت العمل المعارض. يتضاعف هذا الأمر مع الطريقة التي تعاملت بها الانقاذ مع القوى السياسية من خلال التخوين، مترادفاً ذلك مع ارهاب الخصوم وطرق التعذيب الجديدة التى أبتكرتها الانقاذ. ومن هنا انفتح نوعاً جديداً من الهجرة لم يعرفه السودان من قبل وهي الهجرة التى ننوى التركيز عليها، وهي الهجرة إلى دول الغرب بتشابكاتها الجديدة.
السودانيون فى الغرب:
لقد أدت الحالة المذكورة سابقاً والناتجة عن الضغط المتصاعد من قبل الانقاذ ضد الشعب السوداني عموماً والمعارضين اختصاصاً إلى خروج الكثيرين من السودان. هذا الخروج كان نوعياً، حيت خرجت قيادات من
أحزاب سودانية عديدة  في بداية التسعينيات لتستقر في الخارج. وتبعاً لذلك خرجت عناصر عديدة تتبع هذه الأحزاب لتتشكل لأول مرة فى تاريخ السودان الحديث معارضة بهذا التكثيف خارجياً،
حتى بتنا وعبر تلك المرحلة نتحدث عن ثنائية معارضة داخلية ومعارضة خارجية. وتركزت هذه المعارضة آنذاك في القاهرة وأسمرا تحديداً من خلال تأسيس أرضيات مهمة عبر هذه العواصم. ونتيجة لاختلال جوهري في عمل التجمع وضياع الفرصة التاريخية لأسقاط النظام، توجه الكثيرون مدفوعين بحالة اليأس إلى هجرة شبه جماعية نحو دول الغرب بعد أن فقد البعض أمل تغيير النظام. ولهذا يمكن أن نتحدث عن بروز بوادر هجرات جماعية نحو الغرب عبر تلك المرحلة من تاريخ السودان، مما يسترعى الأنتباه اللافت لأوضاع السودانيين في الغرب عموماً، وضرورة مناقشة اشكالاتهم.
وحتى لا ندخل في التعميم فإن السودانيين فى الغرب يتباينون درجياً حسب دول الغرب التي يعيشون بها، وإن كان هذا التبابن يعد نسبياً. فالغرب عموما يمر بظروف صعبة من حيث واقع المهاجرين إليه، ومن ثم فإن الهجرة تطرح إشكالياتها للغرب بشكل حاد وبالذات الغرب الأوروبي، وحالياً أمريكا في ظل حكم ترمب.
فالغرب بالرغم من حاجته للأيدى العاملة، إلا أن هذه الأيدى يريدها بمقاييسه هو، ولكن الهجرة باتت نوعاً من الفعل غير المسيطر عليه من حيث ظروف الدول التي يأتي منها المهاجرون وتدهور الأوضاع الاقتصادية لبعض الدول الغربية. ولهذا يمكن أن نطلق على هذه المرحلة، المرحلة الاحتدامية. إذ يتجلى هذا الاحتدام في رؤية السكان الأصلانيون (الغربيون هنا) بأن كل الكوارث التي تحدث لهم هى نتاج لوجود المهاجرين، حتى أصبحت مسألة الحد من الهجرة تدرج ضمن برامج بعض الأحزاب وبالذات الأوربية، وقد فشل الغرب في تحقيق بوتقة الأنصهار، إذ أصبحت المحددات
جوهرانية، وتجلى الفرز المعياري كلية عبر هذه المرحلة من تاريخه. علاوة على ذلك تدخل معادلة الإسلام والغرب بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر، و ما تلاها من أحداث، كعوامل ضغط إضافي تنعكس على السودانيين بكون بلدهم يعد مصدراً للارهاب حسب التصنيف الغربي، وإن كان هو بالأساس ذو اختصاص فريد فى ارهاب السودانيين أنفسهم فى الداخل وتحميلهم مثالبه في الخارج.
أقول في هذه الظروف توافد السودانيون نحو دول الغرب دون معلومات جوهرية، عدا التصور العام لدول الغرب بكونها الملاذ الآمن على كل الأصعدة، وليس هذا بالصحيح وفي بعض الأحوال.
وكتحديد أولي يمكن أن نقول إن الاشكالات عديدة ومتنوعة حسب كل ظروف دولة، ولكن وبشكل تكتنفه العموميات يمكن حصرها فى الآتى:
أولاً:
لقد هاجرت الغالبية من السودانيين عبر العقود الأخيرة نحو الغرب هرباً من منظومة
الحكم الديني الديكتاتوري، ومن ثم يصبح اللجوء إلى الغرب كلجوء ظرفي، ينتهي بالسبب
الذي أنتج ذلك حسب تصور الكثيرين.
وهذا ما ميز الهجرات الأخيرة لدى السودانيين. هذا النوع من الهجرة وبرغم تفهم دوافعه، إلا أنه يعد إشكالاً في التعايش مع هذا الواقع
الجديد. فالغرب تتداخل فيه قياسات تحتاج إلى التدقيق فى معرفتها، وذلك من خلال ادراك
أن الغرب هو المكان الذي لا تنوي البقاء فيه وفي ذات الوقت لا تستطيع مغادرته،  وهو ما أطلق عليه هنا الانشباك اللا قصدى. لأن الغرب يطرح المعادلةالحضارية عبر طبيعة الواقع الذي جاء منه السودانيون والواقع الجديد الذي يعيشون فيه.
فالرأسمالية دوماً تطرح أن لا مكان أفضل من نطاقها، وهذا من خلال ما تصدره من أنماط حياة وسلوك استهلاكي قد لا توفره الدولة الوطنية وحتى لو سقط النظام الحالي، وهذا هو المأزق، فالغالبية تنوي العودة للوطن، ولكن تنعدم كل الشروط الجاذبة أو تستحيل حين التفكير في العودة للوطن، والبقاء يحتاج إلى نوع من التكيّف، والانخراط فى الواقع الجديد حسب قياساته، ووفق الشرط الرأسمالي فى الحياة وتحمل واقعها المادي الفرداني.
وهذا المأزق تتخلق من خلاله حالة الانفصال اللا أرادية نحو الجانبين، جانب الوطن الذي بات يبتعد تدريجياً حسب الانقطاعات التي يمر بها المهاجر، وجانب المهجر الجديد الذي يحتاج إلى نقلة جديدة للتكيف معه وفق شروطه الخاصة والذي يتطلب الانقطاع عن الوطن ولو قليلاً من حيث تركيز الأهداف.
هذا الواقع يشكل إرباكاً حقيقياً للمهاجر الذي ينزع للعودة للوطن، والوطن معلق المصائر، مما يحد من طبيعةتكيفه الكلي في الواقع الجديد  والاندماج الكلي فيه، وتصبح الحالة بتوصيفها النهائي شبه انتقالية، وهذا ما أطلق عليه حالة اللا هنا وحالة اللاهناك، أي الرؤيةالمسافرة. هذه الحالة الانشطارية قد تتراجع كلما بقي السودانيون في الغرب أكثر وبالذات لدى الجيل الثاني، لكن الجيل الأول يصبح متأرجحاً بين الحالتين ضمن هذه الرؤية العمومية.
ثانياً:
موضوعة الهوية الثقافية هي إحدى الاشكالات التي تواجه المهاجرين السودانيين. فالانتقال من هوية تتغاير كلية عن هوية الغرب ربما يعد اشكالاً يقابل المهاجر منذ قدومه الأول.
ويصبح هذا الأمر أكثر جدلية لدى الأسرة السودانية. وهنا يتبدأ نوع من الصراع اللا متكافىء من أجل تنشئة الأطفال السودانيين وفق الثقافة التي جاءت منها العائلة، مما يضع هذا الأمر الطفل السوداني في نوع من الازدواجية والإخلال بالمنهج الموحد في التربية.
لأن الارتباط بالهوية لدى الطفل السوداني يتم فقط من خلال دور
العائلة، فى مقابل مجتمع يمتلك كل آليات التأثير على الطفل على مستوى الهوية واللغة.
ويصبح الجهد المضني الذي تقوم به العائلة السودانية من خلال تعلم الطفل اللغة العربية ليس ذو جدوى، مع الاتفاق أن مفهوم اللغة  مفهوم مركزي لكن يتلاشى اثره في غياب الثقافة التي تقوم بتنظيم الجماعة وكذلك غياب الملاحم الجماعية والأبطال الشعبيين والتراث وقيم المجتمع والبيئة. ومن غير ذلك يحدث الانفصال من خلال تشكل طفل غربي يتناقض سلوكه مع الثقافة السودانية.
وتتبدى الصعوبة إذا عرفنا طبيعة الآلية المقابلة والعاملة على إدماج الطفل السوداني في الواقع الجديد.
ومن جانب آخر ينتج الصراع في الهوية نوعاً من الصراع الداخلي لدى البعض، ولتسكين هذا الصراع يلجأ البعض إلى الدين كملاذ أخير، ويبقى هنا انتاج للأزمة بشكل آخر وتقليص ضدي لمفهوم الحداثة، وكأن التاريخ يتوقف هنا وتصبح الحداثة في حد ذاتها شيئاً منبوذاً لدى البعض في تمثلاتها الغربية. مما يشجعني بالقول هنا، أنه أكثر افادة للحداثة الغربية أن يبقى المدافعون عنها في أوطانهم ليزداد حماسهم لتطبيقها، لأن مجرد الأحتكاك بهذه الحداثة في صورتها الراهنة قد يولد فعلا ضدياً، لما تختزنه هذه الحداثة في بعض جوانبها من اقلال لشأن الأعراق  والنساء  والمهاجرين.
ولهذا لا نستغرب الطرح الذي يصدره البعض داخل المجتمعات الغربية لفكرة ما بعد الحداثة لأن الحداثة الراهنة فقدت مبرر وجودها. وكذلك لا نستغرب وحسب قول إقبال أحمد، في
الباكستان ومصر مثلاً، لا يقود الحركات الأصولية المثيرة للاختصامات مثقفو الفلاحين
أو مثقفو الطبقة العاملة بل مهندسون وأطباء ومحامون تلقوا تعليمهم في الغرب. وحتى
سيد قطب المنظر المتعاظم للجماعات الدينية كان أكثر انفتاحاً قبل قدومه إلى الغرب،
حيث كان يتحدث قبل ذلك عن الفن والأدب وقد كان تلميذاً للأديب الكبير العقاد، لكن بعد عودته من أمريكا طرح مفاهيم تتصل بالحاكمية وجهالة القرن العشرين، وأصبح تلميذاً لحسن البنا.
إن الهوية الثقافية وتموضعها في الغرب لدى السودانيين تحتاج لافراد مبحث خاص، لكن هذه الاشارات تلخص جزءاً من هذا التشابك.
ثالثاً:
أدت الهجرة إلى الغرب إلى بروز الكثير من عوامل التفكك العائلي والصدامات الزوجية. فالعائلة السودانية هي بالأساس وهي داخل السودان ليست علاقة مجردة بين طرفين، إنما تتساند بالمجتمع المحيط، وهذا يعطي العائلة حصانة أكبر ويجنبها الانزلاقات نحو التفكك (طبعاً تراجع دور المجتمع في السودان كثيراً في ظل نظام الانقاذ، وأصبح التفكك الأسري ظاهرة جديدة نتيجة للظروف  التي تواجهها الاسرة). وبانتقال العائلة السودانية إلى الغرب فإن هذا التحصين المجتمعي قد تراجع
دوره. حيث أصبحت العائلة تواجه مأزقها منفردة دون أن يتدخل طرف آخر لايجاد الحلول، اللهم إلا طرف الدولة القانوني، وحتى هذا قد يستخدم في بعض الحالات بشكل سلبي يؤدي
إلى المزيد من التفكك لما يحتويه القانون في دول الغرب من صرامة في معالجة قضايا المرأة والطلاق. والجانب الآخر الذي يواجه السودانيين هو بعض الانحرافات التي باتت تحدث وسط بعض الأطفال السودانيين مدفوعين بالتأثر بالأطفال الجانحين في المدارس، وبعض وسائل الإعلام الجانحة أيضاً، مما أنعكس على مستقبلهم التعليمي، ومن ثم أدى إلى صراعات داخل العائلة حول تحمل الدور، وهو بدوره يقود إلى تفكك بعض العائلات السودانية. ويمكن أن يتم بحث شامل حول هذا الأمر، أذا تعاونت العائلات بهذا الخصوص، بالرغم من التماهي لدى البعض مع حالة الكتمان تجاه ما يحدث لأطفالهم.. وهنا أتجنب التعميم في هذا الأمر لأن هنالك عائلات سودانية عديدة استطاعت أن تتغلب على كافة الظروف ويصبح ابناءها من المبرزين.
رابعاً:
ظروف العمل في الدول الغربية تعتبر ظروفاً صعبة وبالذات لدى العناصر المتعلمة والمثقفة سابقا في بلدانها. وفي الغالب فإن الغرب لا يعترف بتخصصات إن لم تكن تم أعتمادها فى هذه الدول. ولهذا فقد وجدت مجموعات كبيرة من المتعلمين والمثقفين تعمل في مجال الأعمال الهامشية، وهذا بدوره يؤدي أحياناً لانعكاسات سالبة من حيث المردود المعنوي والمادي وينطرح السؤال الأساسي عن معنى الأدوار، حيث تتقلص العملية كلها في مجال توفير متطلبات الحياة الضرورية، ومن ثم الدوران في هذه الحلقة وبشكل شبه مفتوح، مع بقاء سؤال الوطن معلقاً، والأسئلة التي خرج من أجلها المتعلم أو المثقف معلقة. فالمشاركة الثقافية والسياسية في دول الغرب تكتنفها الكثير من الصعوبات وعادة ما يجد المثقف أو المتعلم نفسه معزولاً، قليل الفعالية يدور حول تأمين سبل الحياة اليومية ولا غير.
وهذا الأمر يضع المثقف في دائرة الهامش ويؤدي إلى حالة الانزواء والنظر للغرب كمعادل لا موضوعي. ولكن مع هذا قد نجد بعض المتعلمين والمثقفين الذين يرون انموذجية الغرب من حيث التطور، وبالتالي تصبح النظرة للأوطان مصحوبة بنظرة دونية تصل لاتهام هذه الأوطان ليس فى خللها السياسي فحسب، ولكن فى خللها البشري في حد ذاته، في  مقارنة الإنسان الغربي، والمنظور إليه وفق منظور الهوية الصافية بالإنسان في الوطن، والذي ينظر اليه كمتخلف طبعي، وهذا يؤدي للانفصال عند بعض المثقفين من الواقع الذي أتوا منه، منظوراً إليه كواقع لا يمكن تطويره بكون التخلف فيه جوهرانيا، وهذه إشكالية قد لا تكون عامة ولكنها بالتأكيد موجودة. وبالتالي يصبح هذا الهامش الذي وجد فيه المثقف نفسه في الغرب مكاناً مرموقاً في حالة هذه المقايسة الجزئية بين الغرب والوطن، الغرب المتقدم، والوطن المتخلف ولدى المجموعة الأخيرة تحديدا.
خامساً:
الكثير من البلدان الغربية تتميز بوجود المجموعات المتجانسة، وأقصد المجموعات الإقليمية القادمة من بلد واحد. حتى يمكننا أن نطلق على بعض مجتمعات الغرب بالمجتمعات المتوازية. وهذه التجمعات تلعب دوراً حيوياً في تهيئة الظروف للقادمين الجدد وتفعيل دور الترابط العائلي وتهيئة البيئة الملائمة للأطفال من أجل اكتساب الهوية. وإلى الآن لم يستطع السودانيون تكوين التجمعات الفاعلة التي يمكن أن تقوم بأدوار عديدة تجاه قضايا السودانيين في المهجر. فإذا كنا كسودانيين قد عرفنا بحالة المجتمع المتكاتف داخلياً، إلا أن هذا البعد لم يعد موجوداً نتيجة لحداثة التجربة لدى السودانيين وضياع الأفق استناداً إلى حالة النزوع بين العودة والبقاء، وإلى الواقع الجديد الذي لم يتم استيعابه بشكل عميق.
هذه عوامل ضمن أخرى عديدة تواجه المهاجر السوداني ويمكن أن يتم التسليط على جوانب أخرى منها في مقال آخر.
خاتمة:
هذا المقال محاولة متواضعة لفهم ظروف السودانيين في دول الغرب. إذ حاول التعرف على الواقع الذي يواجهه السودانيون ضمن رؤية غير مسنودة بمراجع ولهذا يتحمل كاتبه أي ضعف في التناول، لكنه وفي النهاية تصبح هجرة السودانيين للغرب قضية مهمة تحتاج إلى كتابة علمية تستند على بحوث شاملة.
هذا المقال هو جهد المقل لكن اتمنى أن يعكس جزءاً من الهم السوداني في الغرب.

ملحوظة: هذا المقال قد كتب قبل سنوات عديدة وتمت إضافة بعض التعديلات اليه مؤخراً.. *ﭠَڝَـدَرَ عـنَ حِـۤـزْب الَبعــثَ الَعـرَﭜَـيَ الَاشـَـﭠَرَاكَــيَ*
❇════════════❇
لِلِمِزِيِدِ مِنِ الِأخِبِارِ تِابِعِوِا صِفِحِتِنِا عِلِےِ الِفِيِسِبِوِكِ:

https://m.facebook.com/hadafsd/

????????

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.