السبت , مايو 18 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / مكتبة غالب طيفور / حكم قرقوش المعتقل رقم (17)


حكم قرقوش 
المعتقل رقم (17)

  
عندما نسمع صوت المفتاح يدور في القفل وصرير الباب يتحرك , فجميع من في الزنزانة ينهضون بين الحيطة والترقب , وخاصة حينما يتجاوز الزمن الحادية عشر ليلاً , ففي العادة يكون هنالك خياران , اولهم : هو إستقبال سجناء جدد , وثانيهم : يكون أخذ بعض المعتقلين للتحريات الليلية العنيفة , التي يستعيذ منها الجميع , وتكون الأنفاس تتسارع , والقلوب تخفق بإصوات يكاد يسمعها السجان , ونحمد الله انه كان زائراً جديداً , يحوي في طياته سحنة أبناء غرب السودان الأخيار , ذو لون أسمر قاتم , نحيف , هادئ الحركة ، بسيط الملامح , تظهر فيه ملامح النعمة .

حكم قرقوش المعتقل رقم (17)


حكم قرقوش 
المعتقل رقم (17)

   عندما نسمع صوت المفتاح يدور في القفل وصرير الباب يتحرك , فجميع من في الزنزانة ينهضون بين الحيطة والترقب , وخاصة حينما يتجاوز الزمن الحادية عشر ليلاً , ففي العادة يكون هنالك خياران , اولهم : هو إستقبال سجناء جدد , وثانيهم : يكون أخذ بعض المعتقلين للتحريات الليلية العنيفة , التي يستعيذ منها الجميع , وتكون الأنفاس تتسارع , والقلوب تخفق بإصوات يكاد يسمعها السجان , ونحمد الله انه كان زائراً جديداً , يحوي في طياته سحنة أبناء غرب السودان الأخيار , ذو لون أسمر قاتم , نحيف , هادئ الحركة ، بسيط الملامح , تظهر فيه ملامح النعمة .
 
دخل الي الزنزانة بهدوء , وأختار ركن قصي ليفترش الارض , فتهافتنا عليه بالكرم الذي ورثناه من ذوينا وأهلنا , لنقدم له جرعات من ماء (الماسورة ) الوحيدة المتوفرة لدينا , والتي تقع في حمام الزنزانة , وهكذا إكتمل عدد المعتقلين في الزنزانة الي الرقم (17) ذلك العنبر الصامت المخيف في الركن الأخير من سجن كوبر ( الزاوية ) , وقبل ان يضع كوب الماء في فمه كان يسأل أين نحن ؟ وما هذا المكان ؟ هذه الاسئلة التي يسألها الجميع من الوهلة الاولي ونحمد لله , ان هنالك دائما أخوة خبروا هذه الاسئلة فتكون ردودهم مطمئنة , تعطيك بعض الأمل بان الأمر بسيط لا يعدو الا ساعات وينتهي , لهم الشكر سناير كوبر الذين يصنعون فينا الثبات والقوة .
وكالعادة تبدأ الاسئلة , مالذي أتى بك هذا المكان ؟ ما هي الجريمة التي اقترفتها ؟ وتكون الردود علي حسب الشخصية , والعقلية التي تسالها البعض يراوغ والأخر يناور , والبعض يكذب , وهنالك من يصمت , خوفا من العملاء والمندسين داخل العنابر , ولكن هذه الشخصية البسيطة , كانت كتابا مفتوح , بدأ يسرد لنا التفاصيل يصراحة وهدوء .
الاسم: ( ناصر أدم ) من ابناء نيالا
سبب إعتقالي الهجرة الي إسرائيل لمدة ثلاثة سنوات ونص , وعدت الي جنوب السودان ومن ثم الي السودان , وكان معي اربعة من اخواني تم إطلاق سراحهم من مطار الخرطوم مباشرة بعد ساعة من التحقيق , وكان سؤالي له مباشر , وسريع لماذا ؟ ماهو السبب الذي يجعلهم يطلقون سراح اخوتك ويعتقلونك أنت ؟ ربما كان الموضوع لبعض المعتقلين معروف ولكني كنت أجهله , وحقيقة الامر لا يصدقه الا الذين عايشوه .
السبب ان الذين يغادرون إسرائيل تمنحهم دولة إسرائيل مبلغ (3500دولار) مساعدة من دولة اسرائيل لكل لاجئ دخل بلادها , وعمل فيها , هذا المبلغ معروف لجهاز الأمن السوداني , ومنذ وصولك مطار الخرطوم تستلمه منك ادارة الأمن ليصرف لك بالعملة المحلية ,  ويكون مقابله اربعة جنيهات سودانية لكل دولار بمعني واضح ( دولاراتك الجبتها من إسرائيل دي تتقاسمها معانا النص بالنص )  ومن ثم يطلق سراحك فوراً , وهذا القانون أصبح ينطبق علي أي عائد من دولة إسرائيل , واذا اتيت بدون هذا المبلغ او قمت بتحوبله يكون مصيرك السجن لمدة شهرين اقلها , وتكون بسجن كوبر , وفي بعض الحالات يجبر المهاجر بدفع المبلغ شريطة خروجه بعد الشهرين , واذا دفع المبلغ قبل الشهرين , يعاقب ايضا بتكملة فترة الشهرين , بمعني ( سيك سيك معلق فيك ) .
  
زميل زنزانتنا (ناصر)حول كل المبلغ الذي بحوزته لأهله لم يكن يعرف هذه المعلومات .
والمعلومات التي يعرفها لا تتعدي بعض الكلمات والتوبيخ من جهاز الأمن ومن ثم يوهب حريته , المعلومات التي ذكرها له القابعون من المناضلين في الزنزانة , وهذه المعلومات من كثرة التردد في سجون النظام , والحقائق التي قاموا بشرحها لناصر كانت مثل الصاعقة , لقد قضي الأمر , دفعت أم لم تدفع ( الشهرين محمداك يا ناصر ) أنه حكم قرقوش .
ولا يزال ناصر يضحكني بسرده لي لحظة مقابلة الضابط الأمن , وهو يساله عن الدولارات , وناصر يحكي له انه حولها من الجنوب لاهله , وفي هذه اللحظة يضرب الضابط التربيزة بقوة ويصرخ في وجهه ويقول له : (انت ما عارف بحولوها وين)  ويصرخ في العساكر الذين معه (حولوا الزول ده كوبر عشان يعرف بحولوها وين ) .
   
قرقوش ذلك الحاكم الظالم الذي إشتهر بالظلم والقهر والطغيان الذي لا يوجد مثيل له سوي هذا البشير وعصابته , بعد وفاته ذهب الناس لابنه الذي أصبح ملكاً خلفاً لابيه , وكانوا ينشدون إستعطافه , ظناً منهم أن يكون افضل من أبيه الطاغية , فقالوا له أن أباك كان ياخذ من كل ميت ثلاثة جنيهات رسوم الارض التي يدفن فيها , فصمت ابن قرقوش برهة واصدر قراراً , بان قيمة دفن الاموات ستكون خمسة جنيهات للأرض , ونظام الدفن ( قذ) حتي لا ياخذ الميت حيزاً , ويعطي مساحة للآخرين .
  
يومياً يقف ناصر في شباك البلاغات مطالباً بمقابلة الضابط المسئول عن قضيته , ولا حياة لمن تنادي , ويومين يصرخ ناصر بجملته المشهورة     (هل يعقل أن يكون اليهود الكفرة أفضل من بني جلدتنا المسلمين ).
وفي تلك اللحظة جميع من في المعتقل يصرخون فيه ( اها عرفت بحولوها وين ) فيعود ناصر بعد سماع صراخنا أدراجه خاضعا ذليلا .
أخي ناصر هؤلاء الذين يتقلدون الحكم في بلادنا متأسلمين وليس بمسلمين , خانوا الوطن , وخانوا الارض والعرض , وانتهكوا الحرمات , فالمسلم من سلم الناس من يده ولسانه , ونحن لم نسلم من أياديهم والسنتهم .
الثورة قادمة لامحالة 
والعصيان هو الحل ..
GHALIB TAYFOUR

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

أصدر تحالف قوى الاجماع الوطني احد مكونات قوى الحرية والتغيير بيانا،انتقد فيه الميزانية التي اجازتها الحكومة الانتقالية

Share this on WhatsApp#الهدف_بيانات أصدر تحالف قوى الاجماع الوطني احد مكونات قوى الحرية والتغيير بيانا،انتقد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.