30 يونيو 1989 …
الساعة الآن في الخرطوم الثالثة .. قبل الفجر
في هذه الأنحاء الزمنية … قبل هذه الساعة او بعدها … قبل سبعة وعشرين عاما …
عربة تاكسي قديمة … تدخل متلصصة .. شارع في كوبر … حيث يقيم ..الضابط ..عمر حسن احمد البشير … بدون ان تضئ انوارها … لتحمله الي القيادة العامة للجيش
معركة صغيرة تدور امام منزل قائد الجيش الفريق فتحي … تنتهي باستسلام حرسه الخاص ..
قبل ذلك بسويعات … الجمعية التأسيسية ..تجيز الموازنة العامة … بعجز مقداره ..
12 مليار جنيه ..او اقل من ذلك ..
الدولار يعادل ..عشرين جنيه سوداني
الحكومة آنذاك .. تدعم السلع الاساسية
والعلاج ..والتعليم …
وليس لها موارد ..مثل البترول والذهب
ومثل .. بنك الجبايات المفتوح علي مصراعيه امام جحافل النهب الانقاذية … من جيوب الشعب ..
وتضئ ..شارة الشؤم ..الاولي .. سريعا … كشارة الشياطيين المرجومة .. ثم تختفي …
حين يقتل احد منفذي الانقلاب .. بالخطأ ..امام السلاح الطبي ..وهو يعلق علي كتفيه رتبةً كبيرة … !
و يصدق ..الشؤم .. ويتوالي …الدم ..!
وقبلها بفسحة زمن صغيرة .. يصعد الشيخ الدكتور حسن الترابي منصة الخطابة في ندوة الميدان الشرقي بجامعة الخرطوم .. ليقول …
انعي لكم …الديموقراطية … !
ويتبعه ..رأس رمح الاعلام الاسود … حسين خوجلي .. ويكتب …
ننتظر فعلا .. يصُمُّ ..الآذان … !
والنعي ..هو نفسه … الذي يبدأ به حزب الامة القومي … اول ندوة .. بعد خروج الامام من المعتقل … لكنه .. يستبدل الكلمة الاخيرة
ننعي لكم … الحوار … !!!
التاكسي الاصفر القديم … يصل قيادة الجيش
وبعده بسنوات … سائق التاكسي .. يتحول الي سائق امجاد .. في شوارع الخرطوم ..مبتعدا ..عن زبونه تلك الليلة ..ورهطه …
والدكتور الترابي … يُعد شنطته ليدخل السجن .. حتي تمر خدعة الانقلاب ..ليحفر .. بإصبعه في التاريخ .. مرقدا ازليا .. لجملة …
اذهب الي القصر رئيسا ..
وسأذهب الي السجن حبيسا …
ولكن .. لعنة الانقلاب .. تطال اول ما تطال … الشيخ نفسه … اذ ..جري انقلاب آخر سريع ..علي خطته ..وهو في السجن … ليعود اليه بعد عشر سنوات من عمر … انقلاب الجبهة الاسلامية … حبيسا .. والقصر .. برئيسو ..!
وتتوالي لعنات الانقلاب … فتخسر الجبهة ..عشرين الف من شبابها ..صادقين وغير ذلك وتخسر اقوي تنظيم سياسي .. ويذبح كل المشروع امامها … بسكينها التي استطالت .. لتشمل كل السودان …
ارضا .. وشعبا … ودينا .. !!!
في مثل هذه الساعة .. قبل ربع قرن …
دخل السودان … ممرا من جهنم …
أكلت نار سعيره .. ثلث الارض ..
وحرقت حد التشويه .. الثُلث الثاني …
ويقف ..الثلث التالت .. علي السراط المستقيم
يرجو رحمة ربه … او .. يسقط في قاع جهنم ..!
والدم ..الذي انطلق من احمد قاسم ..منسوب الانقلاب نفسه … يدور .. ويدور …
كسيف صارم بتّار .. بيد مجنون …
فتسيل الدماء … من كل قطعة جسد …
في اكبر مذبحة … يشهدها التاريخ الحديث في السودان …
يفتتحها مجدي وجرجس .. ثم الباذخ علي فضل …وظباط 28 رمضان .. وطلاب جامعة الخرطوم ..والجنوب …
ثم طلاب معسكر العليفون الخضر الحواصل ..
ثم ..دارفور … كبد الامة … والمناصير
وبورتسودان … وطلاب الجزيرة …
ثم … جنوب كردفان .. ثم سبتمبر …
انفجار دموي … لن يمحو اثره الاعتراف او التوبة … او الخوف علي الجنين … !!!
والدم … تجاوره ..سعيدةً ..
السجون والمعتقلات ..
والمنافي والمهاجر …
حتي حدود العدو ..اسرائيل .. !
وكانت الانقاذ … كلما جاع غولها …
اطعمته ..من دماء الشعب ..
حتي لا يأكل منها …
فهي تعلم انها …غول اسود قبيح ..!!!
غول .. لم تستر حقيقته .. لافتات القماش المهترئة .. والتي ..دست خجلتها هي نفسها
خلف الشعارات التي حملتها …
شريعة سريعة ولا نموت ..الاسلام قبل القوت ..
هي لله ..لا للسلطة ولا للجاه …
لا لدنيا قد عملنا .. نحن للدين فداء
امريكا روسيا قد دنا عذابها ..
فالشريعة .. يتحكم فيها البيت الابيض
والاسلام .. اكلوه .. مثلما هضموا القوت
كل القوت .. !
والسلطة والجاه … جعلتهم يقتلون بعضهم بعض .. بالفضايح …
وغرة الصلاة علي جباههم ..اجمعين ..!
وامّا الدين .. فيا حليييل الدين ..ايّا كان ..!
نعم …
ان الثلاثين من يونيو 1989 ..
هو …
ميقات الشر ..الأعظم … !!!
وان ..رفع … المصحف … !
..
محمد فول …..