رغم ما كشفته قوائم الأموال ( الكيزانية ) الموقوفة بقرارات العقوبات الأمريكية علي حكومة الخرطوم ، لم يتعرض الديكتاتور البشير طوال ال 28 عام إلي هزات فساد في محيطه الخاص القريب مثلما تعرض إليه في ثالوث حوادث فساده الخاص ، الشهيرة المُكتشفة و المفضوحة بالأرقام و التفاصيل و المستندات الدامغة ، حيث تصدرت أسرته بطولة الفضيحتين الأولي و الثانية و جاءت الاخيرة من نصيب سكرتيره الخاص جدا في دوائر طاغوته المطلق .. أُضيفت إلي ذلك نشرات عالمية ترصد حجم ما قام ( بتجنيبه ) هو بنفسه في حساباته الخاصة بالخارج ! مما وضعه في أشد حالات فقدانه لثقة حكومته فيه و ثقة المقربين منه في دواوين حكمه و كذلك ثقة الحزب و لقد جعله ذلك رمزاً صارخاً لقمة جبل الفساد الإنقاذي و لم تعد تقوي أصوات المؤتمر الوطني علي الدفاع عنه أو محاولة تبرئته كما كانت تفعل من قبل لإبعاده من التهمة و الإشتباه ، فأنّي لهذه الأصوات أن تفعل و قد صار فساد الديكتاتور واقعاً مفضوحاً مُحبطاً لها و للجميع . كما قطعت هذه الأخبار بما لا يدع مجالا للشك ، قطعت بتأكيد كل قوائم الفساد ، المسرّبة منها و المخفية ، ما ظهر منها في تقارير المراجع العام تكرارا ، و ما اعترف به ( برلمان الخيبة ) و ما دخل الدوائر القانونية ( و خرج بالتحلّل ) و ما ورد في الصحف و النشرات و غيرها مما أُذيع و ما لم يُذاع من فسادٍ تخطي مئات الملايين من الدولارات و دخل في العد الملياري .
تزامنت أزمة الفساد الحكومي علي قمته و التي تفجرت أخيراً ، تزامنت مع أزمة أمنية متصلة به ، خلّفت مزيدا من إنعدام الثقة بين بيوت القرار خاصة الجيش و القصر ، لدرجة أجبرت وزارة الدفاع للخروج بتصريحات علّها تفيد بعدم صحة محاولة إنقلابية ، فتؤكدها دون قصد !
أزمتي الفساد المالي ( الرئاسي ) و الشرخ الأمني و العسكري ( الإنقلابي ) ، جاءت في وقت لا يحتمل فيه قصر البشير هبة ريحٍ ناهيك عن أحداث جلل كهذه . فهو في كل الأحوال في موسم نكبات حتماً ستؤدي بمصيره إلي إنهيار تام محلي و إقليمي و دولي ولو علي المستوي الخاص به إلم يكن بحكومته .
البشير هو أكثر المحاصرين الآن في الشرق الأوسط ، و أكبر المتضررين من الأحداث الإقليمية حوله و كأنه هو المعني بها و ذلك لأنه الحلقة الأضعف ، حيث لا عود له يستقوي به أمام هذه التطورات ، و يستند إلي حكومة ( مُلتّقة ) رخوة قاصرة ، ولا موقف إقليمي أو محلّي مشرّف واحد يشفع له ، و لا صديق و لا رفيق ، بل لا يصدّقه أحد ، كذوب و مراوغ .. أصبح في عزلة سياسية دفعته لأن يبدأ مشوار تسفاره و إستجدائه الناس بالعودةً من الصفر ، لكنه صفر كبير هذه المرة لن يبارحه و لن يجد معه سنداً ولا ( نقّاطه ) ! حتي مصر الوضيعة تتفوق عليه في الجولة الإقليمية و لو علي طريقتها الخجولة و رغم دورها الإقليمي الثانوي جداً ، فيسكت بذلك البشير و ( أبواغه ) عن حلايب المحتلّة مصرياً و عن إدعاءاته بتحريك الجيوش شمالا و نشر إعلامه التنظيمي للفيديوهات الترويجية الكاذبه ، كما انه يسكت و اعلامه عن اسطوانة التباكي العاطفي بعبور مصر للحدود السودانية بآلياتها دعما لحركات دارفور .. و وزير خارجيته يعود من مصر منكفئا ثم يلوذ بالصمت .
و في الجانب الآخر لا أحد يعيره اهتماما شرقاً رغم تنفيذه التعليمات بحماية اللص طه . و رغم تنفيذه من قبل لكل التعليمات السابقه .
يحدث ذلك و ممثل البعثة الدبلوماسية الامريكية بالخرطوم ينكأ الجرح الانقاذي مرة أخري و يخيّب الأمنيات الوردية فيطلقها صريحةً بعد عودته من الفاشر و في مؤتمر صحفي مُذاع ، بأن لا مجال لرفع أي عقوبات عن البشير و حكومته في يوليو المقبل ، بل أنه يتوجب عليهم السمع و الطاعة و التعاون الأمني المطلوب .
أما الشعب المغلوب علي أمره فمختنق بالموت و الكوليرا و الأوساخ المتراكمة في الشوارع و الدور و المؤسسات .. و فقرٌ قاتل ، وصل فيه الناس في مناسبتي رمضان و العيد حد الإنعدام التام و حد الكفاف .. بينما أهل سلطته في برك و مستنقعات فسادهم النتنة يتنعمون مجردين من رائحة الشمّ ، كل ينهش في لحم مال الشعب بما استطاع من قوة و من تمكين .
و ليس من أفق اقتصادي أمام البشير فقد لجأ مرة أخري لتسويق الاراضي بملايين الأفدنة يبحث عن مزيدٍ من ( الزبائن ) و المشترين ، فتضيع أرض السودان علي يده في إستعمار إقتصادي مقنن .. كل ذلك ليجد البشير ما يسير به دواوين عمل حكومته المليونية ، في كل ديوان منها جيشٌ من المرتزقين الدنيئين آكلي قوت الشعب .
فماذا سيقول الديكتاتور في احتفاليته بالديكتاتورية الفاسدة !
*هشام مختار*