السرقة بأمر الدولة…

دائما تستحضرني ..وتستوقفني.. قضايا النهب والإختلاس التي تميزت بها حكومة البشير ، والتي ليست لديها سقوفات في الكم والكيف للنوعية أو الكمية التي يسلبونها فالأرقام  المختلسة تكون دائما فلكية ، ونحن كمواطنين بسطاء نحتاج أن نجلس لنسمع الرقم المختلس ، ولو سمعته وانت واقف فربما تسقط من هول ضخامته ، وكلما تضخم الرقم المختلس كلما كان صاحب الجريمة حرا” طليقا” خلال سويعات ؛ وذلك نابع من قانون المتأسلمين المعد مسبقا” لهذه الحالات وتبقي القسمة هي التي تأخر المختلس من العودة سريعا” لأطفاله ، لقد اصبح في نظرنا مجرما .. أما في نظر الحكومة فهو المتحلل او التائب ، فيعود خالي الوفاض فجميع الوسطاء الذين ينبرون لمعالجة الوضع ياخذون أتعابهم وهو مجبر علي التسويات للخروج بأقل الخسائر عسي ولعل أن يوفق في الإختلاسات المقبلات .

حكمت علي محكمة جرائم ضد الدولة بغرامة (اثنان مليون) وفي حاله عدم الدفع أربعة شهور سجن . وكان القاضي (اسامة حسن) علي ما أذكر فقد تصارع مع المحامي الخاص بي بعد غياب الشاكي الخاص (بجهاز الأمن ) لأكثر من ست جلسات متواصلة ، وطالب المحامي بشطب البلاغ او اصدار أمر قبض للشاكي ، ولكن قضاء المتأسلمين البائعين للذمم يخافون من كلمة (جهاز الامن) فيحدد جلسة اخري ، الا أنه تصادف وجود الشاكي في قاعة أحد القضاة الآخرين ، وبالصدفة شاهده القاضي فطالب الحاجب ، بإحضاره وتم احضاره ، فغضب المحامي من سلوك القاضي وكاد ان يشتبك مع القاضي بالايدي ، في ظاهرة غريبة وهي : ان يطارد القاضي الشاكي ويحضره من قاعة محكمة اخرى!! وحضر الشاكي متعذرا” بانه مشغول بقضية هامة . وكان بلاغي تحت المادة (107) تستر حاول ضابط الأمن التهرب من معظم الاسئلة ، وذلك لإحساسهم بأنهم اخذوا حقهم القانوني من خلال تعذيبي في المحاكم ، وسجني اكثر من شهر ، وهذا هو ديدن (جهاز الأمن) فهم يعذبون ضحاياهم بين الذهاب والعودة والمرمطة في المحاكم ، والمراسلات والتهديدات ، حتي يتم ارهاقك ، وادخالك في دوامة نفسية متكررة ، وعادة عندما تصل القضية للجهاز القضائي يبدءون في تأجيلها وتطويلها فالمواطن هو المتضرر وهم لايتأثرون فهذا عملهم ، ولا يتكبدون أي مشاق ، والمؤسف ان هنالك قضاة ، يعتقدون ان هذه القضايا تقربهم زلفى للحكومة فتجدهم مجتهدين أكثر من (جهاز الامن) ورغم الاخطاء التي يتميز بها جهاز الامن في تحصيل المعلومة وسلوكهم الفظ ، والمخالفات المتكررة التي تبطل المواد القانونية وتضعف الاجراءات ، كل ذلك لا يهتم به القضاء فقد ارتدى عباءة الظلم واصبح أعمي عن الحقيقة ، ورغم فشل ضابط (جهاز الامن) عن الرد عن جميع الاسئلة فقد جاءت النتيجة بإصدار حكم بتغريمي مبلغ (اثنان مليون) وفي حالة عدم الدفع أربعة شهور سجن ، ويقال ان القاضي لديه نسبة في هذا المبلغ ! –والعهدة على الراوي–.
وجدت نفسي في سجن امدرمان القسم (نيفاشا) والتقيت هنالك بشباب كثر من ضمنهم (علي ومنتصر وعبدالعزيز) وكانت قضيتهم مختلفة رغم محاولاتهم لاخفائها فقد كان محكوم عليهم بسنتين سجن وغرامة (خمسة وعشرون مليون) لكل فرد وقضيتهم هي سرقة متحف الخرطوم فهؤلاء الشباب بتوجيه من أحد المسئولين عن واحد المطاعم الكبيرة قام بإقناعهم بسرقة المتحف وطريقة التنفيذ ، وتم العمل بالصورة المتفق عليها  ، وتم ملء شاحنة بالقطع صغيرة والكبيرة من الأثار ، واستطاعوا إخراجها ، وكانت اول ما تم بيعه هو مخطوطة ورق بردي تاريخها قبل (خمسة الف سنة قبل الميلاد)  بيعت بمبلغ (خمسة مليون) دولار وانهمرت عليهم الاموال تباعا” بعد كانوا ملابسهم رثة وجيوبهم خاوية اصبحوا يركبون سيارات موديل العام ، فقاموا ببيع آخر قطعة لأحد التجار ، حاول التاجر ان يخرجها بمطار الخرطوم فتم القبض عليه وبدوره احضرهم بعد تم ارهابه ، وهم بدورهم احضروا صاحب الكفتريا المشهورة في الموردة ، وشهدت نيابة جرائم ضد الدولة هذه الاحداث ، وقبل ان يهجم افراد جهاز الامن علي صاحب الكفتريا طلب من (محمد فريد) وهو رئيس النيابة في تلك الفترة بالاتصال (بصلاح قوش ) ، ليصمت الجميع بعد أن اتصلوا (بصلاح قوش) وكان مشغولا” باتفاقية (جون قرنق) خارج السودان أنئذاك فطلب من (محمد فريد) إغلاق الملف حتي حضوره .
وبعد حضوره جلس جميع الاطراف وتم الاتفاق ان يكون الحكم سنتين وغرامة خمسة وعشرون مليون وبامكانكم الاسترحام لتكون سنة ، وقبلوا هذه التسوية ، اما المعلمين الكبار فلا مساس ، وطبعا هذا يدل علي ان جميع ما يسرق وما ينهب من الوطن يكون بأمر (جهاز الامن) وينفذ علي طريقتهم .
قامت اسرتي بدفع الغرامة التي تخصني وخرجت بعد تركت ثلاثتهم يعدون الأيام والليالي ليخرجا ويستمتعا بالثروة التي تركوها في الخارج ، وحتي يعلم الجميع ان ما تم سرقته من المتحف يقدر بمبلغ (40) مليار دولار ، ورغم هذه التقدريرات فيعد المبلغ ضئيلا” بالنسبة الي أنها آثار وحضارة لا تقدر بمال …

Ghalib Tayfour