الخميس , مايو 9 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / *قصاصات* *ارواح تائهة(2)*

*قصاصات* *ارواح تائهة(2)*


لقد وقعت في فخ والمشكلة إنني لا أستطيع ان أتحدث فالجميع أصبح يعلم بانني أبكم حتي الليبيين الموجودين وسطنا ، واذا حاولت رفض السفر معهم سيكون مصيري الموت ، فالجميع داخل المخزن كما يسمونه تنقطع علاقاتهم بالعالم حتي يدخلوا البحر ولا سبيل للعودة ، كان اصحاب المشكلة يجلسون بقربي ويهمسون لي بان أوروبا هي الحلم والأمل المنشود ، وسوف تحقق طموحاتك ، ولا تخاف فالموت واحد والرب واحد . وانا مجمل طموحاتي وتفكيري هو وجبة هنية ، وإرسال بعض المصاريف لأهلي ، والمشكلة كلما حاولت الرد عليهم منعوني وكان تمثيل دور الأبكم فيه صعوبة من حديثهم عرفت اسمائهم فصاحب المشكلة يدعي (محمد مدثر) ، والثاني (أشرف ابراهيم) ، وهم من منطقة كبكابية بغرب السودان .
وتفكيري منصب  في الخروج من هذا المخزن فقد صار امرامستحيلا، أعد السودانيين المتواجدين بالمخزن لنا وجبة ثلاثتنا وكنا جياع ، والمخزن او الورشة كانت معدة جيدا وممنوع الخروج او التحرك الا لصلاة المغرب والعشاء اي بعد هبوط الشمس وذلك ؛ نوع من التأمين ، هذه الأوامر تليت منذ حضورنا والجميع مهتم بالتوضيح لي بالاشارات ، ومن شدة خوفي وهم يتحدثون بقربي واسمع حديثهم كانه آتي من مكان بعيد ، وكلما حضر الحراس الليبين شعرت بالقلق فهنالك ليبي اصبناه يبحث عنا ، وبدأت الشمس تختفي ويهبط الظلام والمفارش التي  بالارضية ممتلئة بالمهاجرين وهم موزعين علي حسب بلدانهم ، وكثرة الحركة للصلاة وانا اتذكر الاحداث الغريبة حتي جاءنا الرجل الذي احضرنا ويدعي (النذير) وهو صعب المراس ، وقال :
لا تناموا ستكون هنالك رحلة اليوم وتقدم (محمد مدثر) نحوه ومنحه (500) دينار وقال له انه نصيب الأبكم وهو يشير لي ، وخرج وسمعنا صوت سيارته تتحرك ، وسحبتهم وانا احاول أن اثنيهم عن قرارهم ولكنهم كانوا قد حزموا أمرهم وانتهي الأمر ، طلبت منهم جوال فجوالي تركته في الكفتريا فاعطوني أحد الجوالات وصاحبه ينتظرني ، واتصلت علي أحد أخوتي عن طريق مكاتبات (الواتساب) ولم استطع أن أحكي له شيئا سوي أن هنالك موضوع مهم في العمل ، أخبر والدتي بالدعوة لي والعفو عني ، وصاحب الجوال يقف في رأسي مستهزئا بان الأبكم يكتب بصورة سريعة واعدت له جواله واسمع صوت الرسائل تتوارد ويبدو أن أخي شعر بأني مقدم علي أمر خطير ، كانت الزمن يسير وكأنه يطير حتي ظننت انه يريد ان يغلق صفحتي من الحياة !
وسمعت السيارات تحضر وعرفت ان المنطقة المتواجدين بها تسمي (صبراطة ) وهي قريبة من البحر وطلبوا منا اخذ حقائبنا والصعود للسيارات كانت الساعة تشارف علي الثانية صباحا والمسافة التي قطعناها أقل من نصف ساعة لنشتم رائحة البحر وذلك الجرف العالي ، وكان كل شئ معدا، وهنالك مغلف كبير بدءوا في فتحه وظهرت انبوبة ضخمة والواح من الاخشاب العريضة ، وهبطنا من المكان المرتفع للبحر وحولنا الليبيين يحملون الاسلحة وفي لحظات بدأ شكل المغلف يكون قارباووضعوا من فوقه الألواح الخشبية بطريقة هم يفهمونها ، وكأن الأمر رحلة صيد ، وسمعت الليبي (النذير ) يوجه السائق وهو أحد التشاديين الصغار في السن طلبوا منا دفع القارب الذي تم تجهيزه داخل المياه ، وطلبوا منا الصعود وكانت هذه أصعب جلسة جلستها في حياتي ، ونحن نصطف داخل القارب ، جاء أحد الليبيين وصرخ فينا:
أين الثلاثة الذي جاءوا في النهاية فأشار الجميع الينا فقال :
هنالك بلاغ بأنكم ارتكبتم جريمة قبل حضوركم ، يبدوا انهم كشفونا وانتهي الأمر وطلب منا النزول من القارب ، يبدوا أن الموت يطاردنا ، ولكن صوت (النذير) جاء من بعيد :
اتركهم فأنهم ذاهبون في رحلة تتساوي فيها نسبة الحياة والموت ، كنت أرتجف فقال له :
يجب ان يعاقبوا لقد ضربوا ليبي وهربوا فقال له : اتركهم طالما أنه لم يمت ، فنزل ليبي من ظهر القارب بعد أشار لي لو فشلت هذه الرحلة فسأقتص منكم ، وفي هذه اللحظات وزعوا المهام .
هؤلاء تجار البشر منظمين فقد سلموا البوصلة أحد المهاجرين وحدد له المسار بدقة ، ونحن مترادفين في هذا القارب الذي يشابه الأنبوبة الضخمة كما سلموا مسئولية الوقود لأحد المهاجرين وتم اعطائه بطاريه ، وبينوا له كيف يضيئها ، لمعرفة الوقود وتغيير الوصلة للباقة الإحتياطية ، ومنعهوه من الاضاءة بصورة مباشرة ؛ لان هنالك قراصنة في البحر .
كان العدد (121) مهاجراداخل هذه الانبوبة ورفضت أن أجلس في الحافة ، وجلست في وسط القارب والليبيين يضربون بأيديهم مرة ومرة بما يحملون ، وكان الجميع مرعوبين ، وهنالك عدد كبير من النسوة ، والاطفال ، وكان الليل حالك وطلبوا من السائق الانطلاق ، وانطلقنا وكان يسير بجانبنا زورق يتبع لهم ، وكانت توجيهاتهم صارمة والمسئول من البوصلة بجوار السائق كانت الأنبوبة تتراقص في الماء وهذا السائق تم تدريبه قبل ساعات من الرحلة ، ونحن نحشر داخل بعض فهذه العددية كبيرة لم اترك سورة في القرآن الا وقرأتها ، وحولي الصديقان الجدد (محمد واشرف) وهم يطمئناني واشعر انهما يحتاجان أن يطمئنا أنفسهما.   
كان البحر هادئ ، ونسمع صوت زورقهم يتابعنا من بعيد حتي إختفى ، وحقيقة قبل سويعات كنت داخل كفتريا – سبحان الله – ، أكثر من ساعتين الانبوبة تنطلق وبدأ الشفق ، وشعاع الضياء يعلو مع تقاسيم الصباح والجميع بين متزمر وواجم ، ولا نسمع سوي صوت الموتور حينا يشق الصمت وهو يشق المياه بهدوء .
ثم ظهر قارب صيد متوسط ولكنه يتجه نحونا بسرعة حتي جاورنا وبرز منه ثلاثة شباب من العرب يقفون في حافته طالبونا بالتوقف وهم يحملون أسلحة ، فتوقفنا حتي التصقوا بنا وطلبوا من السائق ان يعطيهم الموتور الذي يحرك الأنبوبة ، انهم قراصنة البحر صرخ كل من في المركب لا يمكننا ان نعطيك الموتور فماذا سيكون مصيرنا ، فاشهروا سلاحهم وقالوا سنثقب الانبوبة وكانوا جادين بصورة غريبة وكأن أرواح هذه البشر لا تعنيهم ، فسحب السائق الموتور ومعه صاحب البوصلة والنساء يترجون القراصنة بترك الموتور ولكن القراصنة أخذوه وانطلقوا ، وكأنني أحلم ما هذا ؟!
وبدأت النسوة تبكي لقد اخبرناهم إنا معنا نساء لم يهتموا ، واطفال ايضا لم يعيرونا انتباها ، انطلقوا ليبيعوا هذا الموتور بحفنة جنيهات ، أن أرواحنا في هذا البحر بدراهم معدودات ، لقد قضي الأمر ، واصبحت الانبوبة تتماوج في عمق المحيط بدون هدي .

(يتبع)

Ghalib Tayfour

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.