لكي يكون هنالك إستيعاب وتفهم منطقي من قبل المعارضات للولوج لعقلية المواطن البسيط المغلوب علي أمره ، وإقناعه باهمية ازالة الأنظمة الشمولية القمعية وترسيخ مفاهيم توعوية تجعل التغيير واجب وطني وفرض عين علي كل وطني غيور ، ولكي يتحقق ذلك يجب اولا” : أن ينزل المستنيرين والحادبين علي مصلح الوطن من عروشهم لبراحات الواقع ويفترشوا بساط التوعية بصورة مباشرة ويزيلوا الغشاوة التي تختزن داخل أدمغة شعبهم التي تحتاج للمخاطبات المباشرة والإطروحات المبسطة والمفاهيم توعوية والتعبوية ، وتقدم تفاصيل تنويرية تقرب الوجهات النظر وتشيد جدار ثقة ، وتخلق تجانس مجتمعي ؛ وتبني علي أسس متينة نسميها (الدوافع) التي من أجلها تتحرك الجموع لتصنع المعجزات ، وهذه المعجزات تحققها الدوافع المستندة علي وقائع ومحفزات مستقبلية ، وآمال بتجديد الحاضر وتنوع القادم ، ولكي نشرح الصورة للجميع ، أسوق اليكم مثالا” بسيطا” ليكون استدلالا“، لنظرية الدوافع والمحفزات .
عندما استلب نظام البشير السلطة في السودان من سنة (89) بواسطة المتأسلمين كانت أول أعمالهم هي انتهاج العقيدة او (الإسلام السياسي) كمفهوم ومنهج تسييري ، محفزا” ومقنعا” للمواطنين البسطاء المتقاربين بفطرتهم للإسلام ، ففتحوا للشعب دروب الجنة دافعا” للاغراءات ، ومسارا” لطاعة الإله بشريعة ما قامت ولن تقوم الي يوم ساعة . وكانت دافعا” لجلوسهم علي سدة الحكم ، وشيدوا جنانا” في الارض وحور عين في السماء ؛ تلبية لطموحات البسطاء ، وهذا ما يتشابه مع مسالك الكاثوليكية في قرن “الخامس عشر” عندما فتحوا باب الجنة عن طريق (صكوك الغفران)
( Indulgence)
وتلك الوثيقة التي كانت تمنح من الكنيسةالرومانية الكاثوليكية مقابل مبلغ مادي يدفعه الشخص للكنيسة يختلف قيمته باختلاف ذنوبه ، بغرض الإعفاء الكامل أو الجزئي من العقاب على الخطايا والتي بها ؛ يتم العفو عنه بضمان صكوك الغفران من الكنيسة بعد أن يعترف الشخص الآثم ليتلقى الإبراء ، ليخلقوا بذلك حافزا” بعد الموت لدخول الجنة ، وتكون اداة لتثبيت هيمنتهم العقائدية ، وهذا ما سلكته حكومة المتأسلمين في زماننا هذا فقبعت علي سدة الحكم سنينا عددا ، حتي انقشعت الظلمة من عيون المواطنين ، وإنكشفوا المتأسلمين بما كانوا به يدعون ، فغيروا محفزاتهم وعدلوا دوافعهم بنشر برنامج مغاير وصنعوا آمالا” وهمية كالبترول ، والذهب ، والنهضة العمرانية القادمة تكون فائدتها حافزا” للوطن والمجتمع ، ونبذا” للفرقة ، والشتات ، فشيدوا غطاء من الآمال لعقلية المواطن الذي يعيش علي أحلام مبنية علي سراب ، وجعلوا طموحاته ومصالحه تبني علي مستقبل مشيد علي الوهم بفترة زمنية غير مقيدة ، وانتهجوا مبدأ الترهيب والترغيب معه ، يلوحون بعصاهم تارة في الهواء وتارة بها يضربون ، فخلقوا في نفسية المواطن هالة من الرعب والخوف.
هذه القراءة التوضيحية لمفهوم الدوافع والمحفزات التي استغلها المتأسلمين كأسباب إتخذها الكثيرين من الطغاة الي مجري العصور للسيادة المطلقة ، وهذه المفاهيم دائما” ما ترجح الكفة اذا كانت مبنية علي مصداقية أوثقة ، أو مبنية علي كذب ونفاق ولكن إختيارات متأسلمينا تشابهت مع طبائعهم وهي: الكذب والنفاق لأنهم خبروه وبرعوا في انتهاجه ، فكان لابد للحقائق أن تتضح يوما بعد يوم .
كما أن إستغلال الأنظمة الشمولية لهشاشة المعارضات وإصطياد أصحاب النفوس الضعيفة فيها ، وتقديمهم لشعوبهم علي أنهم أسوة سيئة ، يصعب الإعتماد عليها للمستقبل المنتظر ، ولا يمكن أن يكونوا منارة للخلاص ، وهذه كانت من أكثر الادوات أحباطا” للشعوب ، وهذا هو عنوان الحكومات الشمولية التي تستغل وهن وضيق ذات اليد لبعض المعارضين الذين تصنعهم بإعلامها وتخلقهم ابطالا” لتدوسهم بأقدامها عبر المفاوضات والمهادنات والحلول المنصبية لتحدث بهم شرخا” للبقية الصامدة من المعارضين وتهتز صورتهم علي النطاق الشعبي ليكون جرحا” يصعب إندماله ، لتكون النتيجة كارثية بالنسبة لنفسيات المواطن ، وسقوط كامل في فخ الإحباط .
وهذه الصورة التي اوضحناها تعقبها السياسات الإقصائية والاتهامات داخل أروقة المعارضين فتكتمل الصورة ليكون الدافع هو تفكك المعارضة وإحباط همم الشعب ، والمستفيد من ذاك الغسيل القذر هي الديكتاتوريات التي حصدت ما زرعت وبمال الشعب ، وباعت واشترت بحقوقه الذمم وروجت للإشاعة لتكون حقوق النشر محفوظة للإنظمة القمعية المستبدة وتتوالي إعلانات بأن هنالك خائن داخل أروقة المعارضة ودوافع خيانته الإرتزاق والفوائد المادية او المنصبية ، وكل ذلك ناتج من عدم إحترام المعارضيين للبنيات التنظيمية وعدم تقبلهم للرأي والرأي الآخر وضيق أفقهم في التعامل مع الديمقراطية التي اصبحت معوقا” لهم في العمل العام لشح مفاهيمه .
واذا أردنا ان نكون عمليين بعض الشئ فيجب ان نسأل انفسنا ، أين الدوافع التي خلقتها المعارضة لتجعل من هذا الشعب بركانا” يغلي بعد ان طفح الكيل ، واستشري الفساد وتقزمت البلاد ؟ هل التعرية لوحودها تكفي ، والأسافير تقضي برحيل هذه الانظمة الشمولية ؟ وأين الكيانات التي تسعد النفوس وتمنح الثقة ؟ ليحتفي المواطن بان القادم أحلى ، وتكون محفزا” للمواطن ليخرج ويقاتل ضد هذا النظام ، ويكون إيمانه بان لا بديل سوي التغيير ، لتكون تضحياته هو واسرته في سبيل قضية وطنية يسعد بها من يأتي من بعده ويعيش حياة كريمة ، ولا تكون تضحياته كسراب بقيع يحسبه الظمآن ماء.
إن الدوافع هي التي تشعل الشعب وتجعله يهب من غفوته اذا كانت مبنية علي واقعية ومسببات منطقية فالرهان عليها يكون واجبا” فقد اكتملت دوافعها ومحفزاتها وستسعد أحلامنا التي نضجت لننهل كأس الوعي الذي يروي ظمأ الأجيال القادمة .
والحوافز التي ترتكز علي الثقة وتكون منبعا” لدولة تنعم بالحرية والعدل والمساواة وتتوسدها العدالة الاجتماعية ، وتنام قريرة العين بعد طول اعياء كفيلة بتغيير واقع حالها .
اذا حوافزنا – وطن حدادي مدادي .
ودوافعنا – حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي …
Ghalib Tayfour