الأربعاء , مايو 15 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / *قصاصات* أوراق مبعثرة (13) …

*قصاصات* أوراق مبعثرة (13) …


وضعت رأسي علي الصخرة وعيوني تتابع  العزيزة (اسماء) واستعيد شريط الذكريات المر ، منذ مغادرتي (الخرطوم)  بسبب (اسماء) التي غادرت لأقاصي الشرق ، وسافرت انا الي أقاصي الغرب ، وها انا اتمدد علي الارض انظر (لاسماء) الآخري ، وكانهما الاثنتين خلقتا لعذابي ، هجع الجميع عدا انا و(اسماء)، فرغم الظلام كنت أراها وتراني ، وتتحسس حركتي  بطول المساحة التي تفرقني منها ، والزمن يسير بسرعة ، وشعرت بالجميع بدأ يستيقظ ، منهم من يقضي حاجته ، ومنهم من يصلي ومنهم ، من يراقب ويستبدل حراسة ، حتي استيقظ (جارين) وتحرك متفقدا اعوانه ، قبل أن  ياتيني ويجلس بقربي ، ويقول لي :
ليس لدينا زمن طويل فسنقوم بإيصالك (لزالنجي) وحاول أن تقابل الضابط بسرعة وتعقد لنا صفقة معه  تكون مرضية ، واكون معك واضحا” عدم حضورك يعني انك مستغني من (اسماء) وسندفن  جثتها في هذا الجبل ، وايضا هنالك مشكلة ف(نورين) يعتقد بان (اسماء) محتجزه عند (حمدان) ويبحث عنك للقبض عليك لتقديمك (لحمدان ) ويعيد زوجته وهذا هو سر محاولته امس ، المهم يجب ان تخبر الضابط بكل التفاصيل اذا قدر لك ووصلت اليه حيا” ، ونحن نعرف اين نجدك بعد ذلك فعيوننا في كل مكان ، حاليا يمكنك ان تتسامر مع (اسماء) فيبدو أنها تشتاق اليك .
شعرت بأنه يقدم لي رشوة ، ولكنها رشوة مقبولة ، لم تنام اسماء منذ لحظة مشاهدتي ، وهي تستند علي ظهر جزع شجرة منذ امس وتنظر لي ، ويغطيها غطاء كبير مربوط في جزع الشجرة .
تحركت نحوها وهي تبتسم لي ووجها شاحب يبرز مدي ارهاقها ، فأشارت لي باحضار ابريق ماء كان ممتلئ فحملته لها حتي تغتسل ، ومدت  يدها لتأخذه ، ولكني رفضت ، وبدات أغسل لها وجهها ويديها ، وهي تبتسم كطفلة بريئة ، وجلست بقربها ، ووضعت رأسها في صدري بهدوء ، وهي تتحدث معي وتسألني : ماذا يريد منك ، (جارين) شرحت لها حديثه ، فقالت لي: أسالك بأعز ما تملك هل تكن لي شيئا في قلبك ؟، كان سؤالا” مباغتا” ولكني جاوبتها بما يشعر به قلبي :
انا أحبك واتمناك ( اسماء ) فأنتي أروع انسانة شاهدتها ، ولم أتوقع ابدا” ان في هذه الدنيا انسانة بنبلك ، فقاطعتني قائلة : اذا كنت فعلا تحبني فاذهب واخبر الضابط ، وسافر الي بلدك ولا تعود ، اسالك بالله (قصي ) ، لقد ولدت هنا وعشت هنا ، وهؤلاء القتلة رغم شراستهم فانا اعرفهم جيدا واعرف كيف اتعامل معهم ، وانت من  بيئة اخري ، وعالم آخر ، سيقتلونك دون أن يرف لهم جفن ، قلت لها: لن أتركك ولو قتلوني ، وأنا اعلم جيدا ربما لا نكون لبعضنا ، ولكنني لن اتركك ابدا” ، وساعقد الاتفاقية مع الضابط وسوف اعود بك ، دعي الامر لي ، ولكن هنالك مشكلة فقد قال الضابط : انهم سيقومون بحملات للقبض علي المتفلتين والفارين ، وربما لو ذهبت لن أجده ، وكأنها لم تسمع حديثي الأخير ، قالت لي:
لقد استحلفتك بأعز ما تملك ، وتكفيني هذه اللحظة فأنت لا تشعر بما احس به الآن وأنت قربي ، فانا أشعر باني أسعد إنسانة ، وكأنت تنام براسها في صدري وانا اتحسس شعرها ناعم ، واشعر بخفقات قلبها كأنها قلبي ، والجميع يدور حولنا من معاونين (لجارين ) وشعرت بان هنالك شيئا ، فقد بدأت حركتهم تزداد ، وكل مرتكز ، وسمعنا صوت بعضهم يصفر صفيرا” غريبا” ،كأنما اشارة متفق عليها ، وجاءنا (جارين) وعيونه مثل الجمر ، وقال لنا:
استعدوا للخروج من هنا فهنالك هجوم .
أول مرة اسمع هذه الكلمة !
كنت اسمعها في المباريات الخاصة بكرة القدم ، او عندما نلعب الشطرنج ، ولكن هجوم حقيقي !، شعرت بالخدر يسري في جسدي ،وأنفاسي تضيق ، والغريب (اسماء) نظرت لي بعيونها التي تبعث  الطمأنينة ،وتزيل كل آلام  الدنيا ، وقالت لي  :
لاتخف (قصي) فلن يمسك شئ قبلي ، ولكنها لم تكمل جملتها ، وكأني سمعت صوت مجموعة من اطارات تنفجر ، وسمعت الجميع يصرخ (تدوين) ، وقفزت (اسماء) وانا جالس لا اعرف في هذه الحالة ماذا افعل؟ ، وقالت لي:
تحرك ، يا(قصي) ، وكنت اسمع صوتها بعيدا” كانه يخرج من فوهة بئر ، وسحبتني من يدي ، وكأنها تسحب عود كبريت ، وهي تعدو وانا خلفها ، وتطلب مني أن أحني رأسي ، وصوت الانفجارات اسمعه قربي ، والجميع يجري في مختلف الانحاء ، وكانت الاشجار كثيفة ، والحركة صعبة فاما تصدم بشجرة ، او احد معاوني (جارين) الذين كانوا يطلقون النار عشوائيا ، او لاني أخفض راسي ولا اري احدا” ، ولكني اشعر بان الهجوم عنيف ، والبعض يختبئ وراء الصخور ويرفع راسه سريعا ليطلق بعضا” من الأعيرة ، التي امسي صوتها غير مسموعا” ، وكأنها لا تصدر صوتا” ، و(اسماء) تنزل راسي كلما رفعته لاشاهد ماذا يحدث ، لقد كان حديث الضابط صحيحا بشأن الحملة التي ذكرها ، بدأت استجمع شجاعتي ،و أرفع راسي حتي شاهدت الحشود التي تهاجم ، و(جارين) يرتكز في المقدمة مع رجاله يصد الهجوم ،ويوزع رجاله ، وينتهر هذا ، ويصرخ في ذاك بعدم التحرك ، كأعظم قائد معركة !.
وكل مرة اشعر بانفجار وقذيفة تسقط ، وهم يردون عليها ، وعرفت من حديث المعاونيين انهم طوقوا الجبل والفرار اصبح مستحيلا” ، فصرخت (لجارين):
دعني اتفاوض معهم فالضابط صديقي ، ضحك في كلامي هذا رغم صعوبة الموقف وقال لي :
في هذا الوقت التفاوض يعد نوعا” من الذلة والجبن والموت أفضل لنا من الذلة والجبن ، يا (ولد البندر ) ولكنك اثبت معدنك ، انت رجل شجاع ، ومكأفاتك هي هروبك ، سأمر  بعض اعواني يفتحون لك خطا” خلفيا” من الجبل لتهرب انت واسماء عبره ، وصرخ في ثلاثة ، من اعوانه:
افتحوا خط خلفي ، للولد (البندر واسماء) للخروج من هذا الجحيم فلم يعد لهم فائدة ، ورغم تزمر رجاله الا اننا انطلقنا ، و(اسماء) سحبتني ولم تعطني فرصة لأشكره ، ونحن نعدو وصوت القاذفات تتساقط ، حتي وصلنا نهاية الجبل المطل علي غابة صغيرة .
نزع احد المعاونين بندقيته واعطاني لها ، فرفضتها ، وقال لي : يجب ان تدافع عن نفسك والتي معك حتي تخرجوا من هنا احياء ، واخذت منه البندقية خوفا منه فلا أعرف ماذا يريد ؟ هل يحميني ؟ أم يزج  بي في مشكلة؟ ثم قال:
ستقطعون المسافة الباقية عدوا وانتم منحنون ، وسوف نطلق ذخيرتنا تضليلا لهم لتغطيتكم حتى تبتعدا .
انحنينا وعدونا انا واسماء بلا وعي ، ولم يتوقف صوت الذخيرة ، حتي دخلنا الغابة ، وتفقدتني اسماء كأني ابنها خوفا” من اصابتي برصاصة وتفقدتها ، وقالت لي ارمي هذه البندقية هنا ، او ادفنها ، فقلت لها :
أرميها افضل ، ونخرج سريعا” ،ولم أكمل حديثي حتى جاءني صوت من خلفي  كان أسرع مني ،و وجدنا انفسنا مطوقين بالجيش من كل جانب ، وشاهدت العساكر الذي قبضوا علي المرة الفائتة ويصرخ أحدهم وهو شاهرا” بندقيته:
هذه المرة بالثابتة يا (باشمهندس) ، اركع في الارض .
والبقية يصرخون :
لا وقت لدينا للأسر اقتله حتي نلحق  البقية …

(يتبع)

Ghalib Tayfour

 

 

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.