الجمعة , مايو 17 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / #الهدف_ارشيف_اعتقالات *تجربة الإعتقال خارج أسوار الوطن* الحلقة الثانية

#الهدف_ارشيف_اعتقالات *تجربة الإعتقال خارج أسوار الوطن* الحلقة الثانية

#الهدف
محمد الأمين ابوزيد
——————–
إحتشدت دار الإتحاد الفرعي للطلاب السودانيين بالقاهرة على نحو غير مسبوق ومنذ وقت مبكر بأعداد غفيرة من الطلاب الذين تقاطروا لحضور الندوة رغم بعد الدار عن سكن غالبية الطلاب ولكن تفسير الإهتمام الطلابي المتزايد يرجع لعدة أسباب، أولها أهمية الحدث وتسارع متقلباته وتطوراته، وثانيا التطلع لمعرفة رأي البعثيين بإعتبارهم صناع الحدث ضمن إطار نظامهم الحاكم في العراق، وهي أول ندوة جماهيرية لهم، وعلى رأي المثل الشعبي السوداني (سمح القول من خشم سيدو)، وثالثها حالة المد الجماهيري السودانية الواسعة المتعاطفة مع العراق ومع قيادة صدام حسين بكارزميته التي كانت تشكل حالة تعطش قومي للبطولة ظلت تبحث عنها الشخصية العربية وقتها في كافة اقطار العروبة، لهذه الأسباب ولغيرها كانت الندوة تشكل مصدر إهتمام للطلاب.
سبق قيام الندوة على ما أذكر حفل إستقبال الطلبة الجدد لطلاب معهد المساحة بالهرم بالقرب من دار الاتحاد والذي شهد حضورا طلابيا مرموقا شأنه شأن كافة الإحتفالات الراتبة التي درج الطلاب السودانيين على اقامتها (استقبال، تخريج، مناسبات وطنية) من خلال أسرهم (لجان تمثيل الطلاب داخل الكليات والمعاهد) وروابطهم المناطقية واتحاداتهم.
على العموم كانت مناسبة إستقبال طلاب معهد المساحة  فرصة مواتية جدا لنجاح الحملة الإعلامية للندوة، التي كما سنرى شكلت علامة فارقة حتى على مستوى الوجود الطلابى بمصر الذي بدأ في التراجع منذ ذلك التاريخ ومن ثم التجفيف الكامل كسياسة اختطها نظام الانقاذ.
تقاطرت جموع الطلاب نحو دار الاتحاد ولأول مرة يسبق حضور الطلاب حضور منظمي الندوة انفسهم (أعضاء جبهة كفاح الطلبة) والتي كان من المؤمل أن يخاطبها الرفيقين أبوهم وعبد المنعم، تحركنا صوب مكان الندوة شخصي بمعية الرفيقين أحمد شاع الدين ومعتز عبد الله وعند وصولنا للشارع المؤدي إلى دار الاتحاد لاحظنا حركة مريبة لسيارات شرطة بالقرب من الدار، في تلك الأثناء رأينا  رفيقنا مبارك يمسح الشارع ذهابا وإيابا في حركة متسارعة دون هدف يستطلع الحضور وقتها، ترددنا في التقدم وطلبنا منه أن يستطلع لنا الخبر بحكم سمته المشابهة للمصريين فسرعان ما وصل الدار وجاءنا بخبر إلى الآن لا ندرى مصدره (حيث لم التقيه منذ تلك اللحظة) أفادنا رفيقنا مبارك بأن الأمر يتعلق بخطيب وإمام مسجد مجاور وإن الدار ليس بها شىء والأمن مستتب، تعاملنا مع معلومته بكل مصداقية اتساقا مع حالة الملاحقة التي كانت تواجهها الجماعات الإسلامية إبان حكم الرئيس مبارك، ولم يسرح خيالنا السياسى والأمنى لأبعد من ذلك..
المهم تحركنا نحو الدار بكل ثبات دون أي وازع أمني وما أن اقتربنا من بوابة الدار التي لم ندخلها حتى أطبق علينا لفيف من عناصر شرطة الأمن المركزي واقتادونا إلى سيارة الشرطة (بوكس) التي كانت ضمن سيارات أخرى مرابطة في الأزقة الجانبية، حينها تيقنا من الأمر بوضوح وتأكد لنا أمر الاعتقال الذي طال كل حضور الندوة الذين وصلوا إلى الدار في تلك الأثناء، والذي بلغ حتى لحظة إمتلاء السيارات جميعها نحو 150 طالبا.
بينما نحن في داخل سيارة الأمن تخلصنا بشكل سريع من متعلقاتنا الورقية من (نوت) صغيرة كانت سمة ملازمة لرفاقنا نسجل فيها المهام والتلفونات والمواعيد، وكل ما يتعلق بمتلازمة عملنا السياسي والتنظيمي، وكذلك كل ورقة يمكن أن تشكل وثيقة إدانة كإجراء احترازي أمني أولي.
إتجهت كل سيارات الأمن صوب مديرية أمن الجيزة، حيث تم إنزال كل الطلاب الذين تم القبض عليهم في ردهة كبيرة في واجهة المبنى المهيب، وبدأ التحقيق مباشرة من قبل ضباط شرطة الأمن المركزي، حيث كانت التحقيقات سريعة لم تتجاوز (اسمك، بطاقتك، عنوان سكنك، إيه اللجابك)، ويتم إطلاق السراح مباشرة… وهكذا إستمرت التحقيقات على هذا النسق إلى أن جاء رائد الأمن هشام السيد، سأل الضباط بلهجة مصرية قحة (أوعى يكون بتوع معهد البحوث مشوا؟) ردوا عليه بأن واحد منهم (أحمد محمود) خرج (دى الواتى) أبدى انزعاجا كبيرا وكلف أحد الضباط بملاحقته وإعادته سريعا، ولكن يبدو أن خطوات الرفيق أحمد كانت أسرع، ولم يعثر عليه، ذلك الخروج الذى إمتد حسب ما علمنا لاحقا إلى إختفاء قسري إمتد طويلا، وعندما قفل الضابط المكلف بملاحقة الرفيق أحمد راجعا وأبلغ قائده بذلك أطبق يديه على رأسه، وباشر بنفسه ما تبقى من تحقيق مع الطلاب حتى خرج الجميع من مبنى مديرية أمن الجيزة، ولم يتبق إلا ستة طلاب فقط (محمد الامين، معتز، بدر الدين، أحمد شاع الدين) من طلاب معهد البحوث، وأحمد بابكر (طب الاسنان) وإيهاب من أسكندرية، وحسين طالب من خارج القاهرة أيضا. وجه الرايد هشام السيد ببقاءنا بالحراسة حتى صباح الغد.
كان الجو شتاءا قارسا، تم ادخالنا إلى حراسة مديرية الأمن الباردة جدا، والتي لم يكن بداخلها محبوس ولا يوجد ما يقينا من البرد إلا ما نلبسه من معاطف شتوية متواضعة وشالات شتوية كانت من سيماء (الكفحنجية)، وبدأنا بكسر الرتابة أولا باستطلاع المكتوب على الجدران من ذكريات محبوسين مروا على تلك الحراسة ذات يوم، وضمنها وجدت مخطوطا باسم أخي المرحوم عادل منحوتا بتاريخ لم أعد اذكره حيث كان مقيما معنا في القاهرة كموظف في شركة أجنبية ولم نرصد له نشاط سياسي رغم اهتمامه، وكان صديقا ملازما لكل رفاقنا.
قضينا ليلتنا بتلك الحراسة البائسة نتوسد معاطفنا عندما بدأ  يقتص منا البرد وزخاته ونطبق أرجلنا في حركة لولبية ونلف رؤسنا بالشالات بحثا عن دفء لا وجود له وعن نوم بعيد المنال، ونتسامر ونحلل ما جرى ونمارس المداعبات والضحكات ونمارس تدخين (الكليوباترا) في ظل البرد القارس والجوع الكافر، وكانت ليلة من أطول ليالي القاهرة التي مرت علينا طيلة فترة بقاءنا بالقاهرة التي إمتدت بعد تخرجنا لعامين لزوم ما أشرنا اليه في الحلقة الأولى.
كانت مديرية أمن الجيزة وحراستها لحظة انتقالية ريثما ما يتم ترحيلنا في اليوم الثاني إلى حراسات الأمن العام ذات الطبيعة المتخصصة والمهنية العالية تحقيقا واعتقالا، حيث بدأ فصلا آخر من الإعتقال تحت مباشرة ضباط الأمن ذوي المهنية العالية.
يتبع ..

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.