كتب الروائي المشهور المرحوم (الطيب صالح) مقالا من صفحتين في بداية عهد الانقاذ لما رأي الاسلاميين يستولون علي مقاليد الأمور عنوانه ( من أين أتي هؤلاء ).
الان يرد شاعر علي سؤال الطيب صالح في القصيدة التالية
بعد كل هذه السنوات
أرد على الراحل
الطيب صالح
وأنا القزم
أحاول الرد على العظماء
من أين أتى هؤلاء ؟؟؟؟
أتوا من ظهور الظلم
من أرحام القساوة والجفاء
من عمق اجحار الافاعى
من دروب البؤس
حلوا فى الخفاء
أتوا من حيث ياتى
كل قطاع الطريق
من كل القلوب البور
جاءوا من هباء
أتوا بعد التداعى
يلبسون الدين تاجا
ويئدون الامانى والهناء
يحملون المعول الهدام
يستبيحون بلادى
وحليب الطفل
وجرعات الدواء
يسلبون النوم
من اجفان أمى
بعد ان ضاقت الدنيا
وهاجر الأبناء
أتوا من كل فج مظلم
لم يذوقوا طعم حب بلادى
لم يعيشوا عشقها
وعزة أهلها الشرفاء
أتوا كاشعب الأكول
لا يعرفون الصوم
لا يتورعون عن النهب
وعن سفك الدماء
أتوا يمتطون صهوة الحقد
وهمهم حب الأنا
وأحلام الثراء
أتوا والكل يعرف
كان ذاك اليوم شر
وكانت ليلة غبراء
فعلوا ببلادى
أضعاف ما فعل الاعادى
لا يقر الدين ما فعلوا
وثور وحراء
أتجول فى شوارع بلدتى
لا أجد غير البؤس
وغير نظرة الغرباء
ومدارسى صارت مراتع
للثعابين المميتة
للعقارب
لكل أسباب الفناء
أتوا يقودهم
ابتسام الثعلب المكار
والفكرة المجنونة
الحمقاء
جاءوا يرومون الحياة
وطيبها
واشتروا الدنيا
فبئس شراء
أتوا وكان
طليعة حكمهم كذبا
فكيف لامتى
بمخادعين رجاء
وجعى وماساتى
وقمة محنتى
أن البلاد يقودها الدهماء
صاروا يفرقون الناس
هذا معنا
وهذا ضدنا
وهذا أخانا
وهذا شيخنا
فاراهم الله لعنات
وشر جزاء
جاءوا
تنادوا مصبحين
كاصحاب الجنة
هيا إلى التمكين
لا تطعموا المسكين
نهبوا باسم الدين
واحتكروا الهواء
لا يعرفون الحب للاوطان
والتعظيم
كل ولاءهم لمرشد التنظيم
فساء ولاء
توارت الأحلام
والحب الأصيل
وانزوت الامانى
وغادر الزمن الجميل
وانتحر الوفاء
يا رفاقى
قد مللت الصمت
مللت التباكى
وقد قرب الرحيل
فكيف نفارق الدنيا
ونمضى جبناء
يا صديقى لا تسلنى
لا تسلنى
فأنا قد مات فنى
وطلقت الغناء
وتسأل أيها الراحل
من أين أتوا
ومن هم
هم الضلال
يلبس جلبابا
ويطلق لحية
وينتعل الحذاء
الوطن الجريح
أيها الكابوس غادر مهجتى
سارع وودع
ما بالك تكتم انفاسى
وفى أعماق قلبى تتموضع
فأنا منذ أن غادر الافرنج
أبكى أتوجع
تهطل امطارى
تجرى انهارى
تمور بحارى
تزهر وديانى
وانعامى ترتع
أملك كل اسباب الغنى
والأراضي والمنى
لا تقل لى من أنا
فأنا السودان
مليون مربع
باعنى الساسة
فى سوق النخاسة
الهبوا ظهرى
وسرقوا حلمى
وكان سوط النخاس اوجع
وقفوا يتفرجون
على جرحى يدمى
واوصالى تقطع
يملئون كؤوسهم من نزفى
وكان الكأس مترع
وطنوا الاسقام فى اعضائى
لا يفيد الطب فيها
ولا زراعة الاعضاء تنفع
زرعوا فى اوصالى أورام
لا ينجح الجراح فى استئصالها
ولا يساعد مبضع
طعنونى فى وجودى
حتى انثنى عودى
وكان الخنجر مسموما
بالكذب والوعود
وكان مقبض الخنجر
بالتضليل مزدان مرصع
سمموا بدنى
وزادوا حزنى
لم تطرف لهم عين
ولم يغض لهم مضجع
كمموا فمى
اهدروا دمى
قطعوا كبدى
وباعوا رئتى
خسر البيع
فكيف الروح للاوطان ترجع
ما طلب ابنائى النجوم
وكل مرامهم
أن تزدهى الخرطوم
أن يأكل المحروم
ان ينصف المظلوم
ان يسعد المهموم
ومرام الأم
أن تطعم الاطفال وترضع
شربوا حليب اطفالى
أكلوا طعام أمى
لبسوا كسوة أهلى
صادروا فكرى
ودارى تتصدع