الدكتور إبراهيم البدوي وزير المالية والاقتصاد رجل يتحلى بقيم الحكم الديموقراطي الأصيل واهمها الشفافية، تشرفت بحديث مطول معه (التفاصيل في الصفحة الثالثة بالداخل) .. وفي حديثه الصريح نقطة في غاية الأهمية.
قبل عدة سنوات خلال العهد البائد وفي حوار مع وزير أسبق للمالية قال لنا أن عائد رسوم الطيران فوق الأجواء السودانية قد يصل أحيانا 500 مليون دولار في العام، وأنه لا يصل إلى الخزينة العامة. لأنه يمرر في حسابات خارجية بعيدا عن أعين الدولة!
أحد كبار الاقتصاديين السودانيين قال لي أن وزيرا أسبق للمالية أيضا قال له أن هذا الحساب لا يعرف عنه أحد شيئا إلا الرئيس المخلوع البشير فقط.
بعد انتصار الثورة بأسابيع قليلة وصلتنا معلومات مثيرة للدهشة، من مصادر مطلعة، تقول أن عائدات رسوم الطيران فوق الأجواء السودانية قد تبلغ المليارات لو تم تركيب وتحديث نظام آلي متطور للرصد و المتابعة والحسابات المالية أصبح معمولا به دوليا، لكن جهات لها مصلحة في ابقاء هذا الحساب خارج سيطرة ولاية المالية تصر على الابقاء على النظام اليدوي في متابعة هذا الحساب حتى لا تنكشف تفاصيله وحتى لا تبدأ مطالبات بوضعه تحت ولاية وزارة المالية.
عندما توجهت بسؤالي –ليلة أمس الأول- للسيد وزير المالية الدكتور إبراهيم البدوي توقعت أن تكون واحدة من أولويات الحكومة الانتقالية وضع يدها على هذا الحساب الخطير وملايين الدولارات التي تكتنز فيه، لكن أصدقكم القول أن اجابة الوزير أدهشتني للغاية، وأكرر شكري وتقديري لصراحته وشفافيته، فهو أكد لي أن الحساب لا يزال يمر عبر “شركة” في سويسرا، هذه الشركة أسسها النظام المخلوع لإدارة هذا الحساب الخفي، وأن هذه “الشركة” لا تزال موجودة ولا تزال تسيطر على هذا الحساب، إذ يفترض أنها تحوله إلى بنك أبوظبي.. ويصبح السؤال من يدير هذا الحساب؟ الوزير أعطى اجابة تحتاج لمزيد من التوضيح، قال أن الطيران المدني يصرف من هذا الحساب، ثم ما يفيض منه يعيده للمالية.. كم أصلا الأرقام في الحساب؟ ولماذا يديرها الطيران المدني بمعرفته وتنتظر وزارة المالية “فضلة خيره”.. الوزير قال لي لأن بعض الصناديق لها قوانين خاصة، ومنها الطيران المدني.. قلت للسيد الوزير هنا يأتي دور لجنة ازالة التمكين، يفترض أنها تملك السلطة والقدرة على “تفكيك” هذا القانون بجرة قلم، وتضع يدها على هذه الأموال الضخمة، بل وتحاسب هذه “الشركة” المزعومة على كل دولار تسلمته خلال الثلاثين سنة الماضية. وهي مليارات الدولارات لا يعلم أحد أين ذهبت.
يظل السؤال أين كانت – ولا تزال- تذهب هذه الأموال الضخمة؟
هل يصدق علينا بيت الشعر:
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ، والماء فوق ظهورها محمول.