عندما يصبح الوطن غابه …

  (اختلط الحابل بالنابل)   يضرب المثل عندما يلتقى صنفان من الصائدين ، حينها يتعذر الصيد ،  وتضرب الفوضي بأطنابها ، ويتبدل الحق باطلاً ، ويمسي الباطل حقاً ، . وعندما يؤخذ البرئ بجريرة المذنب ، وعندما يتجول المجرم آمنا مطمئنا ، بلاخوف من عقاب ، وعندما يستعرض اللصوص ما سرقوه وما نهبوه عياناً بياناً ، في وضح النهار ، عمائر وبنايات تنافس مثيلاتها في اغني المدن العالميه ، واقتسام لثروات الوطن ، وحقوق أهله بلا خجل ، وامتطاء للفارهات التي تستفز ملايين الفقراء ، الذين تكتظ بهم كل مدن وقري السودان ، وحياة هي الاخري كحياة الملوك ، والشيوخ ، وان كانوا يجودون علي مواطنيهم بشئ يقيهم الحوجة ، والفقر ، عكس هؤلاء الذين يختطفون اللقمه من افواه الجوعي ، والحليب من الاطفال ويتخذون من الجبايات ، وغرامات بائعات الشاي مصادر دخل لهم ، ولأسرهم ، واشقائهم وزوجاتهم .
   وعندما يصبح القانون مجرد صفحات صيغت بعنايه لحمايتهم . وعندما يصبح القضاء وسوح العداله ادوات لتطبيق القانون علي الضعفاء ، وحجبه عن الاقوياء ، ويصبح القاضي مجرد حاجب يشار اليه ، فيستجيب للسلطان الغاشم بما يشبع رغباته ويرضي نهمه وغروره باحكام القبضة علي الضعفاء ، وترك الاقوياء يعيثون فساداً في الارض ، يملأونها جورا وظلما وعدوانا .
بلادنا اصبحت غابة ، يحكمها قانون الغاب ، ويسود فيها الظلم يتمتع فيها الرئيس ، وبطانته واجهزته ، واتباعه بحمايته الشخصيه ، مهما اتوا من افعال كالقتل والسرقه ، والنهب واستغلال النفوذ ، وتطويع القوانين وانتهاك الدستور .
اصبحت الدولة دولة فاشله ، وساقطه ، وعابثة ، للفساد فيها دولة وصولة تترابط فيها دوائره ، تبادلا للمصالح كيف لا بل ! واصبح التصاهر بين اساطين الفساد والقتلة اداة لمزيد من الترابط ، واستغلال النفوذ بين الأسر الماسكة بزمام الأمر ، وعلي أركان السلطة والثروة .
     الرئيس لا يغضب للمساس بالسيادة ، أو احتلال اراضي الوطن ، ولا يحرك ساكناً للخيانات الوطنيه ، من قبل اتباعه ومساعديه وووزائه.

لكنه يثور ويغضب ويخرج عن طوره عند اكتشاف بؤر الفساد ويهدد بالويل والثبور عند انكشاف امر اشقائه ، وشركائهم في قضايا المخدرات ، اوالقبض عليهم خارج البلاد في قضايا غسيل الاموال ، او تجارة  الرقيق الأبيض ، أو العثور علي الأرصده في المصارف الخارجيه ، والتدخل باستعمال السلطات الممنوحه ، لاسقاط العقوبات الجنائية .
     هذه البلاد هي غابة يحكمها قانون الغاب ، ويتحكم فيها فرد واحد ، من وراءه جيوش جرارة من المليشيات ، والاجهزه التي فرغت لحمايته وحماية نظامه .
   أهل السودان في محنة كبري ، وبلاء عظيم ، بلا حاضر ولا مستقبل ، ينتظرون خلاصاً لن يأتيهم من أحد الا أنفسهم ، ذلك أن استرخصوا أرواحهم ، واعدوا العده ، وشدوا السواعد ؛ والا فالهلاك والضياع ، والاستعداد لحياة المعسكرات ، واللجوء في دول الجوار ، واقطار العالم ..
وحينها ولات ساعة ندم…

ذكرى أخيرة:

لما الليل الظالم طول..
فجر النور من عينا اتحول..
قلنا نعيد الماضي الأول..
ماضي جدودنا..الهزموا الطاغي…وهدوا قلاع الظلم الباغي…

Ghalib Tayfour