الخميس , أكتوبر 31 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / #الهدف_ارشيف_اعتقالات *تجربة الإعتقال خارج اسوار الوطن* الحلقة السادسة

#الهدف_ارشيف_اعتقالات *تجربة الإعتقال خارج اسوار الوطن* الحلقة السادسة

#الهدف

محمد الأمين أبو زيد

سجن الخليفة وما أدراكما سجن الخليفة، لقد إكتملت إجراءات ترحيلنا للسودان، وتقرر تحويلنا من حراسة وزارة الداخلية إلى سجن الخليفة.. وهو سجن مخصص لترحيل الأجانب وأظن إن التسمية جاءت من الحي الذي يضم مبنى السجن.. لقد كان سجن الخليفة محطة مهمة في تراجيديا الإعتقال، فالسجن يمتليء بالمساجين من مختلف الجنسيات (أفريقية وعربية وآسيوية) من ذوي المخالفات المختلفة، والتي أغلبها مخالفات لقوانين الإقامة في مصر، وجرائم مختلفة ولا يوجد معتقل في شأن سياسى سوانا..
سجن الخليفة كان سجنا مأساويا، فهو عبارة عن عنبر (بدرووم أرضي) مبني داخل الأرض، ولا تصله أشعة الشمس مطلقا، ولعله كانت أسعد اللحظات بالنسبة لنا عندما نخرج إلى السفارة أو مجمع التحرير فننعم بضوء الشمس وحرارتها التي نفتقدها..
السجن متميز درجيا عن كل المعتقلات السابقة، حيث تتراص جوانبه أسرة (دبل بد) تفوق الثلاثين سريرا، ومراتب إسفنجية مع بطاطين قطنية حالها يرثى له، مع بداية دخولنا فرحنا بالمطرح ولكن سرعان ما تحولت فرحتنا إلى مأساة عجيبة، حيث إكتشفنا بعد قليل أسراب القمل، وجيوش البق تقطن المراتب والبطاطين، والصراصير تملأ أرجاء المكان، علاوة على رطوبة المبنى العالية، وكان لابد من التعايش، فالمضطر يركب الصعاب.
على العموم أخذنا مواقعنا في جانب السجن بعد شجارات هنا وهناك حول المراتب والبطاطين والدواليب الحائطية مع بعض النزلاء المستاثرين باكثر من بطانية ومرتبة.
في السجن أربعة حمامات في الناحية الشرقية، ليس بها سخانات، ويكاد ماؤها يصقع البدن من شدة البرودة، ولكن لا مناص من استخدامها، (مكره أخاك لا بطل..)
أخذنا مواقعنا داخل السجن بعد ترتيب أغراضنا، وبدأنا في التعرف على النزلاء الذين كان أقربهم الينا مجموعة من الأثيوبيين، كانوا أعضاء فريق رياضي جاءوا لأداء مباراة في مصر، وتم القبض عليهم متسللين عبر الحدود إلى ليبيا.. بالإضافة إلى مجموعة من دول إفريقية مثل الكنغو، الكاميرون، تشاد، ونيجيريا وأغلبهم مضبوط في حالات تسلل عبر الحدود.
ومن الجنسيات العربية في السجن فلسطينين وأغلبهم أعضاء منظمات ثورية ومناضلين متمرسين، أذكر منهم شخصية مرموقة متزوج من مصرية كانت دوما تأتي إليه في السجن محملة بما لذ وطاب، حيث ظل على صلة دائمة بنا، نتجاذب أطراف الحديث ونتسامر معا حول تطورات الوضع القومي ومألاته والقضية الفلسطينية وتطوراتها، ولقد كان الرجل أنيقا بمستوى لا يتناسب وقذارة المعتقل، فتجده في كامل هندامه دوما.
ومن الشخصيات التي لا تنسى داخل سجن الخليفة ذلك السوري الذي يدعى (شوباصي) ولا أدرى سبب إعتقاله، ولكن كان رفيقنا ود شاع الدين يداعبه دوما بانه سيتم ترحيله لسوريا لحافظ الأسد، فيدخل في كومة من الذهول والخوف والإمتعاض الذي سرعان ما يتحول إلى حالة أشبه بالبكاء بلا دموع، مما يشي بحالة هستيرية من نظام إستبدادي ظلت تسيطر على نفسية المواطن!؟ يا للهول!
ومن الشخصيات البديعة جدا والمرحة (تيتا سكرامنتو) ذلك الكاميروني الذي يتحدث الفرنسية والسواحلية وقليل من العربية الهجين، والذي قضى فترة في خلاوي ود الفادني بالجزيرة يحفظ القرآن الكريم، ويحكي لنا عن ذكرياته تلك، وظل صديقا حميما لنا وقريبا جدا منا وهو أيضا ضبط في الحدود الليبية المصرية، ولا يدري ما مصيره وإلى أين وجهته؟
ومن شخصيات السجن ذات الطبائع المتفردة إثنين من منظمة نمور التاميل لا أدرى ما جريمتهما، ولكنهما يدينان بديانة عبدة البقر حيث ظلا لا يقتربا مطلقا من وجبة الغداء عندما تحوي لحوم البقر ويكتفيان بأي شيء بديل، ومن الشخصيات المدهشة أيضا ذلك التشادي الذي يظل طول الوقت متربعا في منتصف سريره العلوي لا يكلم أحد ويلقي بنظرات وإبتسامات باهتة حينا بعد حين، وحالة الذهول تسيطر على ملامحه ومحياه ويبدو إن هذه الحالة النفسية مرتبطة بالإقامة الطويلة داخل السجن..
سجن الخليفة من السجون التي تشرف عليها الأمم المتحدة وتصرف عليها، ولقد علمنا إن الأمم المتحدة تصرف على النزيل حينها ما يعادل أل 13 دولارا في اليوم نظير الوجبات فقط، ولكن ما يقدم من وجبات من قبل متعهد السجن دون ذلك التقدير، ولكن على أي حال كانت وجبات منتظمة في مواعيدها وتمثل بالنسبة لنا نقلة نوعية قياسا بحراسات الأقسام التي مررنا عليها سابقا، فلأول مرة نرى اللحوم والخضار…الخ
ولكن ما أقلق مضاجعنا تمكن البق والقمل من أجسادنا المتعبة، وتغلغله في ثنايا ملابسنا بشكل مزعج إلى أن أبلغنا رفيقنا المتابع معنا من خارج السجن فأسعفنا بدواء القمل والبق الذي خفف علينا من دوامة الهرش الجلدي التي تنتاب كل النزلاء وتكاد في لحظة استراق نظر ترى كل النزلاء يمارسون الهرش الجلدي (الحك) بشكل منتظم وراتب ليل نهار، يا لتعاسة المكان وبؤسه..
نحن كنا أفضل النزلاء، حيث ظللنا تحت متابعة رفاقنا ومندوبي السفارة الذين يزورونا وفي معيتهم الأدوية والوجبات وكل المعينات التي نحتاجها، ولكن بالمقابل ظل كثير من النزلاء ولشهور وسنين لا يعرف عنهم أحد، بل أن بعضهم ليست لديهم سفارات في مصر كي تتابع أحوالهم ولذلك تجدهم يعانون من حالات نفسية متردية..
الليل والنهار في سجن الخليفة يستويان، فتكاد لا تميز بينهما إلا بقليل من ضوء النهار الذي يتسلل خلسة مع شروق الشمس، أما باقي اليوم فالسجن في حالة إنارة دائمة ليل نهار وهذه سمة كل السجون والحراسات.
سجن الخليفة سجن ترحيلات يجمع فيه المسجونين الذين يتم ترحيلهم إلى المحافظات المصرية المختلفة، فهو في جانب آخر منه يضم سجناء مصريين سياسيين وغيرهم.
من شدة البرد القارس والماء البارد أصيب رفيقنا حبيب بإلتهاب حاد في الشعب الهوائية، وهو الذي يعاني من الربو كاد أن يؤدي بحياته، إذ سرعان ما كان ذلك سببا في إطلاق سراحه ومغادرته السجن، بالإضافة لسبب جوهري وهو عدم إكماله لدراسته الجامعية بكلية التربية في المنصورة، حيث ظللنا بالسجن الذي يمتليء بنماذج ذات أمزجة متفردة من الجنسيات التي أشرنا لها، نفك طلاسم الروتين بالمداعبة والضحك والقفشات وإيجاد لغة مشتركة للتواصل مع الكل بحميمية متجاوزة سقف المكان والزمان ومحنة الإعتقال ومتجاوزة لظرف السجن وبيئته الخربة.
يتبع….
————————————
#الهدف
تصدر عن حزب البعث العربي الاشتراكي “الأصل”

للمزيد من الأخبار تابعوا صفحتنا على الفيسبوك :
https://m.facebook.com/hadafsd/

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.