الجمعة , أبريل 19 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / *عن صديق يوسف أنا بقول لكم*

*عن صديق يوسف أنا بقول لكم*

*عن صديق يوسف أنا بقول لكم*

عبدالله الحاج القطيني

في شهر مارس الماضي وفي المركز العام للحزب كنا عدد من الزملاء والأصدقاء نتجاذب أطراف الحديث وحينما هممت بأن أسال مَن مِن الزملاء يريد الذهاب لزيارة الزميل صديق يوسف في منزله حيث كانت قد أجريت له قبل ذلك عملية في القلب، ما أن هممت بأن أطرح هذا السؤال إذا بصديق يوسف يقف بيننا بجلبابه الناصع البياض مرددًا السلام عليكم…
ذلك الجلباب الناصع البياض سخر منه حميدتي بقوله:(صديق يوسف داير يحكم البلد دي بجلابيته الواحدة دي)..
لم يجد حميدتى ما يعيب به حفيد أرباب العقائد وحفيد إدريس ود الأرباب المحسي “الما كضاب” سوى أن جلابيته واحدة وهو موقف شبيه بموقف الكيزان من د. الأصم حيث لم يجدوا ما يستحق الملاحظة والتعليق فيه سوى أنه يرتدى قميص كاروهات. وقد قلت لصديق يوسف حميدتي وقد أعماه حب الأصفر الرنان عن نهج الرشاد لم يلاحظ أن هذه الجلابية دومًا مغسولة ومكوية أو كما تردد البنات في أغانيهن: “الجلابية جلابية وبس بالطاقية حاجة ما تخلص”.
وهذا الجلباب المغسول والمكوي دومًا ربما يذكر البعض بالبدلة التي كان يرتديها طيب الذكر حسن الطاهر زروق حيث من نظافتها كان الناس يعتقدون أن لدى حسن دستة من البدل ولا يدرون أنها وحيدة ومعلقة في منزله على مسمار مدقوق في أحد جدران المنزل،، وعلى أي حال:

الناس في العروض ما تقيسها بي تيبانها،
ما يغرك لباسهم والعروض عريانة،
ديل حراس رزق متل التكنو أمانة،
زي إبل الرحيل شايلة السقا وعطشانة…

عن صديق يوسف أنا بقول لكم
ولسة برضى حأقول لكم،
في تلك الجلسة والمؤانسة وكنت بدوري خارجًا لتوي من عملية في العيون وبينما كنت أقول أنني ربما احتاج لنضارة  قراية إذا بصديق يوجه كلامه لى: “أسمع أمشي في مكتبي توجد نضارة مخطوطة فى التربيزة أنا خاطيها دائمًا ما قاعد أشيلها معاي البيت شوفها إذا بتنفع معاك شيلها”.
وهكذا هو صديق مبادرًا دومًا لعمل الخير وكأنما شاعر تركيا ناظم حكمت كان يشير إليه حينما كتب في أحدى قصائده:
يا إخوتي قد تذبل الشموع،
وتعتلي الليمونة صفرة الجفاف،
وترتمي شجرة أصابها وهن..
لكننا لسنا من الليمون والشموع والشجر،
وإنما بشر..
نضيف للدواء جرعة من الأمل..
ونعرف الإصرار في سبيل أن نعيش..
أمنح عطفك للكتب للصحف للآلة
للحيوان المقعد للغصن الجاف
للنجم الخامد
أمنح ثقتك للإنسان..
سترى آمالك وسط الظل،
يحملها لك إنسان..

عن صديق يوسف بقول لكم
ولسة برضى حأقول لكم،
في إحدى حملات الاعتقال وكان معه فيه الزميل الحارث احتد الحارث مع ضباط الأمن قائلًا: انتو ما بتخجلوا زول عمرو 85 سنة تعتقلوا لي شنو حا يعمل ليكم شنو؟ فرد عليه أحد الضباط: 87 يا سيد ما 85.
حينما ألتقيته داخل سجن كوبر بعد حملة الاعتقالات أثناء انتفاضة سبتمبر 2013م قلت يا صديق نحن عايزين ندشنك أكبر معتقل في العالم.
لكن يا صديق هم ما غلطانين عليك لأنك يوم اعتقلوك كنت طالع من اجتماعين حتى مغرب ذلك اليوم.
بالطبع رد علىّ بتلك الابتسامة العذبة العميقة..
وأنا دومًا حينما أسمع الفنان حسن عطية وأحيانًا الكابلي عليهما الرحمة يردد كل منهما: “رشاقة وخفة روح جبين دوام مطروح” أقول لنفسي إن الشاعر كأنما يصف الزميل صديق يوسف وأضيف أنا من عندي تلك الأسنان البيضاء وسأكسب الرهان إذا تحديت من يقول أنه رأى صديق في أي يوم وفي كل الظروف غير مطروح الجبين، أو مقطبًا ما بين الحاجبين كما يقول أهل البلاغة واقترح عمل جائزة  نسميها جائزة عبدالخالق للمثابرة والصبر والصمود وسيكسبها في كل دوراتها الزميل صديق يوسف..

عن صديق يوسف أنا بقول لكم
ولسة برضى حأقول لكم..
شدوا أوتار الضلوع
نحن جيل السبعينيات وما بعدها من الشيوعيين نستعذب اللحظات التي تسبق اللقاء مع صديق يوسف،،
إحساس صاف بالعجب من أن ذلك الكيان العتيق ما يزال أصلًا موجود على ظهر الأرض وحين نعانقه نستنشق رائحته الفريدة التي هي خليط من رائحة الضريح الكبير وسط المقبرة ورائحة الطفل الرضيع كما يعبر الطيب صالح،
نحن بمقاييس العالم الصناعي الأوروبي فلاحون فقراء ولكننا حينما نعانق صديق نحس بالغنى كأننا نغمات من دقات قلب الكون نفسه..
إنه ليس شجرة سنديان وارفة الفروع  في أرض منت عليها الطبيعة بالماء والخصب، ولكن كشجيرات السيال في صحارى السودان سميكة اللحى حادة الأشواك، يقهر الموت لأنه لا يسرف في الحياة وهذا وجه العجب: أنه عاش أصلًا رغم الطاعون والمجاعات والحروب وفساد الحكام والانقسامات والمؤامرات وها هو الآن يخطو نحو عامه المائة عيناه باهتتان تحسب أنهما لا تريان ولكنه ينظر بهما في حلكة الليل، جسمه الضئيل منكمش على ذاته عظام وعروق وجلد وعضلات وليست فيه قطعة واحدة من الشحم يمشي في غبش الفجر إلى المسجد وهنا نقول يا عين يا عنية يا حاسدة يا كيزانية أطلعي من بلدنا..
وعلى ذكر المسجد أذكر في العام الماضي أعلن لي أحد الاصدقاء من ابناء الجزيرة أنه يريد أن يجلس مع  صديق يوسف ليناقش معه بعض القضايا الخاصة بمشروع الجزيرة..
نقلت ذلك لصديق فقال لي أنا هسع داخل اجتماع ربما يطول فقلت له خلاص نجيك بعد المغرب في البيت فقال لي بعد المغرب عندنا مناسبة احتفالية في البيت وكانت المناسبة هي احتفال الأسرة بليلة الاسراء والمعراج في المسجد الخاص بالأسرة والمواجه لمنزلهم فقلت له خلاص نجئ وننتحى معك جانبًا في المنزل واتفقنا على ذلك وعند ذهابنا إليه بعربة كان يقودها أحد أقرباء ذلك الصديق وكان يسمعنا أنا والصديق نتحدث عن المسجد وصلاة المغرب واحتفال الأسرة بالإسراء والمعراج فقال لنا ذلك السائق: انتو صديق دة مش رئيس الحزب الشيوعي قلنا له نعم فقال طيب شنو: المسجد والصلاة والإسراء والمعراج قلت له والله انت ما عارف حاجة ساي صديق دة بعد صلاة الجمعة في هذا المسجد يجلس على كرسي ويتدافع المصلون للسلام عليه..
عند عودة صديق من إحدى البعثات الدراسية إلى لندن في عام 1958م وجد أن والده يوسف إبراهيم النور قد بنى هذا المسجد مواجهًا لمنزلهم وفى إحدى مؤانساته مع والده قال له صديق شايف المسجد أسمح من بيتنا فقال له الوالد يا ود يا مسخوط دة بيت الله لازم يكون أسمح من بيتنا..
أخيرًا: أولئك آبائي فجيئونا بمثلهم إذا جمعتنا يا كيزان المجامع.
ـــــــــــــــ
*_الميدان 3918،، الثلاثاء 26 أبريل 2022_*

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.