الجمعة , مارس 29 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / الرأى اليوم *رحيل جاموس الميرم الأبرق*

الرأى اليوم *رحيل جاموس الميرم الأبرق*

(١)
💎لقد شق على نفسي النعى وتلكأ قلمى عن التعبير ولم تطاوعنى العاطفة  على الإقرار بالحقيقة وإعتمادها لعل وعسي أن يأتى من ينفى الخبر الجلل تعلق الغريق بالزبد على أمل النجاة من *خبر رحيل العبد الفقير لمولاه عبدالرسول النور* رحيل القائد والمعلم والملهم  رحيل الفكر والمعانى وحقبة تعادل حريق جزء مقدر من تاريخ السودان الحديث وأنهار من المحبة والحنان والتاريخ المشترك فهو الأخ والصديق رحيله رحيل أجيال فاردة فى المعرفة والعطاء من أجل الدين والوطن .
(٢)
💎 تعرفت على الحبيب عبدالرسول النور بعد المصالحة الوطنية ١٩٧٨م وقد تحقق لي فى معرفته قول الرسول الكريم الأرواح أجناد مجندة ما تعارف منها إئتلف وما تناكر منها إختلف ، فقد كانت روحينا مؤتلفين منذ الأزل وزادتها المعرفة وصدق الأقوال والأفعال إرتباط حتى غدونا توأمين أينما وُجد عبدالرسول تجدنى بجانبه
كالعاطف والمعطوف والجار والمجرور فى الحروف والمبتدأ والخبر فى الأفعال
إمتدت هذه العلاقة للأسرة الكبيرة والصغيرة ، فقد كان يقطع المسافات ليصل إلينا فى الأفراح والأتراح حتى عرِفه وصادقه واحبه الأهل الصغير منهم قبل الكبير من الأنصار وأعتبروه واحداً منهم.

(٣)
💎 قال رجل لرسول الله إنى أذكى فلان سأله الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام *هل تداينتم بدين أو ترافقتم فى سفر* ، إن شهادتى عن عبدالرسول النور ولا نزكى على الله أحد لم ينقلها إليّ ناقل أو راوى إنما حقائق عشتها فى السفر والإقامة *ورأيتها أحلب شوف يا مُنكر* وليست بعد العين دليل فقد كان النظر للعين و الِلسّان للذوق والأنف للشم، صادق الأقوال والأفعال يرفق بالضعفاء  وكهف للأرامل والأيتام ومحب للأطفال متواضع وصبور على المكاره ومُواصل يطوى المسافات كأنه مكلف بحب الناس وعِشرتهم، متقلل فى طعامه وملبسه ومسكنه يحب التمسكن و المساكين.
(٤)
💎الحِكمة تقول (إذا سألت أسأل خبير )، وفى قصيدة (عجبونى دغيم) للشاعر والمادح الأنصارى أحمد ود سعد  التى يقول  فيها (الخِبرو ما راحوا دخلوا جنات عدن جلسوا وإرتاحوا)، الحبيب عبدالرسول النور من القيادات البارزة لحزب الأمة القومى ،  إلتزم فى صفوف حزب الأمة منذ دخولة مدرسة خور طقت الثانوية ، وكان من أبرز قيادات الطلاب فى جامعة الخرطوم ، زامل الشهيد الحبيب عباس برشم  وكان من قيادات الجبهة الوطنية لمقاومة  نظام جعفر نميرى و شارك فى إنتفاضة شعبان  ١٩٧٣م وأحداث إنقلاب سبتمبر  ١٩٧٥ بقيادة حسن حسين والحركة العسكرية لمحمد نور سعد ١٩٧٦م  حُكم عليه بالإعدام وخُفف للمؤبد ، زار كل سجون السودان، فى كفاحه المستمر من أجل الديمقراطية وحرية وعزة الشعب السودانى   .

(٥)
💎 هناك مدرستان للتاريخ الأولى يتزعمها المؤرخ المقريزى تقول (إن التاريخ يمكن أن يعيد نفسه ) ولكن إن إستعاد التاريخ نفسه (ستكون مأساة فى ثوب ملهاة )، والمدرسة الثانية التى تقول بالحركة المستقيمة للتاريخ بأنه لايعود بتفاصيله ، بل يتجدد بمعطيات مختلفة ،وهذه مدرسة على رأسها كارل ماركس هل نحن فى دائرة متجددة  للمأساة الملهاة  Vicious Circle , أم أمام منعطف تاريخى له معطياتة تتسلل فيه النوارس خِلسة من الضفاف منهم  الحبيب عبدالرسول النور  أستاذ متخصص فى علم التاريخ by profession ، هو المكان الصحيح الذى كان يجب أن توجه له الأسئلة   لمخاطبة معانى المدرستين وتوجيه بوصله معرفته بالتاريخ مُدهشة ، فى آخر أحاديثى معه كان يعمل فى جمع قاموس للغة أهل البادية وهو من العارفين بها وجميل الحكى فى تقعيد المعانى للعامية البدوية .

(٦)
💎 لقد شغل الدهاء والحكمة العرب ، منهم من أعتقد أن عبقر (وادى للجن) يمنح الإلهام للحُكماء ،يُقال أن حُكماء و دهاة العرب الكبار فى التاريخ أربعة: معاوية بن أبي سفيان، عمرو بن العاص، زياد إبن أبيه والمغيرة بن شُعبة، وأن  معاوية  إبن أبى سفيان   كان يقول: أنا للأناة، وعمرو للبديهة، وزياد للكبار والصغار، والمغيرة للأمر العظيم ومخاطبة الحكام   فمن قرأ التاريخ فقد جمع الحكمة فأوعى ،  *المرحوم الحبيب عبدالرسول النور خُلاصة أربعتهم فى الدهاء*  فقد ساس كردفان الكبرى حاكماً أحبه الناس وأحتشدوا خلفه ويعتبر عبدالرسول النور مرجِع حُكماء حزب الأمة  ،عاش عصر  حزب الأمة  القومى  فى العُلو والإنخفاض، فى الوحدة والإنقسام ،فى القوة والضعف ،لذلك يتمتع بالقدرة على تمييز طعم الأحداث وإتجاه الريح  وإستقراء مآلاتها والتمييز بين رياح الخير والنحس فهو من الذين يشد لهم الرِحال ، ولا تترك حدثه  إذا تحدث وحِكمته بمنعرج اللوى خلفك  .
(٧)
💎 علاقتى بعبدالرسول النور الشخصية تجعل شهادتى فيه مجروحة  فقد رافقته كوزير دولة للصناعة أو حاكم إقليم فى العهد الديمقراطى من نوادرة فى الحكم طلب منى ان أحضر  للغداء معه فى بيت كردفان مقر الحاكم وكنت أقيم فى بيت الضيافة عندما وصلت للمنزل وجدته بالعراقى فى راكوبة كبيرة من القش وسط حديقة بيت الحاكم قال لي صالون الحاكم ضيق لايسع الضيوف عملنا لينا ضرا وأتبعه بالضحك فقد كان الضرا للغاشى والماشي حتى إنزعج الحُراس فى البوابة وإشتكوا إلىّ من عدم قدرتهم على ضبط الأمن
منذ أن عرفته وأنا طالب مدرسة ثانوية ، فى الزمانين (الشرم بُرم و الترللى) عرفته فى الحكم  وزمان ذهب المعز وسيف الجلاد ،حيث إرتاد سجون الإنقاذ وبيوت الأشباح غير هياب أو متردد  ، أذكر عندما كنا داخل السجن  أول أيام الإنقاذ كنا لا نفترق  ابداً  ننام   وسرايرنا جنب بعض وطول النهار فى مجلس واحد  نستيقظ لصلاة الفجر بعد تلاوة الراتب كنا نسمى دعاءه المدفعية بعيدة المدى ونحن نأمن خلفه ، لاحظ هذا المشهد أحد المسجونين  الفلسطينين كان معنا فى القسم ، إسمه (عماد) من المحكومين بالإعدام فى حادثة الأكروبول ، كنا نمشي  مع بعض أمام ورشة السجن فى وقت الرياضة  فقال لنا أنا أريد ان أعرف يا عبدالرسول وصلاح؟؟؟؟ ماذا تقولون طوال هذا الوقت  وأنتم لا تفترقون  عن بعض  لشهور !!! كانت تجاوزت نصف العام فى السجن برفقة الاحباب د.على جماع ود.حامد البشير والعم بكرى عديل وشقيقة عبدالرحمن والحبيب خاطر سليمان وآخرين من القوى السياسية  .
(٨)
💎 إجابتى للسائل هى القصة التالية ، سّئل  مروان إبن عبدالحكم ليقول رأية فى الحياة ، فقال نحن الملوك (لقد ركبنا الفارٍه ،ووطئنا أجمل النساء ، وأكلنا أشهى الطعام، ولبسنا الفاخر ، لم يبقى لنا من متعة الحياة إلا مجالسة حكيم ونيس لايُمل ) ، فقد كان المرحوم عبدالرسول النور الحكيم الونيس الذى لايُمّل فى مجالسته ومعاشرته ورِفِقته  حديثه حِكمة وفُكاهته مسرة  وقصصه تجارب، مدرسة متميزة  صنعتها مجالدة الحياة وصقلتها التجارب و الدراسة ودور العلم   .
لقد إطلعت على قيض من فيض فى نعى الحبيب عبدالرسول لكنى *إنتقيت شهادة ميت عزيز آخر كنت أحب متى ما إتيحت لى فرصة جلسة مع دكتور عمر  نور الدائم عليه رحمة الله ،أعمد لإثارة الحوار بالأسئلة ،وطرح الموضوعات، ولا أخفى ان لي هوى متبادل  معه  كنت اسأله فى جلسة نحن الإثنين فى فندق ماريوت القاهرة ، عن مستقبل حزب الأمة، من وجهة نظره تحدث فأفاض  حتى وصل لتقييم الأشخاص فى كابينة   القيادة من السيد الصادق إلى البقية  عندما جاء عند عبدالرسول النور وهذه شهادة لله طرفها فى الضفة الأخرى ، قال لى *أفضل من يعرف  حزب الأمة بعدى هو عبدالرسول النور*، (هو خليفتى ) والله على ما أقول شهيد حتى نلقاهم جميعاً.

(٩)
💎💎 ختامة
كل من يزور صفحة المرحوم الحبيب عبدالرسول النور على الفيس بوك سيرى عظيم قناعاته بحرية الشعب السودانى وكرامته وعزته فى الديمقراطية والحكم المدنى الرشيد ، فقد كان رحيله *موت  الإنسان الكامل عند المفكر عبدالله بولا عليه الرحمة* .
لقد فقدنا *شجرة الضل أطلعتوا  بٍتْسُر* نسال الله الرحمة ونعزى زوجه عرفة أبوالقاسم  رفيقة دربه الطويل الوعر والبنات والأبناء سارا ومامون ومبارك ومحمد المهدى  وأعزى صديقته ورفيقته التى يقدرها سارة نقدالله لقد تيتمنا جميعاً ولكنها إرادة الله ولاراد لقضاءه وأقول للأهل فى كردفان الكبرى والميرم والخرطوم لقد أحزننا  *رحيل جاموس الميرم الأبرق* حياته كانت ضاجه بالأحداث وجاء رحيله على العكس دون وداع فى هدؤ نومته التى لم يستيقظ بعدها، لقد كان  لعبدالرسول فى حياته للناس عظات  وهو اليوم ميت أوعظ منه حياً، نسأل الله أن يجبر الكسر ويعوض الفقد ولانقول إلا ما يرضيه .

صلاح جلال
٢٣يناير ٢٠٢٢م

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.