أصوات ومناظر وروائح سامح الشيخ

يحلوا الحديث دوما عن  أماكن مساقط راسنا التي صارت لكل منا مصدر فخر واعزاز جهوي حميد فنحن عندما نتحدث مثلا عن الخرطوم بحرى التي اسعدني حظي وصرت من موالديها حيث نشأنا لا نعلم شيء عن أماكن جذور العائلة كنت اسأل الوالد أحيانا عن المقصود بكلمة البلد عندما اسمع البعض يردد على مسامعنا عبارة  بكرة ماشين البلد فقد كنت استغرب كيف لاحدهم ان يذهب البلد وهو في البلد.  اجابني الوالد حينها عن المقصود بالبلد التي يسافر إليها الناس دون أن يغادروا  السودان وهي تعني  مدن وقري داخل السودان ولكن لحكمة كان يعلمها الوالد آنئذ لم يجيبني والدي عن سؤالي له المستنبط من سؤالي الأول عندما كنت في سن تطرح الأسئلة بكثرة من اجل سبر اغوار الكون من حولك ومحاولة استكشافه الطفولية

كان سؤالي المستنبط ذاك وهو كما اسلفت لم يجبني عليه الوالد وهو نحن بلدنا وين  فقد كان تجاهل الوالد  لذاك السؤال متعمدا المقصود حكمة منه ساعد. على ذلك أنني لم أرى يوما والدي ولا والد والدي في يوم من الأيام انهم قالوا انهم مسافرين للبلد كما يقول معظم الناس. لذا من حسن الحظ والصدف ان البلد والجهة التي أتيت منها صارت هي بالنسبة لي تعني البلد بالمعنى المحلي السوداني هي، مدينة الخرطوم بحرى واظنه حال الكثيرين.

أصبح حبي لبلدتي الخرطوم بحري التي  سكنت ما بين الحنايا وسكنت جميع حواسي خصوصا تلك المرتبطة بالنظر والسمع والشم  فصارت بالنسبة لي أن بها منظر فيها   سكن الروح ومستمع بها استوطن الذاكرة وروائح قابعة بالنفس مرتبطة بالامكنة، فالمنظر الذي يسكن   روحي وارتبط بحاسة البصر و يستدعيه خيالي كلما جالت بخاطري  همسات من   ضمير  الغيب ليضج مضجعي بالبهاء والحبور  وهو منظر  تلك الرمال الذهبية ومياه النيل الأزرق الزرقاء الصافية عند تخوم شاطئ  ريفيرا الخرطوم بحري بحلة حمد حيث قباب الفكي ود ام مريوم وبالقرب منه الفكي خوجلي ابو الجاز.

اما ما ارتبط بحاسة السمع في، صوت صافرة القطار التي تنقلك عبر الأثير لميادين السكة الحديد حيث كنا والاتراب نحلق باجنحك الحيوية والنشاط هناك نتساقي خمر تمارين ومباريات معشوقتنا الابدية الساحرة المجنونة المستديرة. أما صوت تلك  الصافرة التي كانت تصدر من مصلحة النقل النهري فيها بالضبط كانت مزيكة حواري الخرطوم بحري  التي تسحر الغيدا ترقص على  أنغامها  كل سكان بحري من بشر  وحيوانات اليفة بلد في ظني انه كان يطرب من صداها حتى البيدا في بيداء وصحاري بحرى.

واخيرا وليس اخرا كان هنا اصوات وروائح تأتي متزامنتين مع بعضهما البعض تأتينا من فردوس السودان و  الخرطوم بحري المفقود المنطقة الصناعية نشتمها َونسمعها ونحن بمنازلنا الكائنة بالخرطوم بحرى حيث كنا نسمع صوت مياه تبريد الماكينات بالمصانع. كما كان طيب  روائح مصانع الزيوت ورائح مصانع الصابون تأتينا مع النسيم العليل ونحن علي بعد الميل لتنعش ارواحنا تفاؤلا بانتعاش الاقتصاد فهل من عودة تاني.