الخميس , أبريل 25 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / *أيام قاسية.. في  بيت أشباح سيتي بانك* شهادة بقلم: *_أبو عبيدة محمد الماحي_*

*أيام قاسية.. في  بيت أشباح سيتي بانك* شهادة بقلم: *_أبو عبيدة محمد الماحي_*

(١)

كنت قد أخذت كل ما يلزم.. ورق، أقلام، كلمة العدد، موجهات إبراز المين شيت… الخ، من سكرتارية ج۔د لإصدار عدد جديد لصحيفة الشرارة – الصحيفة الأساسية لسان حال ج۔د بجامعة النيلين۔
وفي نفس اليوم العصر مشيت مع منعم إلى منزلهم الجميل المشجر بالجريف غ، وأخذنا نكتب، ونكتب ونكتب إلى أن انتهينا مع مشارف الصباح۔ أرشفنا العدد۔ بينما طوینا الثلاتة أعداد بفرح جنود أدوا مهامهم مية المية، وتكلناها في أحد زاويا صالونهم الواسع إلى أن يصبح الصبح.
**
في الصباح كنت انتعل حذاءً جديداً، أحد هدايا تيسير التي لا تنتهي، شربنا “شايينا” واستحممنا وأخذنا شراراتنا الثلاثة، بالخط الجميل لمنعم، والذي لا يشبهه إلا خط ود محمود ومدثر  وذهبنا إلى الجامعة نبحث عن أتيام تعليقها في المجمعات الثلاث.

*****

في الحوش، أخبرت بأن هناك مخاطبة للتحالف الطلابي منتصف النهار بالجامعة وبعدها سنخرج في مظاهرة وكلفت بتمثيل ج۔د في تلك المخاطبة۔ تكلمنا نحن ممثلي القوى السياسية، وكانت المخاطبة حاشدة وخرجنا صوب السوق العربي من ناحية الإستاد واستمرت المظاهرة لوقت قصير إلى أن نجحت أعداد مهولة من  باشبوزق جهاز الأمن المجرم في تشتيتها.
***
تحولت الحشود المتظاهرة إلى مجموعات متفرقة، فقبض علي في شارع قبالة بنك فيصل، وجروني جراً كبهيمة نافقة إلى دار القرآن الكريم فتلو علي آيات من العنف الشارد  الهمجي الذي لا يصدق.. وكان قائد الاعتقال “ولد” لطالما استضفته في منزلنا أثناء امتحانات الثانوية، ليتخرج بعدها في أمدرمان الإسلامية وهو الذي لعب دوراً بارزاً كما أتضح لاحقاً في فصلي من كلية آدابها ۔تعمد جري الجر الذي يعني السحل ويشمل عنفه۔ كأنني خصيمه يوم أحد أو اليرموك.

****
في بيت القرآن الكريم “شفت” الدهاقنة الميدانيين للعنف والتخابر وبصوت واحد كأنهم اتفقوا على إصداره حين شاهدوني في قبضتهم:

_الخ۔۔۔ل ده جيبو جوا..
***
“جابوني جوا” على جناح السرعة العجولة، وحالاً صرت كأرنب تجاسرت عليه كلاب الخلاء، وفهمت حالاً أن التحقيق معي قد بدأ قبل أن يوجه إلي سؤالاً واحداً.
دق بكل شيء يمكن تخيله سيور المكنات، خراطيش الموية، سيطان العنج، أبوات العساكر، الأيدي الخشنة من آثر عمل جهاز الدولة غير المنتج، وحتى الصاجات الخارجية لعجلات عربية متكولة في الحوش۔!

ضرب في اية موقع، الوجه، الأكتاف الضهر، ما بين الفخذين، الإليتين، السيقان، الرأس والأضنين وهذا التعذيب في “حفلة الاستقبال” الأولى هو الذي أورثني ألماً مضنياً في أذني الشمال، ما زلت أعاني منه حتى لحظة كتابة هذي السطور خاصة في أيام البرد..

(٢)

بينما نحن رقود بأمر الأفراد والضباط، إذا بالسيد الدكتور نافع يدخل منتعلاً الجزمة السوداء أم قدوم، وهو يشلت فينا يميناً وشمالاً ويصرخ بعلو الصوت لدرجة الابحاح:

_دي حكومة نحنا شغالين ليها من سنة ٥٣ تجو دايرين تنطو تقلبوها بالمظاهرات يا لو۔۔۔۔طة؟!

*****

في هذا الوقت، ولاحقاً أثناء حفلات التعذيب،  نما عندي الميل لاستخدام العنف الواقي۔ العنف الضروري۔ العنف ضدهم حينما يصير واجباً عاجلاً لشل الأيادي المعتدية المجرمة۔!!

وفجاءة الآن، تذكرت اقتراحي لمكتب الطلاب لاحقاً، بأن يعطونا إذنا لتأديب أحد القتلة وكنت قد اقترحت خطفه وتقييده لأحد الأعمدة بالسلوك وحرقه حتى يكف أذى إخوانه عن أجسادنا.
لكنهم رفضوا.

****^

في مكتب الأمن سألوني بتسجر؟
قلت: لا
۔بتسف؟
قلت؛ لا.
نط واحد قاليهم:
_ده بتاع عرقي الخول ده.
قلت له:
_ أنا لا اسكر۔

وفي الحقيقة كنت اسف وأسجر قليلاً۔
في تلك اللحظة، تمنيت سفة۔ نفس سيجارة طاير، أن أكون طليقاً أحفر وأوسع أحواض شجرات ليموناتنا الثلاث، أن أتمشى في “الشارعين”، أن اسلم على كل من يقابلني، أزور كبارنا واستمتع بمشاهدة الفضاء البلانهاية لـ “الشاوراب “ولكن!

****

الإحساس بالضيم ووقع الإهانة مرير كطعم القطران..
لفترة طويلة بعد خروجي كنت أبكي بلا سبب وجيه..
استيقظ من النوم وأبكي لفترات طويلة.. واشعر الأن بالألم الذي صدرته لتعذيب والداي بدون أن أقصد ذلك.
كنت اتجول في حوشنا طوال الليل وهجرت النوم لأتفادى الكوابيس المزعجة.
كل شيء كان غريباً. المخدة، الملاية النضيفة، اللحاف القطني، الأكل المنتظم، شراب الموية وسلام الناس عليك! وفكرت:

_ لن يغسل روحي سوى ازهاق أرواحهم..

بعد فترة طويلة زارني لينين الطيب وأستاذ برعي في بيتنا.. غلبني أن أقول لهم أنني أرتب لحمل السلاح، غلبني أن أقول سأفارقكم يا رفاق.
*****

تحدثت مع والدي الشيوعي۔ ناقشني سياسياً وفي النهاية، أمام اصراري قبل خياري بكثير من الحزن في عينيه۔ ببنما اكتفت والدتي بالرضا الساكت وماتت في يقظتها المستمرة بالبكاء.

تهديدات عبد الغفار
لهما بتصفيتي كانت حاضرة في ذهنهما كأم وكأب.

في اليوم الأخير لإطلاق سراحي كان عبد الغفار يسخر من زيادة وزني:
_ بقت ليك ج۔۔۔ات يا لو۔۔۔ي۔ اسع تطلع تتمنتش عذبوني ونا۔۔وني

****

في مكتب الأمن ستحاصر بكثير من الأسئلة، ثلاثة أسئلة في أقل من 10 ثواني، فعرفت أنهم يهدفون لتشويشي وتشتيتي حتى أقع في الشباك، فكنت لا أجيب إلا على سؤال واحد ولا اهتم كثيرا ببقية الأسئلة من باقي الضباط۔

(٣)

استنجد المعتقلين بالحراس۔ دقو الباب وصاحو، كنت أشعر بألم مضنٍ في مثانتي من أثر الركل الشديد بأبوات الجيش القاسية، شعرت بأني لا استطيع التحكم في بولي وحين تحسست بنطلوني كان هناك دم كثير وكنت أحس كان هناك “قزاز” مجرح في قضيبي۔ وكنت في حالة أقرب إلى الإغماء والذهول وكان هناك طنيناً لا يحتمل في أذني۔
حملني الحراس جذعى إلى شفخانة الأمل قبل أن يتطور ويصبح مستشفى للجهاز۔ وحين “شافوا” الدماء أشار الطبيب إلى ضرورة نقلي إلى السلاح الطبي.

****
قبل أن اخوض عن وجودي هناك بمعية حراس الأمن، أود أن أتوجه بالشكر للطبيبتين الباسلتين  في إحدى مساءات فبراير من عام ١٩٩٢ واللائي أشرفن على تطبيبي۔
كنت لا استطيع الاستلقاء على ظهري ولا بطني فالجروح الغائرة تملأ جسدي وتلتصق الدماء بالقميص الأبيض الذي ارتديه ويكون نزعها أمراً في غاية الصعوبة ومؤلما۔ حكيت للطبيبتين ما حصل وسط ذهول فردي الحراسة قالن:
_ما بنعالجو  ما بنعالجو إلا إذا جاب لينا أورنيك..
وأضافت أحداهن:
_ دي جريمة والولد حيموت..
ونفضت يدينها وتبعتها الأخرى۔ توالت الاتصالات بين الحراس وقياداتهم۔ مرت بجانبي أحداهن قلت لها أنا تعبان أكثر من المثانة تجاوزي مطلوباتك وعالجيني۔ قالت لي:
_أنا عارفة لكن ياخي ديل عذبونا عديل..
وأثناء تطبيبها لي ظهر الجميعابي في واحدة من زياراته الشتراء الخاطفة وقال لهم:
_ده ماااالو؟
لم تجبه الدكتورتان وإنما أجابه فرد الأمن الذي يدعي طوكر:
_ طالب شويعي عامل غلاغل۔

أجابهم الجميعابي بغضب رهيب:
_ ولو شيوعي جايبنو هنا ليه ما كنتو تكتلو!
وانهال علي بالضرب المبرح بالكفوف الشاملة والتي تغطي الوجه كله الخدين والأذنين والفم والعينين.. كان معتمداً لأمدرمان..
في تلك اللحظة أيقنت أنني لن أسمع بعدها، وبالجد.. هالني كيف لذلك أن يحدث؟
ألا أسمع؟

أنا أحب سماع القرآن وأولاد حاج الماحي، وأبو داؤود، وسيدة الغناء فيروز، ونجاة… الخ.
وحين واجهته في العام ٢٠٠٥ بأحد اركان الحركة الإسلامية بتلك الواقعة أنكر ذلك وانزوى بالمهاترات وتفرس في جيداً فحسبت أنه تذكر ما حدث فخجل وتحاشي النظر إلي بعدها بل  صرف عني مجموعة كانت قد أحاطت بي لاعتقالي من داخل الحرم الجامعي بعد انتهاء ندوته..

(٤)

دينق طبنج دينق
في ثقافة القوميون العرب هناك ما يسمى بالبوابة الشرقية!

في ثقافتي أنا كشيوعي بسيط لو قدر لي أن اسمي دينق فهو بوابة السودان الجنوبية!!

ااااي نعم!
دينق طبنج دينق
دينق أنا “بنجوس” يا حبيبنا۔
بنجوس بنجوس يا دينق۔

لروحه المهذارة اللطيفة  السلامية ألف سلام.. لعمران الدولة الوطنية الديمقراطية تحيات، وتحيات لفوزي أمين وزير ماليتنا العادل التفتيحة، شعب البيت أولا وبعدها تهون۔! ولأنور ود الحوش الكبير الاسمو السودان بمليون ميل مربع بلا نقصان ولا زيادة الشاب اللطيف الضحاك الطيب الوجودو نفسو داعياً لك للصمود.. لحبيبنا صلاح العالم المعلم الكبير.. وإلى خالد عبد العاطي هذا ولد يساوي وزنه ذهباً فاكتنزوه، لأن درب الثورة ما زال طويلا..
ولصديقي أحمد المجذوب۔ يا أحمد انعل ابو العربات..
سيرحمك الله يا حبيب، كنت دائماً تسألني آها العرس متين؟

في الدكان ومكتبنا في بحري وفي السوق ۔ آها يا أبو حميد..

تزوجت يا حبيبنا وانجبت ثلاث من الأبناء۔
أحدهم الأصغر سميته عليك، وعلى الرسول وعلى عمي أحمد شيخ العبيدية وعلى اسم لطالما تمنيت في أحلامي الخاصة أن اسمي به.

موتك قتلني يا أحمد ولكنا نعيش..

وللذي بذل كل مافي وسعه من اجل الكشف عن الجرائم د. محمد القاضي، فقد كان تعذيبه رهيباً لا يقاس أبداً بما شملنا.. إلى كوبا وطارق وفي شخوصهم شعب الكلاكلة العظيم.. ولسواق الشاحنة الذي واظب على التواصل بعد خروجه من المعتقل۔ وإلى سواق اللوري من المناصير والذي اعجب بجسارة المعتقلين، ولهم كلهم حين ضحكنا في هجيج الأحزان من نكته صلاح العالم في طابور السخف وكان عمنا علي الماحي حاضراً ما يزال..
نادوه بإذلال فأذلهم:
_ أحكي نكته..

فحكى صلاح:
_جدادة جات تقطع الظلط دهسها لوري قامت اتنفضت وقالت ليهم:
_الديكة كده ولا بلاش!
فضحك حراسنا المسلمون لي سنهم السابعة وسرعان ما اكتشفوا “جرمهم”  فتابوا وعادوا للعبوس!

*****

قال لي الفلسطيني نزيل الزنزانة سبعتاشر:
_لا يمكن أن يكون هؤلاء سودانيين!
وكان يبكي بحرقة۔

وهو مالك شركة “دهلة لمنتجات البحار”
فلسطيني.. وأحد كوادر “حركة الجهاد الإسلامي”۔
حين لاحظ الكيزان أرباحه العالية وسوقو الماشي، طالبوه بأن يشركهم في شركته.. رفض فطالبوه بسحب سفنه فسحبها إلى مياه مصر الإقليمية، فسجنوه وعذبوه واكتشف زيف الأخاء الإسلامي في أرض الإسلام تحت حكم إخوانه المسلمين۔

****
كان الرجل لطيفاً، أثناء تواجده معنا وزع علينا آلاف الجنيهات.. ودخل في إضراب عن الطعام وكانت الدنيا رمضان اعطيناه حلو مر وبطنو فاضية فعذبه عذاب السنين وشعرت بحزن حقيقي في عدم الانتباه لذلك بينما ظل سواق التهريب المناصيري والذي قبض عليه في صحراء بيوضة..
يسألني:
_شویعي عدييييبيل؟
فأقول:
_ أيوة عديييييل..
يسأل:
_بتعرق ناس عطبرة؟
أقول: ط
_ بعرف ناس شنكل وخالد وأولاد جبريل وناس القطي..
فيقول:
_ أنا ذاااتي بعرف ناس القطي۔
غلبه البول في الجردل بينما يجاور الآخر المخصص لموية الشراب.. قلت له؛
_عادي يا عم عبدالله۔

كان  وجهه حزيناً واكتشف للمرة الأولى في حياته حقائق مجلجلة فبكي وهو يودعنا وحين خرج ورجع إلى مهنته كسائق توقف عند قريتي بشارع الخرطوم –  مدني وطمأن أهلي علي عندما علم أنني ما ازال معتقلا.. وحين خرجت زارني مرة فكنت سعيداً أضحك بينما كان يبكي شوقاً إلي.

(٥)

ذات نهار غايظ من نهارات الصيف استدعيت للتحقيق في المكتب الخارجي الأبيض أمام  بوابة بيت سيتي بانك.
عبدالغفار وعاصم وآخر لم اتعرف عليه وقتها لكن لاحقاً، وبالصدفة عرفت أنه من نفس حلة ناس لينين الطيب..
كانوا جلوساً..
قدمني “أبوزيد” إلى باب المكتب ووقف متفرجاً،
لم يعذبني “أبو زيد” في ذلك اليوم وشعرت بغضبه من وقاحة عاصم الذي نهض ما أن دخلت ليوجه إلي لكمات سريعة متتابعة على طريقة كلاي.. سقطت على الأرض، وفكرت في حظي العاثر الذي جعل لكمات عاصم الكباشي تقع في نفس موضع ألم أذني الشمال!! بينما ظل عبد الغفار الذي تعب من لكمي وصفعي ناظراً إلي بغضب، تلك النظرة التي لا يرمش صاحبها.
وتولى عاصم والقادم الذي لا أعرفه حينها ضربي ولوي يدي حتى وهنت كوعاي، وما زالت آلامها تتاورني في الأيام الباردة.

******

سألوا عن كل شيء يمكن أن تتخيلوه ۔سكرتارية ج۔د سألو عنها وسألوا عن “جناحها العسكري”!! فهذي نقيصتهم منذ انهزامهم في معركة العنف الشهيرة سنة ١٩٨٨ بتاعت ناس الأقرع. وسألو عن علاقتي باسم طالب لا أعرفه وسألو عن عوض هارون الذي كان معتقلاً حينها  وعن الشرارة ۔وعن كتبتها۔ وماذا أقصد بأمدرمان في مشروع “القصيدة المحاكمة منذ فجر التاريخ”… الخ.

_الليلة بقتلك هنا في نفس المحل القتلنا فيهو علي فضل۔
هذا ما قاله “عبدالغفار الشريف” ونادى على “أبو زيد” بأن “يفسحني”..
ساقني ابوزيد إلى كورنة المبنى بحيث يكون مراقباً لباب المكتب وقال لي:
_ شوف يا ملكي يا كهنة أنا حادق الحيطة دي، لو الخولات ديل جو طالعين بقول ليك عشان تتحك كأني كنت بضرب فيك۔
قلت له بغير اندهاش:
_ تمام التمام..

في فسحة ما من أرض ضلال الإنسان يكون قلبه صاحياً موجوداً ونابها!

*****

لم أرى عاصم بعدها أبداً..

هذا الرجل كان أخطر من عضوية الجهاز المٶدلجة..
كان مجرماً احترافياً خطيرا..

حين يتخلى الإنسان عن كل قانون يصير وحشاً كاسرا..
وعاصم تخلى عن كل ما يمكن أن يكتب تحت “إنسان” في محاولة للتعريف به!

لقد أتوا بقلب جهاز أمن نميري المأجور يستأسدون به علي المعتقلين وعلى القيادات “المشبوهة” بالجيش!..

كان عاصم مجرد صعلوق وخائن بلا ضمير وحين سمعت لاحقاً بخبر وفاته لم أعره اهتماماً يذكر.

لكن لم تغب عني صورته أبداً.. كنت اشوفو بنفس الشكل الذي بدى به في “المكتب الأبيض” وهو يحاول أن يرضي بتعذيبي سادته الإسلاميين الكذبة، وهو يتلذذ بلوي يدي إلى أن صار  ظهرها بطناً وبطنها ظهرا!!!

******

كلما اتذكر ودالتاي، ومحمد القاضي، وعمنا علي ود. كامل حسن الذي أجلسوه ليعلمه “طوكر” ألف باء تاء ثاء ويقول له مقاطعاً أثناء حصته:
_عامل شنبك زي النمر كده.

وعلي العمدة وعصام ود حزب الأمة
يسيطر علي الغضب العارم۔ لقد عذبوهم حتى لم يبقى من العذاب شيء.

******

ظلت ضحكة وقرقريب أنور كما هي ۔صلاح العالم لا يتعب من حكيه وونسته۔ كامل في كامل قفشاته، وعمنا علي بهدوء الكبار يحلل  ويهدئ.. ۔وعمران يتفقد شعبه، وطبنج يحوم بين مجموعات الأكل ليزيد الملاح ويمد مزيداً من العيش.. وفوزي يعلن عن مهارات طبخ لا تضاهى.. أما ودالحوش فكان الأخير مع فوزي، وطبنح، وعمران من يتناولون وجبتهم.. بعد أن يأكل المناضلين والمهربين وتجار العملة  والحراس… الخ.

****

تأملني عم علي الماحي السخي:

_قميصك ده وسخان ومليان بقع في قميص هنا حق محمد بابكر خلاهو لينا ألبسو..
ولبسته، كان قميصاً محترماً ذو مزاج نقابي خمسيني لا ينقصه إلا قلم البيك الظهري واحتفظت بهذا القميص لزمن طويل حتي أهديته في واحدة من سفرياتي للبلد إلى رجلاً شاهدته عارياً بمسجد الحلة.

*****

كويس شفناك طيب.. أنا طيب
قلت له: وأنت كيف؟..
قال لي أنا طيب.  لكن كان شاحب الوجه.. عيونه تعبة جداً وساهرة.. نفسو قائم ومهدود الحيل. خجلت أن أبكي “قدام” انتصار زميلتي في المكتب۔ نزلت بجوار دكان ناس أحمد المجذوب وبكيت بقدرتي كلها۔ فصحي “الجنرال” النائم داخلي.

وفي لحظة واحدة أدركت ضعف وعدم فاعلية النضال الجماهيري السلمي في مواجهة النظام الباطش!!!

_كيف ياخينا؟
أهلك كيفم؟ قلت له تمام التمام يا عم علي.. ودخل بعدها مع مدير مكتبنا صلاح سيد أحمد، أخو طه  في مكتب ذاخر وشركاؤه للمراجعة في سوق خضار بحري۔

بعد كل عودة من التحقيقات إياها يسألني عم علي ويحفزني ألا أنسى أدق التفاصيل فأقول ما حدث بالضبانة، يحلل ما تقول بخبرة ويرمي إليك بنصائح ثمينة كجواهر.

أنت ليس وحدك، أنت تقاتل وخلفك جيش من الأسرى ۔خلفك شعبك۔ كل الأوجه الخائفة، والأوجه المطمئنة، تاريخ من الصمود وعذابات كثيرة حفظت هذا الدرب.
وأين سيخفوا زهرة الليمون والعطر حدائق؟

(٦)

الحساسية ضد المناطق المقفولة هي أول ما أصابتني بعد الخروج، حتى لو كان هذا المكان هو الحمام!
البحث عن مخرج من المكان الذي أدخله، كان مربكاً ومحرجاً فهو يبدأ مع مد اليد للسلام!
تفادي قيلولة النهار لتفادي الكوابيس بالنوم العميق ليلاً صارت عادة!
كوابيس اليقظة ظلت تطاردني ففي كثير من الأحيان كنت ارجع عايداً من مشوار كنت في دربي إليه!
تفادي المعارف الجدد فعلاً سخيفاً يشيء للطرف الآخر بغرور غير موجود أصلاً!
استنهاض أقل مسلب تأميني قديم وقرايتو بمنهج آخر معنف ومدمي صار عادة يومية غير عادلة!
الميل للعنف حتى في شكلة عادية مع كمساري شليق صار مسلكاً يوميا.
نفاد قدرة غض النظر عن الأخطاء الصغيرة والغفران… الخ.

(٧)

أما ليلة القبض على البعثيين فكان أمراً جللا۔
عاد فريق الاعتقال الذي اغتال ضابطهم “طلال” أثناء مداهمة منزل عتيق عن طريق الخطأ۔
“شفقة بت مسيمس”
عاد هذا الفريق المجرم  ليخرج البعثيين ويعذبهم عذاباً لم أشهد مثله في حياتي۔
استمرت “الحفلة” من حوالي الواحدة صباحاً وحتى السادسة ونصف۔ درديق في الطين وضرب غير معقول بالعصي والسياط وألفاظ نابية لم يدخروا لفظاً إلا ورموه على مسامعنا۔ ولا زلت أذكر غضب فوزي وحزن علي وعمران الذي طبطب على كتفي حين شاهد دموع غضبي.

وقبل أن يغادر المجرمين لم ينسوا أن يذكروا الشيوعيين بأن الدور جاييهم الليلة دي!
_الليلة دي يا ل….ة..
مثلما كان يردد “طوكر”

الغريبة أن “طلالا” كان قبل أقل من أسبوع  بالبيت بيستعرض في عضلاتو وبقل في أدبو خاصة مع أحد طلاب الثانوية بتاعين بيت المال اعتقل لأنه كان يتظاهر وحيداً ممسكاً بلافتة قصاد المدرسة الأهلية.

شارك في ليلة التعذيب كل القيادات الميدانية للجهاز، وشاهدت بأم عيني عبدالله الشاويش وهو يحمل خرطوش المياه الأسود وهو يتصبب عرقا.

******

كان عنفهم رهيباً ضد عصام، أحد أبناء النيل الأبيض وحزب الأمة وطالب كلية العلوم بجامعة الخرطوم.
سألت عنه بعد خروجي وعرفت أنه سافر إلى روسيا.

كان عنفاً وحشياً، وكاسر.. شهدت فصول منه عيان بيان وقد صمد عصام صموداً أسطوريا، وترك التعذيب داخل روحه الغضة الطيبة آثاراً لا اعتقد أنها ستزول بسهولة.
في معظم الأحيان كان عصام شارد الذهن، وساهياً بشكل مقلق، وكان يميل للانزواء بنفسه وليس له ثقة في أحد، وكأنه أحد أبطال مسرحية قتل مجنون بالبنادق.
لم يستطع أن يستوعب ما يجري من جريمة إلا حين صار في داخل كواليسها، من قوى يمكن تصنيفها بأنها من نفس نادي الإسلام السياسي الذي ينتمي إليه۔
كان يعود من تحقيقاته وهو لا يقوى على الكلام يهمس بتعب حقيقي، فلا تكاد تسمعه وآثار العنف في كل جزء من ملابسه.
أكثر ما عذبني منظره لأنه يعيدني إلى مشهد استشهاد ناس كرري بعد كمال إدراكهم “انو مافي نصرة”
كنت أقول له:
_والله “النصرة في”..
فيبتسم وهو لا يقوى على الابتسام.

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.