الجمعة , مارس 29 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / سيناريو استقالة حمدوك

سيناريو استقالة حمدوك

If Worse cam to Worst
محمد جلال أحمد هاشم
جوبا – 26 نوفمبر 2020م
لقد بدأت الحكومة المدنية بإجماع كامل حول حمدوك بأنه المنقذ الأوحد للبلاد كما لو كان هبةً أرسلتها السماء. والآن اصبح هناك أيضا إجماع حول حمدوك، لو لم يكن كاملاً، فهو شبه كامل وسوف يكتمل هلالُه عما قريب، بأن حمدوك ضعيف الشخصية وعديم القدرات وفاشل ولا يملك من فن الحكم شيئا بخلاف ابتسامته. وقد بدأ يتشكل إجماع بأن موهبة حمدوك في الفشل تمثل لغزاً يصعب فهمُه لدرجة مريبة. وبالطبع، من المتوقع أن تلتقي هذه الآراء جميعها مع ما قلناه من أول وهلة بأن حمدوك ليس غبياً وليس عديم القدرات، بل هو مجرد عميل كومبرادوري لقوى الإمبريالية الرامية إلى تفكيك السودان ورهنه لها عبر تمكين الحركات الدينية الرجعية التي يعرفون جيداً كيف يطوعونها. وما رئاسة الوزراء بالنسبة لحمدوك الأفندي سوى مجرد وظيفة مرحلية في فترة ما بعد المعاش، منها يمكن أن ينطلق في فضاءت المنظمات الدولية التي تمرغ في طينها ووحلها لسنوات عددا. فمع نهاية شهر مارس 2018م، وعمر البشير لا يزال في كرسيه الذي كانت نيران الثورة قد اشتعلت تحته، كان بعض سفراء الدول الغربية بأديس أبابا قد فرغوا من جميع الترتيبات مع حمدوك ليصبح رئيس وزراء الفترة الانتقالية. ولإخفاء عمالته هذه وضع حمدوك قناعاً زائفاً فوق وجهه، متظاهراً بالفشل (وعامل فيها رايح). فهو لم يعقد مؤتمراً صحفياً مفتوحاً بالمرة، مثلما يفعل رؤساء الحكومات؛ وهو لم يخرج للجماهير مخاطبا لها في الميادين وتحت قبة السماء، كما يفعل الرؤساء وكل من يطمح في السلطة (بما في ذلك حميدتي نفسه الذي أصبح فريقاً في الجيش وهو لم يدرس الخلوة، دع عنك نيل الدراسة في خورطقت، وجامعة الخرطوم، ثم التحضير للدكتوراة في بريطانيا والعمل في المنظمات وعلى رأسها الأمم المتحدة حتى سن المعاش)؛ وقد وصلت الجماهير المليونية أمام عتبة مكتبه، فساطتها جندرمة قوى الثورة المضادة بالسياط والعصي والبمبان، يعني بالضبط كما فعلوا بالثوار في جريمة فض الاعتصام وهم في عتبة القوات المسلحة يستقبلون الصبح، صائمين، ركعا وسجدا.
إذن يا سادتي حمدوك فاشل بدرجة الأستاذية في الفشل! ومن لا يزال يكرر مقولة “شكراً حمدوك”، فلا مكان له من الإعراب إلا كعاطف ومعطوف على الحالمين الذين لا يزالون يعتقدون أن ترامب قد فاز في انتخابات أمريكا التي جرت مؤخرا.
ثم جاءت اتفاقية سلام جوبا التي وقعتها الحكومة حركات الكفاح المسلحة الإسفيرية، تهرباً منها في أن تواجه حركات الكفاح المسلحة الحقيقية التي تحتل الأرض وتملك الجيوش. ولا غَرْوَ! فنظام الإنقاذ قد سقط سياسياً، لكنه لم يسقط بنيوياً. فاللجنة الأمنية لنظام الإنقاذ (1)، وبعدها المجلس العسكري لنظام الإنقاذ (2) هي نفسها التي تحكم الآن في مرحلة الإنقاذ (3) عبر ما يسمى بالمكون العسكري في مجلس السيادة. وقد تم تتويج كل هذا بما يسمى زوراً وبهتاناً بلائحة شركاء الفترة الانتقالية التي خططوا لها بأن تكون بديلاً عن الوثيقة الدستورية التي شوهتها الخروقات فلم تعد هي نفسها الوثيقة التي بموجبها تشكلت دولة الإنقاذ (3). وعليه، قاموا بحذف مجلس الوزراء من مطبخ صنع القرار دستورياً ولكن عبر لائحة داخلية، فتصوروا! كما فعلوا نفس الشيء مع المكون المدني في مجلس السيادة، ولا غرو! فهم أصلاً كومبارس في مسرح المجلس العسكري، وهو مسرح قد فاق جميع مسارح العبث (أو بقلب الحروف “مسرح البعث”). فكأن لم يكفهم هذا، ها هم الآن هم مقبلون على مرحلة إعادة “شك الكوشتينة” في مجلس الوزراء. فماذا يا تُراهم فاعلون بالرجل “العامل فيها رايح”، أي حمدوك؟ أحد أقوى الاحتمالات هو أن يُقيلوه! بالطبع، لا يمكن أن نتوقع منه أن يحتجَّ مجرد احتجاج، دع عنك أن يرفض، أللهم إلا إذا أصابتنا لوثة ترامبية، أو “تكون الكرونا طلعت لينا في الراس”.
ولكن لماذا يُقيلوه بقرار معلن منهم؟ فمثل هذا القرار سوف يكشف انقلابهم ويُزيل أي شك من قبل الجماهير بأن ثورتهم قد سُرقت يوم قبلوا بخطة قوى الهبوط الناعم التي سوَّقت لشراكة المجلس العسكري بوصفها إحدى ضرورات المرحلة. وعليه، ليس من الحكمة أن يُقيلوه بطريقة مباشرة وواضحة، خاصةً إذا كان في مقدورهم أن يحققوا إقالته دون أن يتحملوا مسئوليتها. كيف؟ ذلك بأن يباشر حمدوك بتقديم استقالته على أنها جاءت بمحض إرادته.
هذا هو أسوأ الاحتمالات فيما يتعلق بإمكانية تقديم حمدوك لاستقالته من باب التواطؤ مع المجلس العسكري وقوي الهبوط الناعم (ما تبقى منها من أحزاب الفكَّة بجانب حركات الكفاح المسلح الإسفيرية).
كيف يمكن أن يحدث هذا؟ ببساطة عبر محور الشر (السعودية والإمارات ومصر). كيف؟ بأن يعرضوا على حمدوك الأفندي وظيفة مدير عام لواحدة من المؤسسات المصرفية الإقليمية العربية، مثل المصرف العربي أو البنك العربي للتنمية في أفريقيا، وما شابهها. ويكمن سوء هذا السيناريو في أنه يكشف استعداد حمدوك لإتمام دوره المشبوه إلى آخر الشوط، بدءاً من تآمره مع قوى الإمبريالية العالمية لإفشال مشروع الثورة النبيل المتمثل في تشكيل حكومة مدنية مع مجلس سيادة ذي صلاحيات تشريفية، إلى إتمامه الدور بتسليم البلاد للمجلس العسكري وقوى الهبوط الناعم بشقيها. وهذه هي نفسها القوى التي كانت تتفاوض مع دولة الإنقاذ على عهد رئيسها المخلوع.
هنا علينا ألا ننسى أن مصطلح “الهبوط الناعم” كانت قد ابتدعته أول أمره دول الترويكا الغربية (الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج) التي وقفت، وبالمكشوف، ضد أي محاولة لتغيير نظام الإنقاذ. وعليه، قامت بطرح مشروعها الذي أطلقت عليه مصطلح “الهبوط الناعم”، فقبلت به القوى السياسية المنضوية تحت تحالف “نداء السودان”، ومن بينها الحركات المسلحة الإسفيرية نفسها التي وقعت اتفاق سلام جوبا. وقد احتفلوا بهذه الاتفاقية مؤخراً وهي نفسها التي ، بدلاً من إيقاف الحرب، قد أشعلت فتيل النزاعات في مناطق جديدة، حتى قبل أن يتم التوقيع عليه نهائياً. لا غَرْوَ أن أول شيء صرَّح به قادةُ هذه الحركات الإسفيرية هو ضرورة التصالح مع الإسلاميين، بينما صرَّح بعضُهم مهدِّداً من عدم تدريس القرآن بنفس طريقة الكيزان، مستخدماً نفس تكتيك الكيزان في الترهيب والمزايدة والابتزاز لدغدغة مشاعر العامة وتأليبهم ضد أي مشروع استناري أو ديموقراطي. لقد ملكوا الجرأة ليصرِّحوا بكل هذا وهم لمَّا يتم تعيينهم في أي منصب دستوري بعد. فكأننا يا بدرُ لا رُحنا ولا جينا!
وبعد؛ إن المؤامرة على الثورة وعملية التحول الديموقراطي قد أصبحت مكشوفة وواضحة وضوح الشمس في رأد الضحى. وقد بدأت يوم 13 أبريل 2019م عندما تسللت قوى الهبوط الناعم إلى القيادة العامة عبر بوَّابة غير متفق عليها، لا ليملوا على العسكر شروط الثورة (كما كان متفقاً عليه)، بل ليعاونوهم في سرقتها. لا غَرْوَ أن خرج علينا بعدها ثلاثي أضواء المسرح (مريم والدقير والأصم) ليبشرونا بأن المجلس العسكري (أي نفس لجنة البشير الأمنية) قد منحهم حق تشكيل حكومة مدنية تحت سيادته المطلقة. أي إعادة إنتاج حكومة عبد الرحمن سوار الدهب والجزولي دفع الله الكيزانية التي عبرها تمت سرقة ثورة أبريل 1985م المجيدة. ولكن ما كان لهذه الخدعة والخيانة البلقاء أن تنطلي على الثوار. ففي تلك اللحظة تفتق الوعي الثوري عن الهتاف الداوي “مدنياااااااو” التي ظلت جماهير الثورة تهتف به إلى أن غدرت بهم مليشيات الجنجويد الإثنية ومليشيات النظام البائد من عسكرية وشرطية وأمنية، مرتكبةً أفظع جريمة يمكن أن ترتكب على عتبة القيادة العامة لقوَّاتٍ مسلحة، ثم استباحتهم بعد ذلك، مُدُناً بعد مُدُنٍ، مليشيات الجنجويد الإثنية العابرة للحدود، والجيش يتفرَّج حتى هتف الشعب ساخرا: “معليش .. معليش .. معليش، ما عندنا جيش”. ثم عندما اتخذت قوى الحرية والتغيير قرار مقاطعة المجلس العسكري والعمل على إسقاطه بوصفه الإنقاذ (2)، كانت قوى الهبوط الناعم نفسها هي التي تسللت خلف الجماهير والتقت بالعسكريين لمواصلة مشروع سرقة الثورة.
على هذه الخلفية التآمرية جاء تعيين حمدوك رئيسا لحكومة الثورة بوصفه خيار الثورة. ولكن، كما قال الفيتوري، فالغافلُ هو من ظنَّ الأشياء هي الأشياء! لقد جاء اختيار وتعيين حمدوك كجزء من عملية تآمرية محكمة من قبل قوى الإمبريالية العالمية عبر أذرعها الإقليمية ممثلةً في محور الشر. فقد قامت استخبارات محور الشر بفتح حوالي 3 ملايين حساب وهمي في الوسائط الاجتماعية لتجميل صورة العسكريين والجنجويد وتسويق حمدوك على أنه أمل الجماهير (بالضبط كما فعلت روسيا في انتخابات أمريكا عام 2016م وبموجب ذلك فاز ترامب). وقد كشفت هذا صحيفة النيوزويك دون أن تنفي ذلك دول محور الشر. فقد مثَّلت ثورات الربيع العربي درساً كبيراً لقوى الإمبريالية العالمية فهذه الثورات يمكنها تغيير الأنظمة، لكنها لا تملك أي تصور أو قدرة على إحلال البديل الذي تريده. وعلى هذا شرعت قوى الإمبريالية العالمية في تجهيز هذا البديل وتسويقه. وطبعاً انكشف لاحقاً اجتماع صلاح قوش (عميل الإمبريالية الأول في السودان) مع حمدوك، بمعية آخرين، قبل سقوط عمر البشير.
من ذلك أيضاً أن حمدوك كان يعلم منذ شهر يونيو 2019م (أي قبل شهرين من تسميته رئيسا للوزراء) أن المجلس التشريعي سوف يتم تأجيله لمدة شهرين، ثم بعد ذلك سوف تحدث عدة ديناميكيات تحول دون تعيينه نهائياً. والآن بعد أكثر من عام، والجماهير لا تزال تطارد مجلسي السيادة والوزراء لتشكيل المجلس التشريعي، وعبر ما يسمى بلائحة شركاء الفترة الانتقالية، يمكن أن يتم تشكيله بأغلبية ساحقة من قبل المجلس العسكري وباقي قوى الهبوط الناعم. أي أن يكون مجلساً تشريعياً صورياً بالضبط مثل مجالس نظام الإنقاذ (1). وكذلك ترشيح نظام الإنقاذ (1) له لمنصب رئيس منظمة الكوميسا، فخسر المنصب لتكتل الأفارقة ضده بوصفه ممثل السودان. ثم ترشيحه وزيرا لمالية الإنقاذ (1)، حيث قبل بالمنصب، لولا أن قامت بعض الدوائر الغربية في أديس أبابا بإثنائه عن قبول المنصب، تحضيراً له لدور أكبر. مرة أخرى لا نملك إلا أن نقول: فكأننا يا بدرُ لا رحنا ولا جينا!
والسؤال الذي يعنينا هنا هو: هل سيواصل حمدوك مسلسل خيانته للثورة ولبلده إلى نهاية الشوط وهو في منصبه كرئيس للوزراء، أم أنه سيهرب الآن إذ حمِيَ الوطيس؟ وهل، في حال هروبه، سيقدِّم آخر خدماته للمجلس العسكري، ذلك بأن يبرِّئه من كل موبقاته النكراء، مُزكِّياً له ومُقرِّظاً، ليستلم بعد ذلك الثمن، أكان في شكل وظيفة رفيعة، أو ربما قصر منيف في أمريكا؟ إذا فعلها، فقد باع إذن نفسَه للشيطان مرَّتين (على أقل تقدير)، بينما هو يظنُّ أنه قد باع شعبه وبلده. لكم صدق لينين عندما قال بأن الشيوعي عندما يسقط، فإنه يسقط إلى القاع عمودياً.
كنت قد قررت أن أتوقف عن نقد حمدوك نهائياً، ذلك لعدة أسباب، منها تكاثر سكاكين النقد عليه بأدائه البائس والمحبط بطريقة تُثير الريب؛ ثم امتثالاً للمثل القائل “الضرب على الميِّت حرام”. ولكن حمدوك ظل يثبت لنا بطريقة مستفزة صباح كل يوم جديد أنه فعلاً يفوق سوء الظن العريض. لفهم ما أقوله هنا على القراء أن يلاحظوا أن المرء عندما يريد أن ينتقد حمدوك لا يمكنه أن ينتقده هو فحسب. فانتقاد حمدوك سوف يورِّطُك في انتقاد جملة مواقف لقوى أخرى عديدة. والسبب في هذا تشابك فشل حمدوك مع عناصر وعوامل كثيرة بحكم أنه نفسه يشكل جزءاً من تلك العناصر والعوامل والقوي. وحمدوك في وضعه الحالي هذا يمثِّلُ big liability، ذلك إذا ما واصل في تواطئه عبر احتفاظه بمنصبه. فهو الآن يلعب دور تنفيسي لقوى الثورة، ذلك عبر منصبه. فإذا تمَّ تغييره، عندها لن يكون هناك أمام “حَلَّة البريستو” الخاصة بالثورة أي مجال للتَّنفيس. وعليه، سوف تنفجر هذه “الَحلَّة” في يومٍ أكيد وقريب وسريع في وجه نظام الإنقاذ (4)، أي النظام الذي سوف يتمخَّض بعد استفراد جميع قوى الثورة المضادة من عسكريين وجنجويد وكيزان وهبوط ناعم (بشقيه الحزبي وحركات الكفاح المسلح الإسفيرية) بمفاصل الحكم فيما يسمي الآن بالفترة الانتقالية التي هي فعلاً فترة انتقالية، لكن داخل العملية التناسلية لنظام الإنقاذ. وبهذا تكون خطة الكيزان الأصلية في التخلص من عمر البشير وطغمته، مع الاحتفاظ بالحكم في نفس الوقت، قد تحققت. وهي نفسها خطة قوى الإمبريالية العالمية التي نحتت مصطلح “الهبوط الناعم”.
إذن دعونا ندعو ونصلِّي لله بأن يرفع عنَّا الكرونا ويرفع معها حمدوك إلى أعلى وظيفة دولية يحلم بها، أللهمَّ آمين! بس يحل عننا!
MJH
جوبا – 26 نوفمبر 2020م

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.