الخرطوم:جريدة الراكوبة
الالكترونية 07.11.2020
د. شمس الدين خيال
لماذا تعبث حكومة الثورة بمصالح الوطن؟
في خبر لجريدة الراكوبة الالكترونية بتاريخ 02.10.2020، اعلن وفد من السودان، ممثل في وزير التجارة ووزيرة المالية المكلفة ووزير الطاقة المكلف من داخل دولة الامارات العربية (وليس من داخل السودان) تحرير سوق الطاقة الكهربائية!! حيث اورد الخبر ان الوفد وقع علي مذكرة تفاهم لانتاج الطاقة الكهربائية من المصادر الشمسية عن طريق ما يسمي بنظام “منتج الطاقة المستقل Independent Power Producer، IPP” بموجب التقاعد علي نظام ال IPP تقوم حكومة السودان بشراء الطاقة ”بالسعر التنافسي” من المنتج، حسب الخبر.
هذا الحدث يحث المواطن علي التساؤلات التالية:
هل وصل بنا الحال إلى هذا الحد من التبعية والخنوع والبلاهة السياسية بأن نعلن سياساتنا القومية خارج الوطن، وذلك من غير توافق قومي على هذه السياسية؟ هذا حدث لا يليق بدولة خرجت بعد ٣٠ عامًا من ابشع صنوف الدكتاتوريات بثورة تاريخية دفع فيها آلاف السودانين ارواحهم من أجل الحرية والكرامة وإنهاء التبعية المذلة.
ثم، اي سعر تنافسي اتفق عليه او سوف يتفق عليه في هذا التوافق؟ هل هناك سعر “تنافسي” لإنتاج او بيع الطاقة في السودان؟ وهل يوجد في العالم ما يعرف بسعر تنافسي الكيلوات/ساعة، لا نعرفه؟ من أين يأتي هذا السعر التنافسي ومن يحدده؟
السعر التنافسي قد ينتج عن تنافس عدد من المنتجين او البائعين لسلعة معينة. وذلك بتوفر كثير من الشروط التنافسية، التي قلما تكون متوفرة في سوق ما.
نظام ال IPP يمكن أن يكون له معني في سوق حرة بها كثير من المتنافسين. حيث يمكن أن يرفع من درجة المنافسة في السوق، من اجل تخفيض السعر للمستهلك. في مجال انتاج الطاقة الكهربائية يستعمل هذا النظام عادةً بتعاقد مباشر بين المنتج والمستهلك وفي الاسواق المحررة ذات التنافس العالي. وقد يكون مجدي اقتصاديًا (اي ذو سعر مجز) للدولة إذا جاء التقاعد عن طريق مناقصات بموجب قانون للطاقة.
قطاع الطاقة، وخصوصا قطاع الطاقة الكهربائية، يخضع في كل بقاع الارض لسياسة الدولة من اجل تأمينها بقيمة منخفضة ومتيسرة للمستهلك. حتي في الدول ذات الاقتصاد الحر تكون الدولة ملزمة بموجب قانون الطاقة علي تحقيق هذه الاهداف. حيث تعتبر الطاقة سلعة عامة واستراتيجية ترتبط بالاستقلال السياسي والاقتصادي وتطوره وقدراته التنافسية. كذلك ترتبط سلعة الطاقة مباشرة بالعدالة الاجتماعية وتطور المجتمع.
لذلك يحتاج السودان إلى قانون واستراتيجية للطاقة من اجل تأمينها بتكلفة متيسرة للمستهلك الخاص ومخفضة وتنافسية للمنتج!! من أجل الوصول الي تلك الاهداف تمثل المناقصات بموجب قانون للطاقة الوسيلة المثالية، والمعمول بها في معظم الدول، حتي في الدول المتقدمة. حيث يمكن تحديد نوعية النظام (اذ يكون IPP او PPP او BOT او B.O.O.) الذي تحدده المناقصات، حسب مقدرات شبكة الامداد ومواصفات المشروع وتقديرات الخبراء الفنيين والاقتصاديين والقانونيين…إلخ. بجانب مراعاة العوامل الاقتصادية في وضع المناقصات، يجب مراعات العوامل السيادية والاستقلالية واولوية الاستثمار المختلط مع المواطنين السودانيين. حيث يعتبر بقاء العائد المالي للاستثمارات في يد الدولة والمواطنين من الاعتبارات الاقتصادية المهمة.
لكل هذه التساؤلات والحقائق الاقتصادية والسياسية يعتبر تحرير سوق انتاج الطاقة الكهربائية في السودان في غياب قانون واستراتيجية قومية للطاقة، عمل في غاية العشوائية ولا يمكن ان يصب في المصلحة العليا للبلاد.
ارتباطا بهذا الحدث، اتساءل بالصوت العالي عن أسباب إحجام وزارة الطاقة عن اعداد قانون للطاقة، رغم النداءآت والمبادرات المطالبة بذلك منذ قيام حكومة الثورة. هل تتمثل الاسباب في سلبية المسؤولين؟ ام هي محصلة ضعف القدرات والمؤهلات؟ هل هي سياسة متعمدة تهدف لعدم التقيد بالقانون علي نهج النظام المدحور؟
تأمين الطاقة قضية قومية ترتبط بسيادة واستقلالية الدولة ونموها الاقتصادي وعدالتها وأمنها الاجتماعي. لذا يرتبط نظام الطاقة واستراتيجيتها ارتباطًا مباشرا بالنظام الاقتصادي الذي يليق بالسودان ويتوافق عليه جميع أهل السودان. من أجل الوصول إلى توافق واستراتيجية قومية لنظام طاقي مستدام يلبي طموحات الشعب السوداني في التنمية والعدالة الاجتماعية لابد من خلق منبرعام شفاف للتداول في هذا الأمر الحيوي وفي كل قضايا النظام الاقتصادي الملائم للبلاد.