الثلاثاء , مارس 19 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / الذكرى الأولى لمذبحة الاعتصام.   د. الشفيع خضر سعيد

الذكرى الأولى لمذبحة الاعتصام.   د. الشفيع خضر سعيد

وفق التقويم الهجري، مرّت في 29 رمضان المنصرم قبل يومين، أعاده الله على بلادنا وعلى العالم بالخير والسلام وغروب الجوانح، مرّت الذكرى الأولى لمذبحة ميدان القيادة العامة بالخرطوم، عندما غزت جحافل تتار السودان، في جنح الظلام، ميدان القيادة، لتمزّق وتحرق أجساد الشباب وهم نيام، معتصمين سلميا أمام بوابات القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، محملين بعشم أن تحميهم هذه القوات من بطش كتائب الموت، ولكنها لم تفعل. لم يكن الهدف الرئيس للغزو هو فض الاعتصام، فهذا كان يمكن أن يتحقق بدون إطلاق رصاصة واحدة، والمعتصمون كانوا عزّلا إلا من سلاح تصميمهم على إنتصار الثورة، وكان يمكن إعتقالهم جميعا واحدا واحد، ماداموا نياما وعددهم قليل، مقارنة بحجم وعدد وتسليح القوات الغازية. وبالنظر إلى عمليات القتل وإلقاء الجثث في النيل وإطلاق الرصاص حتى على المحتمين بالمستشفيات القريبة من موقع الإعتصام، وبالنظر إلى أن هجمات فض وقمع الإعتصام تمت بالتزامن في كل مدن السودان التي إعتصم فيها الثوار، وليس في الخرطوم وحدها، وبالنظر إلى ما تبع المذبحة من عمليات إختطاف وقتل للقيادات من شباب لجان المقاومة في الأحياء، ومن فرض للأحكام العرفية وتحويل العاصمة إلى ثكنة عسكرية ترهب وتقمع، ومن قطع للإنترنت ومنع الندوات والمؤتمرات الصحفية، حتى ولو كانت محصورة داخل الأندية والمقار، بالنظر إلى كل هذه الوقائع، فإن الهدف الرئيس من غزوة فض الإعتصام، بحسب إعتقادنا، كان قتل أي أمل في التغيير عبر سفك دماء أكبر عدد من الشباب المنهمك بهمة وجدية وحيوية في التخطيط لبناء الغد الواعد في بلادنا. كانت المجزرة إنتقاما، وتمهيدا لإنقلاب مضاد على الثورة المجيدة، إستهان مخططوه ومنفذوه بشعب السودان العظيم الذي هزم الإنقلاب بعد ثلاثة أسابيع في 30 يونيو/حزيران 2019. لا توصيف لمذبحة فض الإعتصام سوى أنها جريمة قتل عمد مكتملة الأركان، لا يجب أن نسمح بإفلات من خطط لها أو نفذها من العقاب، وفي ذات الوقت يجب أن لا نسمح لأنفسنا بالتشويش على عمل لجنة التحقيق المكلفة من قبل رئيس الوزراء لكشف أسرار هذه الجريمة، وعلينا إنتظار تقريرها النهائي. ولكن، على اللجنة أيضا الإسراع بإنجاز هذا التقرير وفق ما تقتضيه حيثيات سير العدالة، وليس لمجرد إرضاءنا.
لقد كتبنا من قبل أن من أولى التحديات التي تواجهها ثورة السودان، هي أن إنتصارها سيظل جزئيا وغير مكتملا إذا توقف فقط عند الإطاحة بالغطاء السياسي لسلطة تحالف الإستبداد والفساد، بينما جسد التحالف باق ينخر في عظام الثورة، وينسج خيوط غطاء سياسي بديل، لينقض ويحكم من جديد بقوة الدم المسفوح. وبالمناسبة، تحالف الفساد والإستبداد هو وصفنا لطبيعة نظام الإنقاذ الذي كان من أهم أركانه، الفساد الذي ذاع وعمّ القرى والحضر، وحمايته، هو وكرسي السلطة، بالإستبداد والقمع الوحشي. لذلك، نحن عندما نتحدث عن تحالف الفساد والإستبداد، لا نتحدث عن مكون أو وحش هلامي، ولا نستدعي تخيلات من وحي أفلام هاري بوتر أو شرلوك هولمز، وإنما نتحدث عن الإنقاذ كوحش حقيقي مجسّد، وليس شبحا أو وهما، ظل جاثما على صدر بلادنا لثلاثين عاما.
ثورة السودان ليست حدثا مؤقتا أو نزهة قصيرة، هي سلسلة عمليات ومراحل، قد يطول الزمن أو يقصر قبل بلوغها عتبة الإنتصار. وأعداء الثورة، من أذناب تحالف الفساد والإستبداد وغيرهم، يحلمون أنهم كلما سارعوا بالهجوم عليها وهي في بواكير أيامها، كلما كان الإنقضاض عليها أسهل. لذلك، هم يسعون للزج بها وبالثوار في ركن قصي، مستخدمين شتى الأساليب والطرق، حتى يستطيعوا أن يصولوا ويجولوا سباحة في بحور دماء الشهداء الطاهرة، وعكسا لإتجاه دوران عقارب الساعة. ومن بين هذه الأساليب محاولة شيطنة لجان المقاومة تمهيدا للقضاء عليها قبل أن يشتد عودها، بإعتبارها رأس حربة الثورة، حيث ظلت تنظم وتعبئ الجماهير في الأحياء والقرى، وقامت مقام الوسائط الإسفيرية، عندما قطعت السلطات الإنترنت من البلاد، لتنظيم مليونية 30 يونيو/حزيران التي هزمت محاولة الإنقلاب والردة. وهي الآن، تقوم بحراسة الثورة وحمايتها، ليس من الأعداء فحسب، بل بمراقبة صارمة لأداء الفاعلين السياسيين في الفترة الإنتقالية، كما تلعب دورا في البناء الوطني وتقديم الخدمات تيسيرا لمعيشة الناس. وشباب لجان المقاومة، تشكل وعيهم في دروب حدة الصراع السياسي الاجتماعي وحراك المجتمع المدني في البلد. ووجودهم المستقل عن المواقع المتنفذة، في الحكم وخارجه، سمح لهم بالرؤية الناقدة، كما إن تطلعهم نحو الأفضل يؤهلهم ليخلقوا البدائل الأكثر إنسجاما مع المستقبل. ولجان المقاومة لا تحرّك الشوارع، إنتصارا لهذا الحزب أو ذاك، أو رغبة في الاستوزار وكراسي الحكم، ولكنها ترفع شعارات تغيير أوضاع الشعب المزرية، وضرورة أن يتخطى السودان خط الفقر ودائرة العنف السياسي والإثني، إلى رحاب الحياة الديمقراطية التي تقبل الجميع. كما عبرت عن مطالب الشباب في تنسم مناخ الحرية، وفي العيش والدراسة بكرامة وفي أجواء خالية من الوجل أو الخوف. وهي بهذا الفهم، لا علاقة لها، من قريب أو بعيد، بتجربة لجان الثورة الثقافية في الصين على أيام ماوتسي تونغ، والتي تشكلت بقرار من الحزب الحاكم، وفي إطار الصراع على السلطة داخله، ووفق بنيان آيديولوجي محدد. وهي قطعا تمثل نقيضا لتجربة الدفاع الشعبي والأمن الشعبي المؤدلجة، حامية فساد الإنقاذ وإستبدادها.
صحيح، يمر السودان اليوم بمنعطف هو الأكثر خطورة والأشد وعورة، في ظل حرية حركة الأرواح الشريرة، المُتجسدة. وصحيح أن هذا الوضع يتطلب إعلاء صوت الحكمة مثلما يتطلب التقدم بمشروع وطني يسع كل من شارك في الثورة، من لا يعاديها أو يحاربها. ولكن هذا المشروع لا يمكن أن يمر مرور الكرام فوق جثث أبناء الوطن، وفوق جرائم الإنقاذ، وتحقيق العدالة طريقه الوحيد.
د. الشفيع خضر سعيد
القدس العربي اللندنية

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.