الخميس , أبريل 18 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / *لكى لا ننسى ..* *من ملف بيوت الأشباح ..*

*لكى لا ننسى ..* *من ملف بيوت الأشباح ..*

🇸🇩⚖

*لكى لا ننسى ..*

*من ملف بيوت الأشباح ..*

*تجربة الأخ والصديق الراحل خالد الحاج الحسن*
*مؤسس موقع سودانيات مع بيوت الأشباح ..*

1)

العام 1992 شهر مايو والخرطوم كعادتها تزدحم بالسابلة يحتمون بظلال النيم ويسيرون علي عجل منهم من يبحث عن وسيلة مواصلات ومنهم من يسارع الخطي مخافة الكشات مرة لتفريق العاصمة ومرات للتجنيد القسري عدت في ذاك اليوم من مكتب الضرائب بعد أن بزلت فيها جهد ليس بالقليل لإقناع أحد المفتشين أن أدوات معمل مصنع الصابون مستوردة بإسم ريمون بيطار وأن هذا الرجل لا توجب عليه زكاة ودخلت مكتبي في عمارة التاكا. وما أن جلست علي المكتب حتى جاءني احد المراسلات قائلا أن هنالك من يسأل عني فقلت دعه يتفضل جاء شخص ضخم وسلم خير سلام ثم تبعه آخر قلت تفضلوا- يا جماعة تشربوا شنو -والله لو ممكن موية باردة لو سمحت- ثم بادرني- نحن من الأمن العام ويا أخي دايرنك تجي معانا شوية- في شنو يا جماعة إن شاء الله خير-لا ما في حاجة بس شوية أسئلة كدة وبترجع لي شغلك-خير مافي عوجة بس خلوني أسلم الورق ده وأستأذن وأمشي معاكم- لا الورق خليه في مكتبك ده وأرح طوالي مافي داعي تستأذن- وتركت مكتبي وأوراقي ومفتاح الفيسبة وخرجت معهم وعند نزولي أسفل البناية رأيت عربة بوكس بها شخص يجلس في مؤخرتها وبادرني أهلا بالبطل المناضل وأكرموني بالجلوس في السيارة في الأمام وجلس احدهم بجانبي وقال لرفيقه -أرح- واتجه الأخير الي الخرطوم ثلاثة وعند وصولنا الي نادي الأسرة سألني- بيتكم وين-فقلت -بيتنا في الصحافة يا جماعة فقال- يا زول إنت ماساكن هنا- ولم ينتظر إجابتي وقال ?أرح .. مربع كم يازول -مربع خمستاشر -أرح- وصلنا المنزل سلموا أسلحتهم لمن ناداني بالبطل ودخلوا معي إلى المنزل وكانت الوالدة عليها الرحمة تجلس تحت ظل النيمة في الحوش فرحبت بنا ودخلنا الصالون وقام أحدهم بالإتجاه نحو المكتبة -دي مكتبتك يا زول- لا مكتبتي في الغرفة التانية- ممكن نشوفها-جدا -الوالدة يا ولدي في شنو -مافي حاجة يمة بعدين بوريكي- ودخلوا غرفتي دخول الفاتحين وبدأ أحدهم يقرأ للأخر عناوين الكتب-مجلات الكرمل اللهجة العامية في السودان طبقات ود ضيف الله النزعات المادية في الإسلام ده جيبو جاي مدن الملح الزول ده مثقف القرآن الكريم الأطفال والعساكر ده برضو جيبو علاقات الرق في المجتمع السوداني جيبو كدي زح ليّّ وقام بأخذ ما مجموعه عشرون كتاب لم يكن بينهم القرآن الكريم -الوالدة تنادي يا ولدي الشاي وتسألني حينما خرجت لأخذه في شنو وديل منو إنت سويت ليك مصيبة ولا شنو مجموعة من الأسئلة لم أكن أملك لها إجابة وخرج هولاكو ورفيقه بما حملاه من غنائم وخرجنا الى الشارع وأحدهم يجيب الوالدة التي لم تعد تستطع صبرا الزول ده بجي بعد شوية يا حاجة ما في مشكلة مجرد أسئلة وبجي راجع ومن جديد تحركت السيارة ولم يقل أرح هذه المرة

(2)
وصلنا سادتي الي حي المطار وبالتحديد الى عمارات ضخمة في مواجهة مقابر الكمنولس وتلاصق مباني القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة ودخلت السيارة دونما إستإذان وأدخلوني الي المبني الوسيط ومن ثم الي الطابق الثالث وداخل الصالة قرأت علي لوحة ضخمة معلقة علي الحائط الآية الكريمة (يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق) الى أخر الأية فاطمأنت نفسي ولا أخدعكم فقد كان بي بعض الوجل وجلست في غرفة صغيرة أربعة في أربعة وجاء غيري شباب ونساء ثم دخل علينا محمد شريف علي المسرحي الشهير وبدأ لساني ينطق والونسة إحلوت ومر الوقت وكل من جاء غادر وبقيت كالسيف وحدي وعندما أرخي الليل سدوله جاء أحدهم عابس الوجه قميئه وناداني تعال يا زول وسرت خلفه إلى غرفة يتوسطها مكتب يجلس عليه شخص عندما قمت بعد ذلك بوصفه للأستاذ الصحفي محمد عتيق قال أنه عاصم كباشي وبدأ الرجل يسألني إسمك منو بتعرف فلان وفلان وفلان وتعددت إجاباتي فمنهم من أعرف وكثيرون لا. وفجأة أحس بيد تمسك بي من مؤخرة رأسي -أوعك تتلفت – ثم أعقب ذلك بصفعة علي الأذن ثم أخري وعلي أن لا ألتفت. لم أراه وخرج تاركني للأول يواصل أسئلته ثم جاء أخر هذه المرة بلا إستحياء وصار الأول يسأل والثاني يشجعني علي الإجابة بالصفعات مرة ومرة بالشلوت ثم أخذني الأخير الي غرفة مليئة بالكتب الي سقفها وهناك كان علي أن أحمل أنبوبة غاز واقوم بعملية إحماء جلوس ثم قيام ثم جلوس حتى تورمت ساقاي وكان يحفزني بضربات توالت لساعة ثم صارت ضربات بدون غاز لأني ما عدت أقوي علي حمل الأنبوبة ثم لم أعد احس بشيئ بعد ساعات من الضرب وتركوني أنزف من أنفي وفمي وفي الصباح جاء أحدهم وسلمني لمكتب أخر وقاموا بعصب عيوني وأرقدوني في الكرسي الخلفي لسيارة ملاكي تحركت لمدة ربع ساعة ثم توقفت لينزلوني ودخلت ليربطوا لي يدي بحبل في شجرة نيم وصرت أقف علي أمشاطي من الصباح حتي عصر نفس اليوم وبعد أن حلوا وثاقي أدخلوني الي حوش كبير فيه ساحة مفروشة بالخرصانة تتوسط ثمانية عشرة زنزانة وكان بالحوش مجموعة من الناس عرفت منهم ميرغني عبد الرحمن سلمان /بكري عديل/ العم الحاج مضوي /محمد عتيق/ فوزي/كمال التجاني المحامي ومجموعة ضخمة تعرفت علي بعضهم بعد ذلك وسيأتي ذكرهم

(3)
أخذني الرجل قابضا على أذني وكأني بهيمة وهذه المرة كان هزيل العود ضامر ونحيف جدا فتخيلت لو كان المكان غير المكان كنت(طبيتو كربون ونشفت ريقو) لكن ما علينا المهم سادتي توسط بي الحوش وخاطب الجمع بكل وقاحة الليلة جبنا ليكم زول جديد وقام بتوزيع المعتقلين الى مجموعات وأوقفني مع مجموعة كمال التجاني هنا فقط عرفت تصنيفي وعرفت أنه نسبة لسخونة الجو فقد أنعموا علي المعتقلين بحبة هنبريب وتركوهم يجلسون في الحوش ثم قام أحدهم بتشغيل شريط تسجيل للمبدعة عائشة الفلاتية وسأل الجمع- العارف الفنان ده يبلغ- وهو تعبير عسكري ولم يرد احد عليه ولما رأيت الرجل مصر يعرف قلت له هذه عائشة الفلاتية (شليق) فقال قوم كمان عارف يالله ادينا أرنب نط ولما كنت جديد كان علي أحدهم أن يشرح لي أسأله الغفران فقد كنت السبب في جعله يقفز علي أمشاطه كحيوان الكنقارو وكانت ساقاه طويلتان وهي مشقة لو تعلمون قاسية خاصة علي طويلي الأرجل وقمت بتلك الحركة اللعينة جيئة وذهابا لمدة خلتها دهرا حتي أرضيت غرور ذاك الهضيم ثم تركني أجلس وجاءوا بالتجاني حسين في تلك الليلة ملطخا بالدماء ورموه في وسط الحوش وأمروه بالوقوف وما كان له الي ذلك سبيلا ولم يوقفهم ذلك من ضربه حتى خلنا ان الرجل قد مات ثم أدخلونا في المغيب الي الزنازين وكانت من نصيبي زنزانة صغيرة بها أربعة أشخاص غيري وهم عوض عباس من مواطني الكلاكلة النور إبراهيم الدور رقيب بالقوات المسلحة وأبو بكر عبد المجيد موظف والصحفي محمد عتيق رئيس تحرير مجلة الدستور السودانية أيام الديموقراطية الثالثة
ولم أنم تلك الليلة ليس للآلام الجسدية فحسب وإنما لأن أحد المعتوهين من عساكر الأمن كان يقوم بتسلية نفسه برجم أبواب الزنازين بالخرصانة وقد استمر في ذلك الى صباح اليوم الثاني

(4)
في اليوم الثاني سادتي جاء المدعو مصطفي دكين وهو أحد المتخصصين في التعذيب يرافقه زميله أبوزيد وكان الأول يدعونا الى الصلاة وبعد الإنتهاء منها يأمرنا بالوقوف في مواجهة الحائط وإغماض أعيوننا بأيدينا وقمت في ذلك اليوم بالوقوف ووجهي علي الحائط لمدة ست ساعات قام فيها الإخوة بمراقبة الحوش وحينما كان يغيب لمدة قصيرة كنت أجلس لدقائق معدودة الي أن لمحني لعنة الله عليه وعرفت حينها ما يسمي بست العرقي وهي أن تمسك أذنك اليمني بيدك اليسري ثم تدخل يدك اليمني في الدائرة المتكونة من ذلك وتنحني ملامسا الأرض دون أن تجعل ركبتاك ينحنيان ثم تدور حول نفسك وهي حركة تصيب بالغثيان وغالبا ما يضحك العسكري القميئ لمنظرك مما يضاعف حجم الهوان لديك وقد قمت بذلك وأعقبه ضرب بخرطوش المياه الأسود والذي يستخدم عادة لتوصيل المياه داخل الأرض الى المنازل ثم شهدنا أناس ما كنت والله أحسب أن الأم السودانية بقادرة علي ان تجود بأمثالهم وضاعة وخسة وعدم إحترام لإنسانية الفرد ناهيك عن سنه ومن هؤلاء السفلة المدعو حسن الطاهر / عادل سلطان/الفاتح مصطفي/وليد حسن عبد القادر/عبد الله طوكر/حسن مقبول/جهاد/يوسف وقد تواصلت الآبداعات نأكل وجبة واحدة في اليوم مكونة من فول سيئ بدون ملح وزيت وخبز متيبس وأحيانا ينعموا علينا بشاي في برطمانات مربة ونحلي في الغالب بجلدة ساخنة ويعتبر الحمام من المستحيلات و إن حدث فهو إعلانا بخروجك من المعتقل

(5)
نخرج اليوم أحبتي من جو المعتقل الحار جدا الى خارجه لتكتمل الصورة وأبدأ من شركة بيطار حيث قامت إيفون فلتاؤس رئيستي المباشرة بالسؤال عن الحاصل بعد خروجي وقد توجست خيفة كما قالت لي فيما بعد ولما لم يسعفها أحد بإجابة شافية قامت بإبلاغ الخواجة ريمون بيطار الذي رأي الانتظار عملا بنصيحة السيد بوب المحامي ومحامي الشركة ومر اليوم دونما جديد سوي أن مجموعة الزملاء قاموا بالإتصال بالمنزل وكانت الوالدة تتوقع حضوري حسب وعد هولاكو لها ولما تأخرت تحول المنزل الى مناحة وتجمع الشايقية من الدروشاب والكلاكلات والحاج يوسف وما بينها وهاك يا شاي ..
في المعتقل كان اليوم الثالث وبغير العادة هادئ جدا وساعات النهار في شهر مايو طويلة طويلة وبدأت أشم رائحة جسدي تتعفن ولما سألت عن إمكانية حمام ضحك الحضور بالزنزانة وكان الموضوع باعث للتندر يا زول إنت قايل ده الهيلتون والله أنا لي شهر ما إستحميت قال النور إبراهيم وكنت لا أحتاج لقسمه بالله لأصدقه فرائحته دليل مادي لا يقبل الطعن ومرت ساعات النهار بلا نهاية وحلا المساء ولم يتغير الموضوع ما ذال الهدوء العجيب وأخيرا زال عجبنا في صلاة المغرب حينما همس أحد القادمين الجدد بأن الترابي تعرض لمحاولة اغتيال في كندا وكنت أتخيل أن الحكاية رصاص حتي جاء الخبر الأكيد عندما جاء الى زنزانتنا في اليوم التالي سائق سيارة السيد الصادق المهدي ضيفا عزيز علينا وهنا حكاية طريفة فقد كان جرم الرجل عظيم تصوروا أنه كان يقوم بتوصيل سيد الصادق الي منزل للعزاء وعلي لسانه أروي القصة -يا زول مالك جابوك في شنو – السؤال التقليدي- والله كنا ماشين بيت عزا وعربة الأمن كانت ورانا قام نزل ليهم لستك فوقفوا ونحن واصلنا مشوارنا وبعد ما رجعنا البيت لقيناهم منتظرننا فجابوني هنا وهاك يا ضرب – وكان وجه الرجل عجيب من أثار الضرب. وقام الرجل مشكور بتوضيح القصة لنا أن هاشم بدر الدين قام بجلد الرجل وأسع هو كده كده- ولم يفرح لذاك الحدث أحد علي الأقل بزنزانتنا وكانت الحكاية دليل علي مستوي الخصومة التي أوصلنا لها نظام إحترف العنف وسيلة لفرض آراءه فإذا بها ترتد إليه في شخص رمزها الشيخ ويا لها من مأساة لم تنتهي فصولها بعد نسأل الله اللطف
جاء الليل سادتي وتواصل الفلم الهندي من ضرب بالخراطيش والدبشك والزحف علي الخرصانة

(6)
مضي أسبوعي الأول في المعتقل وأخذت أعتاد الأشياء والوجوه نري بعضنا للحظات عند الخروج للصلاة ويتعرفون عليك في عجالة من أمرهم فالونسة ترف لا يملكه معتقلو بيت الأشباح وعرفت صفوة من الناس تنحني الشمس خجلا لهاماتهم النبيلة أحمد حمدان/التجاني حسين/عبد المنعم عبد الرحمن/فيصل حسن التجاني/حسن هاشم/محمد وداعة الله/علي أحمد حمدان ناهل/أحمد دهب/نادر عباس/التجاني مصطفي/علي أبوبكر/كمال الجزولي/الحاج مضوي محمد أحمد/نصرحسن بشير نصر/ملازم أمن الجمري/وفوزي أمين/تيراب تندل أدم/بكري عديل/سيد أحمد الحسين والكثيرين الذين لم تسعفني الذاكرة بأسمائهم -كان ذهاب التوليت مشكلة فهم لا يمهلونك حتي تغضي أمرك ويضربون علي الباب وإن تأخرت تحول الضرب إليك مما أصابني بإمساك ومقاص في الأمعاء عانيت منهم الأمرين وبعد مرور الأسبوع صارت الرائحة لا تطاق وكلما منيت نفسي بالتعود تقول لي هيهات وطبعا لا يوجد ما يسمي مسواك حتى صار من المألوف أن تخاطب رفقاء الزنزانة وأنت تولي وجهك نحو الجهة المعاكسة وأصبحت الزنزانة تحمل رائحة مشرحة الخرطوم العتيقة وصار الكرش (حك فروة الرأس والجلد) عاديا جدا لا يثير إنتباها ونادوني صباح يوم غير بهي إلي غرفة قصية وبدأ ما يمكنني تسميته تحقيق لأول مرة -إنت البوديك تلاتة شنو -والله ياخي تلاتة دي أنا مولود فيها وأصدقائي اغلبهم هناك عشان كده بمشي بعدين ممكن أعرف أنا عملت شنو – إنتا تقفل خالص ونحن هنا البنسأل بس يعني تجاوب وإنت ساكت(كيف دي لم أسأله رغم إنها جديدة) وقلت في نفسي كلام عساكر -بتعرف فلان ماتقول لي ما بتعرفو عشان حا أكسر ليك راسك الكبير ده وفلان داك بتعرفو من وين والجماعة الفي النادي بتاعين الفرع ديل ما قدرك البقعدك معاهم شنو وبعدين إنت ما عندك أهل مقضي اليوم كلو في تلاتة هنا يدخل من يسمي بى أبي زيد ويلطمني دونما توقع مني حتي قفز الدمع من عيني. الشيوعي الكافر ده ما داير يقول الحقيقة حقيقة شنو يا غضبة الله عليك الزول ده قايلني زينب الحويرص و لا شنو
(7)
وتوالت الأسئلة طيب البوديك جامعة الخرطوم شنو ياخي انا بقرا هناك في معهد الدراسات الأفريقية هنا لطمة أخري -شوف يا زول ماتقول لي ياخي انا صاحبك قول ياكمندان (بضم الكاف والميم) قول ما سامعني-يا كمندان أي كده بعدين قلت لي داير تبقي دكتور نحن ناقصين فلسفة ما أهي البلد ملانه دكاترة جابوا لينا شنو بلا المرض والكلام الفارغ-وطبعا الرجل معذور فهو يقوم بعمل ذو شأن عظيم يحمي الثورة العظيمة من أمثالي شذاذ الأفاق وله أن يقود سيارة جديدة وأن يقبض مرتب بأربعة أصفار ولك الله يا دكتور يوسف مدني وأنت تأتي كل صباح لصرحك العظيم مشيا علي الأقدام- المهم سادتي تواصل المسلسل بنفس الوتيرة بلا كلل منهم أو ملل يذلون من شاءوا ولا رقيب عليهم سوي إيمانهم الراسخ بأنهم إنما يرسون دعائم الدولة الإسلامية ويوجهون الأمة نحو حضارة السلف الصالح … وبعد مرور عشرة أيام ما عدت أطيق رائحتي فجاء أحدهم يحمل علبة للتنباك وبعد أن مارس ساديته في التهكم علي من يستفونه وبهبل يدعو للشفقة عليه- البسف فيكم منو أديهو سفة والله صعوط كارب نمرة واحد كدي يا النور تعال شمو أصلكم إنتو أهلنا ناس الغرب ديل خبرة كارب مش كده لكن والله تشموا قدحة-وقلت أن الرجل عوييل فالأجرب معه علي أستطيع للحمام سبيلا يا كمندان يعني لو سمحت ممكن يعني أستحمة -شنو كدي تعال جاي يالله كدي قميصك ده أتنيهو أها إتكسر ولا لا شفته لمن ينكسر ويقول كش أنا بخليك تستحمة بعدين إنت جيت متين عشان تستحمي يا كمندان تعال أسمع ده بقول شنو مالو الشيوعي ده قال داير يستحمي بالللللللللللله يا خي ديل ما ناس تلاتة وتلاتة حلاتة كدي أفتح ليه الباب يالله عايزك تذحف في الخرصانة دي لحدي ما نجيك وبدلا من الحمام فقد تيممت في خرصانة كانت جذء من جهنم عملا بالسلف الصالح وصلح التيمم في حضور الماء وكله فقه والله أعلم

(8)
أبدأ اليوم سردي من المنزل وقد كانت الوالدة عليها الرحمة تقوم بتحركات ماكوكية يحسدها عليها كولن باول ولم تترك باب الا وطرقته وكان كل همها( بس لو عرفت مكانو حي ولا ميت ما دايرا منكم شي تاني) أسأل الله لها الرحمة فما زلت أعتقد أني بصورة أو بأخرى قد عجلت برحيلها ومن ناحية أخري كان ريمون بيطار قد قام بجهد كبير لمعرفة مكاني وهو رجل ذو بأس لو أراد ويملك المال وللأخير سلطانه في دولة التوجه الحضاري والخواجة أثبت أنه ود بلد كما قالت الوالدة وعندما زار المنزل لتفقد الأحوال وجده كنادي الزومة فقام بشراء كبش ودفع مبلغ خمسون ألف وكان حينها يعادل مرتبي لثلاثة أشهر وأسألكم المعذرة للاستطراد ولكن أفضال الرجال يجب أن تذكر … أعود بكم الى بيت الأشباح وقد مرت ثلاثون يوما كانت كأسنان المشط لا تغيير فيها إلا بقدوم وافد جديد يحمل أخبار الخارج وعبق الصابون والأخير صار هاجس لي وكنت أحسد الأستاذ محمد عتيق لتحمله وهو ود العمارات وليت ود بادي إلتقاه .. في نهاية الأسبوع الأول من يونيو كانت تحركات الوالدة قد بدأت تأتي أكلها.
في صباح ذاك اليوم جاءني المدعو مصطفي دكين يحمل لي صرة وأدخلها من بين فتحات السيخ في أعلي باب الزنزانة قائلا ود تلاتة واصطاتك قوية هاك الزوادة دي لامن نطرشك ليها وفتحت الكيس واثني عشرة أعين تتبعني وفيه وجدت جلباب وسروادوك وفرشة أسنان ومعجون وصابونة أي والله صابونة وكمان لوكس الللللللله (نان دي يا أمي أكلها) المهم بعدها بساعة من الزمن جاء القميئ مرة أخري وناداني بعد فتح الباب قوم يا ملحد إنتي تعال مارق أمشي إستحمة قالها ونظرت أنا إليه فقالها مرة أخري يا زول ما تمشي ومشيت يا جماعة الحمام واستحميييييييييييييييت وهاك يا كدوب وهاك يا دعك وبي الجد كنت وسـخان فقد كان الماء يصب علي جسدي صافيا زلولا ثم ينحدر بعد ذلك كما ينصب الماء من سبلوقة بيت جالوص بني اللون صلصالي الملمس وبه بعض الدرادم وعندما صارت الصابونة تنزلق من يدي لصغرها قلت لنفسي فالأترك البروة دي للهديمات وغسلت قميصي وما كان بإمكاني غسل البنطال فهو جينز وهذا يغسل بأبو فيل اما ملابسي الداخلية أكرم الله أعينكم فقد كانت -كمعراكة الدوكة- ما كان مني الا أن رميتها في برميل الزبالة كما يتخفف المرء من زنوبه ورجعت الي الزنزانة وأعين مليئة بالحقد ترصد خطواتي وعند الواحدة ظهرا جاء القميئ مرة ثالثة وناداني ود تلاتة تعال آلنضيف عندك زيارة وخرجت متسائلا من تراه يكون وخلف المباني كان هنالك من بادرني إزيك يا زول عرفتني أبدا والله ماعرفتك أنا ود ناس عمك فلان أبدا والله برضو ما عرفتك ود حاجة فلانة صديقة والدتكم بالله كيف حالك كويس وإنت كيف الجماعة ديل بعاملوك كويس -مافي عوجة- كان ردي فقال راسك القوي ده خليها تبقي ليك درس -مافي عوجة- الحاجات وصلتك ايوا دي مرسلاها ليك الوالدة وهي كويسه وبتسلم عليك الله يسلمك ويسلمها شكرا يا أخي خلاص مع السلامة في أي وصية لا بس قول للوالدة ما تقلقي أنا بخير مع السلامة ورجعت ميمما وجهي تجاه الزنزانة فناداني القميئ تعال يا النضيف ما شي وين ماشي الزنزانة يا كمندان زنزانة شنو تعال بي جاي وكان مكان الوضوء في منتصف الحوش به ماء آسن وطين فقال شايف الطين داك أمشي إتعطن لي فيهو- يا اخوانا الزول ده بي صحو- ومشيت وإتعطنت في الطين ولم يرضيه ذلك فقال إدردق أخمج في الطين ده كويس وصرت من جديد كالغراب ورجعت الزنزانة ولم يشمتوا علي رغم إني قبل ساعة زمن كنت عريس الفريق نضيف وظريف ومر أسبوع أخر أنجلدت فيه كذا مرة ثم تركوني يومين أو ثلاثة أيام دون ضرب وأخيرا جاء أحدهم وناداني يالشيوعي أمرق وودع جماعتك ديل وقال محمد عتيق مبروك يا زول يا إفراج يا كوبر وأي الحالين مبروك وودعتهم بعد أن تبرعت بفرشة أسناني للأخ عوض عباس وكانت هدية قيمة أفرحته والله وربطو لي عيني بعد أن حلفوني علي المصحف أن لا أخبرأحد بما يحدث هناك ورجعت الي حيث بدأت وبنفس الطريقة والوسيلة الي مركز الأمن وحقق معي ضابط أمن يدعي أسامة ذكر لي مجموعة من الممنوعات ثم أخذوني الي مكتب الرجل إبن صديقة الوالدة وقد أمر سائقه أن يوصلني الي حيث أريد وذهبت الي الشركة حتي أأخذ الفيسبة ثم أذهب الي المنزل وعند دخولي المكاتب بدأ الموظفون يتجمعون وبكت الزميلات وكان يوم لن أنساه ما حييت وعند رجوعي المنزل زغردت الوالدة وتجمع الجيران ولكم أن تتخيلوا البقية ولم يكدر صفوي أحد لمدة ثم رجعت الغلاصات حتى كان هروبي بعد ثلاثة أعوام خارج الوطن ..

التحية للشهداء ..
التحية للقابضون على الجمر ..
والصامدون والجاهرون بكلمة الحق
ولا نامت أعين الجبناء ..

خالد الحاج الحسن

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.