الخميس , أبريل 25 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / متى سنحلق يا حمدوك؟.

متى سنحلق يا حمدوك؟.

غالب طيفور الشايب

  وكعادتنا في كل الأمسيات نلتف حول التلفاز الناشيونال الملون لمشاهدة المسلسلات والأفلام وكلمة ملون في ذاك الزمن تعني الحداثة والتقدم ومن يملكه يكون حديث الحي ؛ فمعظم التلفزيونات أبيض وأسود ويتم وضعه في باحة المنزل والجميع يتوافدون رجالاً ونساءً ، وصبية من أقراني متراصين على السجاجيد الأرضية في غبطة وسرور ، أما النساء فتجدهن من خلف الباحة ولا تسمع سوي همهمتهن وتعرفهن من أنواع المأكولات الشهية التي يوزعنها لجميع المتواجدين مع الشاي باللبن والزلابية ، ولكل امرأة نكهة في الطعام تميزها عن الأخري.  وتجدنا متمركزين أمام التلفاز نتحاشي النظر خلفنا خوف الرجال كبار السن فهم يعتلون (العناقريب) الضخمة مستمتعين بالخدمة السريعة نوفرها لهم نحن كصبية وما أكثر طلباتهم !.
  أنه زمن التصافي والتعافي ، والرخاء والأيادي تعمل بهمة ونشاط وتناغم بين الصواني والأواني.
     صادفتُ ذاك المساء فيلماً امريكياً من الطراز القديم ، تدور تفاصيله في أحدى الصحاري لمجموعة من الشباب والشابات ، سقطت طائرتهم الصغيرة وأُصيبت محركاتها ؛ إصابة بالغة ، وبرغم ذلك فقد نجا جميع ركابها علي ما أذكر ، وكان من ضمن ركاب الطائرة شاباً ظنناه بطلاً لهذا الفيلم فقد أقنعهم بأنه يستطيع أن يحلق بهذه الطائرة من جديد وينقذهم من هذا المأزق فهو مهندس طيران وتنقصه بعض الاشياء ولكنه يحتاج المساعدة ، وسيستعمل بعض الأدوات البدائية وعليهم البحث عن مورد ماء في تلك الصحراء القاحلة ، وبعد أن تجول الركاب في المنطقة أكتشفوا أن هنالك واحة ضخمة بالقرب من مكان سقوط طائرتهم ، ولكن الواحة يقطنها أفراد عصابة خطيرة .
    وادخلنا هذا الفيلم إلى قمة التشويق والإثارة لأبعد حدودها ، صراع محتدم بين ركاب الطائرة وحب السلطة والتآمر على مهندس الطيران والمجوعة التي اقتنعت بكفاءة المهندس في صيانة الطائرة ونجاحه في التحليق من جديد ، إنه صراع البقاء ، جزء يُصلح ويُرمم وجزء يُدمر ويُتلف حتى اصبح مسرحاً للمؤامرات والمكايدات والتجسس وصل بجزء منهم الإستعانة بالعصابة وإهدار للغذاء والمياه ، وتؤاط مما جعل  ركاب الطائرة جميعاً في المحك وساقتهم الظروف للإحتكاك كثيراً بالعصابة الخطيرة التي كادت أن تؤدي بحياتهم ، لاسيما بعد  سيطرة العصابة على المياه ، وظهور الحيوانات المفترسة في تلك الصحراء ، وتقاتلهم قتالاً ضاري ومميت فيما بينهم ، وبعضاً من ركاب الطائرة يهيئون للمهندس الجو المناسب لتنفيذ المخططات ، ورسم القراءات التكنولوجية وتطبيقها على الطائرة المعطلة ، ومحاولة إستعمال فروع الاشجار كأعمدة لترميم الطائرة حتى نفدت مئونتهم وغذائهم ، ونال منهم العطش ، وتبعثرت آمالهم ، وتسلل اليأس الي نفوسهم ، فيشجعهم مهندس الطيران بخطاب رنان يبعث فيهم الأمل ، ويشرح لهم بعمق المسائل التكنولوجية المعقدة حتى شارفوا على تحريك الطائرة نحو منطقة مرتفعة وتشغيلها عبر الاندفاع ، فجاءتهم الصدمة الموجعة بعد سقوط حقيبة المهندس في يد أحد الركاب الذي يمثل الخيانة والعمالة مع العصابة فيكشف للركاب عن هوية المهندس بأنه قد خدعهم وهو مجرد مهندس في شركة للألعاب او بالمعني الاخص شركة الدمي وكانت المفاجأة لنا نحن كمتفرجين أهول واعظم من الممثلين ، وكادوا أن يفتكوا بالمهندس الذي اعترف لهم بصحة المعلومات ، ولكنه كان حصيفاً وذكياً فاقنعهم بأن تصميم الطائرات الصغيرة هو نفس تصميم الطائرات الكبيرة ، والطائرات الصغيرة ماهي الأ طائرات تجريبية  تبدأ كنمازج وتطور لطائرات ضخمة مع بعض الاختلافات البسيطة ، ونجح مرة أخرى في اقناع جزء منهم ، أما نحن المشاهدين فلم يقنعنا إلا بعد أن شاهدنا الطائرة تحلق بهم من جديد في السماء لينجو جميعهم من العصابة.

    ما أشبه الليل بالبارحة فها هو مهندس الألعاب يقدم نفسه للتحليق بالشعب السوداني من جديد ويخاطب الركاب بصورة العارف ببواطن الأمور ، ويطالب الجميع بمساعدته حتي ننجو بوطننا ، ولكن مهندسنا اختار المساعدة والشراكة من الفئة الخاطئة ، التي بسببها سقطت الطائرة ويا ليتهم اتعظوا !
     فهم الذين يتآمرون لإسقاطك اليوم ، وهم من يضعون العراقيل ويُتلفون ما تصنعه بفرحةً مُستبشرةً ! ، ويتخذون من عصابة الواحة الخطيرة التي سرقت وتسرق ملجئاً وملاذاً لمخططاتهم ومكايداتهم ليقطعوا دابر التحليق ، والعصابة بدورها سعيدة بتحكمها وإمتلاكها لكل الأشياء ، وبذلك تؤاد أحلام التحليق الذي أمسى حلماً لركاب طائرة الوطن ، ولازال بعضاً من الركاب يؤمنون بأن مهندس الألعاب سيحلق بهم يوما ما !
    ولكن شتان ما بين العمل في منظمات عالمية وشركات خارجية مضبوطة الإيقاع مهيكلة القواعد ، تحكمها القوانين الإنسانية وبين إدارة دولة ضربها الفقر ويضربها كل يوم ، وتمزقت أواصل نسيجها الإجتماعي ، وتهدمت هويتها ، وتقزم مواطنها ، وتشرد شعبها فى الفيافي والمنافي بعد أن تسيدها الجهلة ، وأدار مقودها القتلة.
     إنها تحتاج لمهندس طيران حقيقي ، وليس مهندس الالعاب ليتخطي مراحل النمازج والتجارب ويصنع مجسمات ضخمة مبنية على القرارات المفصلية التي تُعيدنا إلى  التحليق بكرامة وسيادة ابتداءً من تسليم المتآمرين من عصابة الواحة للمحكمة الجنائية، وحسم ملف الخونة من المتناغمين القابعين بالجوار بهيكلتهم وتأهيلهم ، وإستعادة واحتنا الخضراء الفتية وإسترداد الثروات التى تهيمن عليها العصابة حتى نجعل من الطيران والتحليق مهمة ممكنةً وليست امراً مستحيلاً …

Ghalib Tayfour

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.