الخميس , أبريل 25 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / *لماذا* *تتمسك* *الحركة* *الشعبية* *بإلغاء* *الشريعة* *الإسلامية* ؟

*لماذا* *تتمسك* *الحركة* *الشعبية* *بإلغاء* *الشريعة* *الإسلامية* ؟

✍🏿 بقلم: الجاك محمود أحمد الجاك

لقد أثبتت الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال جديتها ومصداقيتها في تحقيق سلام عادل وشامل يضع نهاية منطقية للحرب في السودان، وليس أدل علي ذلك من تأكيد الحركة الشعبية جاهزيتها للتفاوض مع حكومة الأمر الواقع (Government of the day) فضلا عن إعلانها لوقف العدائيات من طرف واحد  وتمديدها عدة مرات كبادرة لحسن النوايا علي الرغم من أن الحكومة الإنتقالية لم تعلن حتي الآن عن خطوة مماثلة، ما يعني أنها ليست ملزمة بوقف العدائيات المعلن من جانب الحركة الشعبية، وهذا بلا شك تأكيد غير معلن لإستمرار حالة الحرب ومؤشر لنية مبطنة لإستئنافها فور ترتيب وتوفيق أوضاعها السياسية والإقتصادية والعسكرية.

إن تحقيق السلام العادل الشامل والمستدام أمر غير ممكن، إن لم نقل مستحيلا ما لم تتوفر الجدية والإرادة السياسية لدي الأطراف المعنية بالتفاوض وإستعدادها لمخاطبة ومعالجة جذور الأزمة التي قادت الي إندلاع الحرب في البلاد، فضلا عن الإستعداد لدفع إستحقاقات السلام كاملة غير منقوصة كشروط أساسية لنجاح أي مفاوضات قادمة.

وبالعودة لعنوان المقال (لماذا تتمسك الحركة الشعبية بإلغاء الشريعة الإسلامية؟)، فإن الحركة الشعبية تري أنه يتعين أن تسبق  أي مفاوضات جادة إجراءات بناء الثقة بحيث  تتناسب هذه الإجراءات مع حجم وطبيعة المشكلة ومطلوبات المرحلة، وتأتي في مقدمة هذه الإجراءات إلغاء قوانين الشريعة الإسلامية بمرسوم من الحكومة الإنتقالية. فالحركة الشعبية لا يمكنها المشاركة في هياكل ومؤسسات الفترة الإنتقالية قبل إلغاء قوانين الشريعة الإسلامية وهذا مطلب تقدمت به الحركة لوفد مجلس السيادة ووفد رئيس مجلس الوزراء عندما إلتقت بالوفدين، كلا علي حدة في جوبا عاصمة جنوب السودان منتصف سبتمبر الماضي.

إن تمسك الحركة الشعبية بإلغاء قوانين الشريعة الإسلامية ليس شرطا تعجيزيا كما يري البعض، وإنما هو مطلب موضوعي وشرط ضروري  يضع جدية ومصداقية السلطة الإنتقالية في إحلال السلام علي المحك إن رفضته، وذلك للأسباب التالية:
١. إستحالة تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي يفضي الي التداول السلمي للسلطة في ظل تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية وإعمال مبدأ الحاكمية لله.
٢. الإصرار علي فرض قوانين الشريعة الإسلامية هو أحد الأسباب التي قادت الي إندلاع وتصعيد  الحرب في السودان وأفضت الي إنفصال جنوب السودان.
٣. تطبيق الشريعة الإسلامية قاد الي إصدار فتوي إعلان الجهاد علي شعب النوبة وكذلك علي الجنوبيين في العام ١٩٩٢ وهو أخطر سابقة حدثت في تاريخ البلاد، وبسبب تلك الفتوي التي لم تلغي حتي لحظة كتابة هذا المقال تم قتل أكثر من إثنين مليون جنوبي علي أساس ديني وعرقي، كما تم إرتكاب مجازر بشعة ونفذت سياسة الأرض المحروقة وحملات تطهير عرقي واسعة النطاق في إقليمي جبال النوبة والنيل الأزرق منذ العام ١٩٨٣ حيث يقدر عدد ضحايا الحرب في الإقليمين خلال الحربين بأربعمائة ألف شخص هم عدد الموتي، فضلا عن مئات الآلاف من اللاجئين والنازحين الذين أجبروا علي الفرار من مواطنهم الأصلية بسبب الحرب الدينية والعنصرية التي شنتها حكومة الجبهة الإسلامية القومية. هؤلاء الضحايا وذويهم وشعبي الإقليمين بصفة عامة لن يقبلوا مطلقا  بالعيش تحت رحمة ذات القوانين التي إضطهدتهم وأعلنت عليهم الجهاد.
٤. في ظل قوانين الشريعة الإسلامية لا توجد مساواة بين المسلم وغير المسلم، لأن الحقوق في الدولة الدينية (الثيوقراطية) تقوم علي أساس الدين وليس علي المواطنة.
٥. في ظل تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية لا توجد حريات، ولا إحترام لحقوق الإنسان والحريات العامة.
٦. تنعدم المساواة بين المرأة والرجل في قوانين الشريعة الإسلامية.
٧. بالإصرار علي تطبيق الشريعة الإسلامية سيظل السودان هو الدولة الوحيدة في القرن الواحد والعشرين ذات توجهات عنصرية مزدوجة (Double apartheid) وإن لم تكن هذه التوجهات والسياسات معلنة رسميا في دستور الدولة، ونعني بذلك وجود عنصرية عرقية ودينية، وبسبب هذه العنصرية المزدوجة لا يجوز للمواطن السوداني غير المسلم، أو حتي المواطن السوداني المسلم غير العربي وغير المنتمي للمركز الإسلاموعروبي ( الشمال والوسط النيلي) أن يصبح رئيسا لدولته.
٨. في ظل تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية تتفاقم سياسات وتوجهات الأسلمة والتعريب التي تنتهجها الدولة في مناهج التربية والتعليم، وفي توجهات الإعلام الرسمي، وكذلك في السياسة الخارجية وهو ما يعتبر مهدد حقيقي لثقافات ومعتقدات المكونات الأخري في السودان.

*بطلان* *حجج* *ومبررات* *من* *يعترضون* *علي* *إلغاء* *قوانين* *الشريعة* *الإسلامية* 

لقد أثار مطلب الحركة الشعبية المتعلق بإلغاء قوانين الشريعة الإسلامية بمرسوم كواحد من أهم إجراءات بناء الثقة ردود أفعال متباينة وغير مقبولة خاصة من القوي المحسوبة علي المركز، وخصوصا نخب الشمال والوسط النيلي والتي إستنكرت المطلب ووصفته بالشرط التعجيزي بصورة عبرت عن نواياهم الحقيقية، وكشفت عن إصطفاف وتواطؤ آيديولوجي وإصرار علي فرض ثوابت الآيديولوجيا الإسلاموعروبية والإبقاء علي الأوضاع التاريخية المختلة في بلد متعدد الأعراق والثقافات والأديان مثل السودان. هذه الأوضاع المختلة التي عملوا علي فرضها وتكريسها بعنف الدولة وحراستها بالقوانين والتشريعات الدينية منذ ما يسمي بإستقلال السودان تشكل هي الأخري أحد جذور الأزمة. وفيما يلي  نفند كل الحجج والمسوغات الباطلة التي صاغها أنصار الشريعة الإسلامية:
١. من يزعمون أن الحكومة الإنتقالية ليس بمقدورها إصدار قرار أو مرسوم بإلغاء الشريعة الإسلامية، نوجه لهم السؤال لماذا كانت الثورة ضد نظام الجبهة الإسلامية القومية إبتداءا؟ ولماذا قبلتم بتولي السلطة من الأساس إذا كنتم تفتقدون للإرادة السياسية والقدرة علي إتخاذ قرار من شأنه حقن دماء السودانيين ويقود الي إصلاحات قانونية تؤدي الي معالجة الأسباب التي فاقمت من الأزمة وتنتهي الي وقف الحرب وبناء دولة المواطنة المنشودة؟
٢. من يزعمون بأن إلغاء الشريعة الإسلامية من قضايا المؤتمر الدستوري ردنا لهم أن هذا المبرر باطل ومرفوض بإعتبار أن إلغاء قوانين الشريعة الإسلامية من صميم مسئوليات الحكومة الإنتقالية والتي يفترض أن تكون من أهم أولوياتها وقف الحرب وتحقيق السلام. أما الإدعاء بأن إلغاء الشريعة الإسلامية هي من قضايا المؤتمر الدستوري فهو أمر يعكس تواطؤا آيديولوجيا واضحا. فالشريعة الإسلامية لم يتم فرضها بمؤتمر دستوري، أو بإستفتاء شعبي، وإنما فرضها الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري بقرار جمهوري في العام ١٩٨٣، ثم فرضتها الجبهة الإسلامية القومية بقرار بعد إنقلابها المشئوم في يونيو ١٩٨٩. ولعل الغرض وراء هذا الزعم والإدعاء أكثر صار وضوحا، بإعتبار أن المقصود هو العمل علي تأجيل النظر في أحد أهم جذور المشكلة ومسببات الحرب بهدف التمهيد لإستنساخ مسرحية الحوار الوطني لتزوير إرادة الشعب السوداني وذلك بتمرير فرض الشريعة الإسلامية في المؤتمر الدستوري من خلال أغلبية ميكانيكية زائفة، وذلك عبر جمع مئات الأحزاب والتنظيمات الوهمية والديكورية المتواطئة آيديولوجيا وجميعها لا تخرج من كونها إما صنيعة وربية نظام المؤتمر الوطني البائد، أو حليفته، أو لديها مشتركات آيديولوجية وتلتقي معه في توجهاته الدينية والثقافية. فليعلم دعاة تأجيل إلغاء قوانين الشريعة الإسلامية الي حين إنعقاد المؤتمر الدستوري أن حيلتهم لن تنطلي علينا، وأن القضايا المتعلقة بحق الإنسان في الحياة وحق الكيانات والمكونات الثقافية والإجتماعية الأخري في الوجود،  فضلا عن حقوق الإنسان الأساسية هي حقوق طبيعية  لا يمكن إخضاعها للتصويت، شاء من شاء، وأبي من أبي.
٣. هنالك من يدعي بأنه لا داعي للتمسك بإلغاء الشريعة الإسلامية طالما سكت الإعلان الدستوري كوثيقة تحكم الفترة الإنتقالية عن أي ذكر للشريعة الإسلامية. فلهؤلاء نقول: صحيح أن الإعلان الدستوري قد سكت عن أي ذكر للشريعة الإسلامية، كما سكت كذلك عن أي ذكر للعلمانية ولكن ذات الإعلان الدستوري تحدث عن القصاص والتي مرجعيته الشريعة الإسلامية. كما لا يعني سكوت الإعلان الدستوري عن ذكر الشريعة الإسلامية أنه قد قام بإلغاءها، فقوانين الشريعة الإسلامية ما زالت موجودة ونافذة، ومنها علي سبيل المثال لا الحصر:
* القانون الجنائي السوداني لسنة ١٩٩٢، وتحديدا جميع جرائم الحدود بما في ذلك حد الردة Apostasy الذي يتعارض مع حرية الإعتقاد والتدين.
* قانون العقوبات.
* قانون أصول الأحكام القضائية.
قانون الإثبات.
* قانون المعاملات المدنية لسنة ١٩٨٣   المواد : (٣/٣) –  (٥/أ/ب) – (٢/١/٦).
* قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
* قانون النظام العام.

*ما* *هي* *الدوافع* *الحقيقية* *من* *وراء* *مقاومة* *إلغاء* *الشريعة* *الإسلامية* ؟

هنالك عدة  أسباب تدفع المحسوبين علي المركز الإسلاموعروبي للإصطفاف والتواطؤ  في مقاومة أي إتجاه لإلغاء أو حتي تجميد قوانين الشريعة الإسلامية في السودان، ومن بين هذه الأسباب:
أولا: الهروب من مخاطبة ومعالجة جذور الأزمة في السودان، وكذلك الهروب من دفع إستحقاقات السلام العادل الشامل والمستدام والذي يمكن أن يفضي الي إعادة هيكلة وبناء الدولة السودانية وقيام دولة علمانية قابلة للحياة – فهؤلاء يعلمون قبل غيرهم أن الدولة العلمانية هي الدولة التي تكون الحقوق فيها قائمة علي أساس المواطنة والإنسانية، وليس علاقة الدين أو الدم أو القبيلة أو الجهة. ولكنهم يسعون عمدا للتشويش وإحداث الإلتباس حول مفهوم وأهداف العلمانية ويعملون علي إقتصار الحل في مخاطبة قشور المشكلة فقط دون المساس بجذورها.
ثانيا: الإصرار علي فرض ثوابت الآيديولوجيا الإسلاموعروبية وتبرير هيمنة الأجندة العرقية والثقافية بهدف الحفاظ علي الإمتيازات التاريخية للأقلية الحاكمة.
ثالثا: تبرير إقتصاد الريع العشائريThe rentire economic system وهو إقتصاد طفيلي إسلامي. في هذا النوع من الإقتصاد يكون أصحاب رؤوس الأموال وأصحاب الدخول ليسوا جزءا من عملية الإنتاج الحقيقي. وهذا النوع من الإقتصاد يقوم علي المحاباة والمحسوبية ويعمل للحيلولة دون قيام إقتصاد حر وحديث يوائم بين آليات السوق وتدخل الدولة لحماية الضعفاء والقوي المنتجة، وتقليل الصرف علي أجهزة العنف، وإقامة التنمية الشاملة، المتوازنة والمستدامة.

نقطة مهمة يتعين الإنتباه لها، وهي أن قوانين الشريعة الإسلامية لا تستهدف ظلم وإضطهاد غير المسلمين فقط. صحيح أنها قوانين تعمل علي إضطهاد غير المسلمين بصورة عنيفة ومباشرة في بلدهم،  ولكن أثبتت السوابق والتجربة العملية لتطبيق الشريعة الإسلامية في السودان أنها قوانين تستهدف ظلم وتهميش وإقصاء الأغلبية المهمشة دون تمييز، وليس أدل علي ذلك من إعلان الجهاد علي شعب النوبة والإبادة الجماعية التي أرتكبت وما زالت ترتكب في حق شعب دارفور المسلم، وكذلك الحرب التي شنت علي شعب النيل الأزرق وشعب البجا. كل هذه السوابق والممارسات تؤكد حقيقة واحدة وهي أن الصراع الدائر في السودان هو صراع هوية Conflict of identity.

وبناء علي ما تقدم يتضح جليا أن عقلية الجلابي صاحب الآيديولوجيا الإسلاموعروبية ما زالت تتحكم في إدارة السودان وفي المفاقمة من أزماته المستفحلة، وتصر علي الإبقاء على الأوضاع التاريخية المختلة، وتعمل علي حراستها بالتشريعات والقوانين الدينية والعنصرية. ولا شك أن هذه العقلية نفسها ستحاول فرض الشريعة الإسلامية إما بالفهلوة والإحتيال السياسي والتواطؤ الآيديولوجي، أو فرضها بعنف الدولة.  ولذلك لا نستبعد أن يكون السيناريو الحالي هو مقدمة لإعلان حرب دينية وعنصرية أخري وأكبر ضد شعبنا في حالة رفض ومقاومة قوانين الشريعة الإسلامية.

فليعلم أنصار الشريعة وفلول الجبهة الإسلامية القومية وسدنة السودان القديم  أن الوعي السياسي لدي الأجيال الجديدة، ولدي قوي الهامش والشعب السوداني عموما أصبح في تنامي مضطرد ومناهض لعقلية وسياسات وتوجهات السودان القديم مصدر كل مشاكل وأزمات البلد، وأن قواعد اللعبة السياسية قد تبدلت – وبلاش أونطة وبلطجة وإستعراض عضلات في الفاضي.

وسلام يااااااااااوطن!!

 

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.