الخميس , مارس 28 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / علي محمود حسنين بين رحابيّ الله والوطن

علي محمود حسنين بين رحابيّ الله والوطن

بحصافة

إمام محمد إمام
i.imam@outlook.com

غيب الموت الذي هو حق علينا، ومُدركنا أينما كنا، ولو كنا في بروجٍ مشيدةٍ، تصديقاً لقول الله تعالى: “أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا”، المناضل الجسور، والقيادي الصبور، علي محمود حسنين يوم الجمعة 24 مايو 2019 عن عمر يناهز الثمانين عاماً. لم يكن الراحل علي محمود حسنين معارضاً لنظام الإنقاذ فحسب، بل كان معارضاً شرساً لكل الأنظمة الشمولية في السودان. عُرفت نضالاته للاستعمار، وللأنظمة العسكرية في عهدي الرئيسين الراحلين إبراهيم عبود وجعفر محمد نميري، بالإضافة إلى نضاله الأشد ضد الإنقاذ، رغم وهن العظم واشتعال الرأس شيباً. ولم تكن تلكم الأنظمة الشمولية، هينةٌ لينةٌ معه، بل أغلظت عليه العقاب سجناً وتشريداً.
ولما حدثت مصالحات بين نظام الإنقاذ ومعارضيه في مطلع القرن الحالي، عُين الراحل علي محمود حسنين عضواً في البرلمان عن التجمع الوطني (2005 -2006)، ضمن حصص المعارضة في البرلمان، ولكنه لم ينزع إلى المهادنة مع الإنقاذ، فواصل انتقاداته اللاذعة لحزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم آنذاك)، فعيل صبر الأخير معه، فحجب عنه فرص الحديث في البرلمان، عندما صدع بالحديث عن فساد السلطة في العديد من الأمور، كاشفاً لها، ومطالباً بمحاسبة الفاسدين والمفسدين، فلم يستطع صبراً على حرمانه من التحدث في البرلمان، فقدم استقالته، بينما أشقاؤه من الاتحاديين ظلوا في مقاعدهم البرلمانية آنئذٍ.فاشتد أوار معارضته لنظام الإنقاذ، فلم تجد الإنقاذ مناصاً إلا بالتنكيل به، فأضطر إلى هجرة المنافي بين القاهرة ولندن في عام 2009، بحُجية أنه تلقى من النظام تهديداً بالقتل، نتيجةً لتأييده مذكرة التوقيف الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السابق عمر البشير في اتهامات تتعلق بارتكاب جرائم إبادة جماعية، وتطهير عرقي في إقليم دارفور. وأحسبه في هجرته تلكم، كان يردد يردد قول الله تعالى: “.. ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها..”.
وللحقيقة والتاريخ، التقيته في لندن صيف العام الماضي، وكنا مجموعة من الأصدقاء والمعارف، في جِلسة مؤانسة بفندق هيلتون في شارع إديجوار رود الشهير، فجاء الحديث عن قانونية تسليم عمر البشير إلى المحكمة الجنائية، فقدم لنا محاضرة عن المحكمة الجنائية، مفصلاً اتهاماتها القانونية، وأن البشيرمتهومٌ في قضايا يُعاقب عليها القانون الدولي، وتداعيات تدخل مجلس الأمن في هذه القضية، مشيراً إلى أنه إذا هبت ثورة في السودان واقتلعت نظام البشير، لا ينبغي تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، بل يُحاكم، وفقاً للقانون السوداني أمام المحاكم السودانية.
في رأيي الخاص، كان الراحل علي محمود حسنين رجل مبادرات في النضال الوطني. فقد أسس الجبهة الوطنية العريضة، وأصر أن تكون رئاسة هذه الجبهة بالانتخاب، وبالفعل تم انتخابه في المؤتمر العام التأسيسي للجبهة الوطنية العريضة الذي عُقد في لندن 22-24/10/2010، رئيساً للجبهة والتي هدف من تأسيسها اسقاط نظام الإنقاذ. ومن مُخرجات ذلكم المؤتمر اللندني، عدم التحاور مع نظام الإنقاذ،وإقامة دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية دون اعتبار للعرق أو الدين أو الثقافة، وتكون الإرادة الحرة للمواطنين مصدراً للتشريع. كان – يرحمه الله – يُلحعلى تعريفه بمنصب نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، في الوسائط الصحافية والإعلامية، وحجاجه في ذلكم الإلحاح، أنه تقلد هذا المنصب بالانتخاب. ويُعتبر الراحل علي محمود حسنين من قيادات الحركة الاتحادية التاريخية وأحد أبرز المناضلين من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان.
عرفتُ الراحل علي محمود حسنين إبان عملي في صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية، حيث توثقت هذه المعرفة والعلاقة من خلال مشاراكتي معه في التعليقات والتحليلات للشأن السوداني في القنوات العربية والأجنبية. وازدادت أواصر هذه العلاقة توثيقاً وتمتيناً، من خلال علاقتي الودودة المتميزة مع شقيقه البروفسور عثمان محمود حسنين الذي كنتُ التقيه عند زياراته إلى لندن في مكتب الأخ الصديق التاج علام، وكذلك في السودان. ومن هنا اكتسبت علاقتي بالراحل على محمود حسنين بُعداً أخوياً صادقاً، وتواصلاً وتوادداً، فزرته ورهط من رسلائي، في منزله بالخرطوم بحري عند عودته.
كان الراحل علي محمد حسنين، معارضاً شرساً، ومناضلاً مشاكساً، ومحدثاً لبقاً، وطيباً بشوشاً، يلقاك بابتسامة عريضة، حتى لا تصدق ما سمعته عنه من شِدةٍ وغِلظةٍ، فيه عمق الطيبة ودفء السودان. كنت ألتقيه كثيراً في لندن، فكان جميل هذه اللقاءات أنها تجمع بين المؤانسة والثقافة، وتنداح فيها الأحاديث والذكريات. وأجده كل يوم تزداد حماسته للنضال، ولو كان مريضاً عليلاً.
فلا غروّ، إن كان شقيقه البروفسور عثمان محمود حسنين يقلق عليه كثيراً عندما لا يكون معه في لندن، فيبدي ذاكم القلق الجميل لأسرته وأصدقائه على شقيقه، ويوصيهم به خيراً، ليسألوا عنه ويتفقدوا أحواله. لم يكن الراحل من أهل الضغائن حتى على خصومه في المعارضة، صبراً عليهم واصطباراً. وكأني به يُردد قول الشاعر العربي أبي الطيب أحمد بن الحُسين، المعروف بالمتنبئ:
ومراد النفوس أصغر من أن نتعادى فيه وأن نتفانى
غير أن الفتى يلاقي المنايا كالحات ولا يلاقي الهوانا
أخلص إلى أن الراحل كان صاحب رؤية ثاقبة، وحماسة دافقة، وأسلوب رصين، وعبارة مهذبة. وكان متمكنا في القانون، وضليعا في مرافعاته، ومتفرداً في سرده للوقائع التاريخية، والأحداث السياسية السودانية. كان الراحل علي محمود حسنين، مناضلاً متفائلاً، ينظر إلى المستقبل، ويرفض أن يكون حبيساً للماضي. كثيرون يعتبرونه مفرطٌ في التفاءل، ولا يأخذون توقعاته محمل الجد، لا سيما عندما يؤكد لجلسائه أن نظام الإنقاذ زائلٌ لا محالة، وأنه قريباً سيعود إلى السودان بعد سقوط الإنقاذ. وفور عودته من منفاه الاختياري في لندن توجه إلى ساحة الاعتصام، وخاطبهم أربع مراتٍ. فلذلك أصر المعتصمون على أن يصلوا على جثمانه في ساحة الاعتصام قبل دفنه في مقابر أحمد شرفي بأم درمان، فاستجابت الأسرة لهم. فهكذا، جاء علي محمود حسنين إلى رحاب الوطن، ورحل عنا إلى رحاب الله.
وختاما أسأل الله تعالى، أن يتقبل أخانا علي محمود حسنين، قبولاً طيباً حسناً، ويلهم أهله وذويه وأصدقاءه ومعارفه الصبر الجميل. 
“ومَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا ۗ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ”.

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.